نحن الأقلية

كامل سلمان

مفهوم الأقلية تطلق على الأقلية العرقية أو الأقلية الدينية التي تتواجد وسط أغلبية تختلف عنها في العرق أو العقيدة أو الإنتماء ، أما اليوم فأصبحت هناك أقلية من نوع آخر ، العقلاء الذين يرفضون التطرف ويرفضون السير مع القطيع ويتطلعون للإصلاح أصبحوا هم الأقلية بغض النظر عن انتماءاتهم أو معتقداتهم ، يرفضون الاصطفاف مع هذا وذاك ضد هذا وذاك ، فهم يعيشون تحت المطرقة وحياة الإكراه كما تعيشها الأقليات العرقية . هؤلاء أصبحوا أقلية بمحض اختيارهم ، هؤلاء يعيشون الحرية الفكرية يرفضون الأفكار الجاهزة التي تزق في عقولهم ، ويجعلون من عقولهم النظيفة المقياس الوحيد لقبول الأفكار هؤلاء هم الأقلية ، من الصعب جداً أن تواجه تيار الاغلبية وتتخذ طريقاً خاصاً بك وتقف مع من يشابهك الرأي العقلي العلمي الإنساني ، فهذه ستكون مجازفة مكلفة جداً في وقت تكون الأغلبية متوحشة وتتحرك بشكل زمر كبيرة وتكتسح من يخالفها الرأي تحت وصاية جهات مارقة ، ستكون هناك اتهامات جاهزة لتلصق بك عندما ترفض السير مع القطيع ، منها مرتد ، كافر ، خائن ، عميل ، متخاذل ، ستكلف نفسك المتاعب لكنها في النهاية هي خيارك الأمثل التي تتطابق مع مبادئ الخير ، الأغلبية دائماً على خطأ ، لأن الأغلبية تقرر ما يقرره سادات القوم وكبراءهم، فبالحقيقة الأغلبية تخدم مصالح فئات محدودة . عندما أقول نحن الأقلية فأنا لا أقصد نفسي ولكن صوتهم حاضر في هذا المقال بضمير نحن ، نحن الأقلية لأننا لا نبحث عن الضرر للأخرين ، نحن لا نبحث عن مصالحنا نحن لا نصبح في يوم من الأيام أغلبية ، وإذا أصبحنا أغلبية فقد زاغت قلوبنا من حيث ندري أو لا ندري . سنبقى طوال العمر في خانة الأقلية لكننا نبقى النبراس الدائم لكل الاجيال . نحن الذين يخشاهم سادة الأكثرية ، لأننا نستطيع فضحهم وابراز خفاياهم ، كل ما تسمعونه من وسائل الدعاية والإعلام وخطباء ووعاظ عند الأغلبية كلها لأجل التشويه علينا لأجل أن لا يستمع الناس إلينا لأن كلمات الأقلية صادقة ومقنعة ونابعة من صميم القلب ، نحن لا نبحث عن تجييش الجيوش وغسل الأدمغة ، نحن لا نتخذ العنف سبيلاً للوصول إلى غاياتنا ، فكل واحد فينا هو أمة قائمة بذاتها . أن كل فضيلة كتبتها أو صنعتها أنامل الأقلية تبقى خالدة ، من هو أرسطو ، من هو مونتسكيو ، من هو نيلسون مانديلا ، من هو غاندي ، من هو دوركهايم ، من هو أديسون ؟ وغيرهم بالمئات ؟ هؤلاء كلهم نتاج الأقلية ، الفئة الصادقة مع نفسها ومع الآخرين ومع الحياة. لم تنتج الأغلبية إلا حثالات التأريخ الكاذبين المارقين . الأغلبية دائماً تجمعهم مبادئ العقائد المزيفة ومبادىء الحروب بينما الأقلية تجمعهم فقط الرضوخ للعقل والمنطق وحب السلام والتصالح . نحن الجمال والكمال نحن العطاء نحن الأمل نحن الفرح . كل فرد من أفراد الأقلية لا ينظر لنفسه ، نفسه أصبحت من المنسيات ، الشمعة تحترق لتعطي النور لغيرها ،
الأقلية هم المعادن الثمينة ، المعادن الثمينة نادرة وعزيزة والجميع يحبها ويتمنى إمتلاكها ، كلهم يعرفون قيمة الأقلية كما يعرفون قيمة المعادن الثمينة النادرة ،، لأن الأقلية هم قيمة الحياة وطعمها وهم صناع الحياة ، الأقلية دوماً تنظر للمستقبل بينما الأغلبية مبرمجة للتعامل مع الماضي فقط . من السهل جداً أن تنضم بعقلك وكيانك وأحاسيسك لجموع الأغلبية ولكن من الصعب جداً أن تسلك مسلك الأقلية فطريقهم طويل ومحفوف بالمخاطر ، في كل خطوة يخطونها يجدون نور الأمل يشع أمامهم ، لكي تسلك درب الأقلية تحتاج إلى إرادة كبيرة وعقل نظيف متحرر ، عقل لا يصدأ ، وقلب لا يتوسخ .
لو أردنا دراسة الحاضر والتمعن في عمق الماضي في محاولة البحث عن لغز الدمار والمصائب التي أصابت و تصيب المجتمعات البشرية ، سنجد في كل مصيبة وكل طامة كبرى بصمة لأمواج من القطيع تقف خلفهم حفنة من الأشرار المخادعين ، ولو أردنا كذلك معرفة كيف قضوا أفراد الأقلية نحبهم ، سنجد نفس البصمة ، وبنفس الأسلوب تتكرر الجريمة ، يقتلون الأحرار ويقتلون السلام ويقتلون التطور ويقتلون كل بصيص ضوء ليجعلوا الحياة عتمة دهماء تتعثر فيها الخطوات لينالوا رضا نزعاتهم الشهوانية المريضة . هكذا وجدناها ، وهكذا سيستمر الحال ، فلكل موقعة فريسة ، وفريسة الأصلاح هم الأقلية ، تتكالب عليهم الوحوش وكل ذي ظفر لتنهش أثارهم الطيبة .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here