حديث في الغباء السياسي

حميد كشكولي

سألت إن كان ثمة نظرية للغباء، فحصلت على جواب : نعم، هناك نظرية للغباء. فالألماني بونهوفر يقول إذا أردنا أن نستفيد من الغباء يجب أن نفهم طبيعته. ويضيف: إن الغباء آفة تصيب الجموع وتسيطر عليهم حيث إن الغباء الفردي لا يؤثر على المجموعة والعكس صحيح حيث أن الغباء الجماعي يمكنه بسهولة التأثير على الأفراد.
أما الفرق بين الغباء والذكاء، فالذكاء والغباء صفتان متناقضتان، فكلما ازداد الذكاء قل مستوى الغباء والعكس صحيح. وثمة عوامل تساعد على زيادة نسبة الذكاء وقلة نسبة الغباء ومنها التعلم أو تناول بعض الأطعمة الصحية التي تزيد من نسبة الذكاء، أو أخذ دورات تدريبية تعليمية وغير ذلك من العوامل المساعدة التي تزيد من رفع معدل الذكاء وتقليل معدل الغباء.
أما بشأن الغباء في اتخاذ القرارات السياسية، فيُنظر إلى الغباء باعتباره حالة عقلية، لا ينقصها علم أو دراسة وهذا ما يميزها عن الجهل، إلا أن كلا من الجهل والغباء يؤدي إلى سوء التكيف مع الواقع والتصرف بعكس اتجاه المصلحة.
وثمة أمثلة وحالات كثيرة حول الغباء في اتخاذ القرارات السياسية في العراق. بالنسبة لأمريكا، يتم اتخاذ القرارات السياسية من خلال عدة مؤسسات مثل الكونجرس والرئيس ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع والهيئات التنفيذية المختصة. بالنسبة لروسيا، هناك بعض الأمثلة على القرارات السياسية التي تم اتخاذها والتي تم التعبير عنها بأنها غير مدروسة .
بطبيعة الحال، يميل المؤرخون إلى الابتعاد عن تفسيرات بسيطة للأحداث التاريخية، مثل إلقاء اللوم على غباء القادة. وذلك لأنهم مدربين على البحث عن تفسيرات أكثر تعقيدًا ودقيقة تأخذ في الاعتبار مجموعة متنوعة من العوامل، مثل السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي آنذاك. ومع ذلك، هذا لا يعني أن الغباء لا يلعب أي دور في التاريخ.
في حين أنه من المهم تجنب التفسيرات البسيطة للأحداث التاريخية، يجب ألا نقلل من أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الغباء في تشكيل مسار التاريخ. قد لا يكون الغباء العامل الوحيد في أي حالة معينة، ولكنه يمكن أن يكون عاملًا مساهمًا في كثير من الأحيان، ومن المهم الاعتراف بإمكانية تأثيره.

ويمكن تلخيص نظرية الغباء في النقاط التالية:
• الغباء حالة عقلية لا ينقصها علم أو دراسة.
• الغباء يختلف عن الجهل، حيث إن الجهل هو عدم معرفة شيء معين، بينما الغباء هو اتخاذ قرارات أو أفعال خاطئة.
• الغباء ينتشر في الجموع أكثر من الأفراد.
• الغباء يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة على المجتمع.
الفرق بين الغباء والذكاء
الذكاء والغباء هما صفتان متناقضتان، فكلما ازداد الذكاء قل مستوى الغباء والعكس صحيح.

الغباء في اتخاذ القرارات السياسية
يُنظر إلى الغباء باعتباره حالة عقلية، لا ينقصها علم أو دراسة. إلا أن كلا من الجهل والغباء يؤدي إلى سوء التكيف مع الواقع والتصرف في عكس اتجاه المصلحة.
في مجال السياسة، يمكن أن يؤدي الغباء إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو غير مدروسة، مما قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على المجتمع.
يقول برتلاند راسل: “ما حدث في ألمانيا هو أمر خطير للغاية بالنسبة للعالم المتحضر كله… السبب الأساسي للمشاكل هو أن الأغبياء في العالم الحديث واثقون من أنفسهم بينما الأذكياء ممتلئون بالشك. حتى أولئك الأذكياء الذين يعتقدون أنهم لديهم حل سحري هم أنانيون للغاية بحيث لا يتحدون مع أشخاص أذكياء آخرين يختلفون معهم في نقاط صغيرة.”

كلمات برتراند راسل، أعلاه والمكتوبة عام 1933، تقدم نظرة مرعبة إلى مخاطر الجهل غير الخاضع للرقابة والجاهل الواثق من نفسه. ولسوء الحظ، تتحقق ملاحظات راسل اليوم، حيث نشهد صعود قادة يقدمون حلولًا بسيطة لمشاكل معقدة، مما يزرع الانقسام ويغذي الكراهية.
يساعد تأثير “دانينغ-كروجر”، وهو تحيز معرفي يبالغ فيه الأشخاص ذوو القدرة المنخفضة في كفاءتهم، في تفسير سبب كون الأغبياء غالبًا واثقين من أنفسهم إذ إن معرفتهم وفهمهم المحدودين يجعلانهم غير قادرين على فهم تعقيدات العالم، مما يؤدي إلى اعتقادهم أنّ لديهم جميع الإجابات.
ومن ناحية أخرى، غالبًا ما يعاني الأذكياء من الشك. فهم يفهمون حدود معرفتهم والترابط بين القضايا. يجعلهم هذا التواضع أقل عرضة لإعلان الحقائق المطلقة وأكثر عرضة للمشاركة في الحوار المفتوح والتفاوض.
كما يلاحظ الفيلسوف راسل أن الأشخاص الأذكياء يمكن أن يكونوا أنانيين للغاية فلا يتعاونون فيما بينهم.
وفي عصر غرف الصدى على وسائل التواصل الاجتماعي والسياسة الحزبية، من السهل أن تصبح معزولًا في معتقداتك، غير راغب في النظر في وجهات النظر المعارضة.
لمكافحة انتصار الغباء، يجب علينا أن ننمي ثقافة التفكير النقدي والانفتاح. يجب أن نشجع التساؤل والنقاش والتعاون. يجب أن نتحدى الحلول البسيطة ونطالب باتخاذ القرارات القائمة على الأدلة. ومن خلال تبني التواضع الفكري والعمل الجماعي، يمكننا أن نأمل في التغلب على مخاطر الجهل غير الخاضع للرقابة وبناء عالم أكثر عدلاً ومساواة.

إن السياسي المحنك شخص يتمتع بمجموعة من الصفات والمهارات التي تمكنه من اتخاذ القرارات السياسية الصحيحة، والتي تؤدي إلى نتائج إيجابية على الدولة والمجتمع. ومن هذه الصفات والمهارات ما يلي:
• الذكاء السياسي: وهو القدرة على فهم وتحليل القضايا السياسية، وتقدير العواقب المحتملة للقرارات السياسية.
• الحكمة السياسية: وهي القدرة على اتخاذ القرارات السياسية التي توازن بين المصالح المختلفة، وتراعي المصلحة العامة.
• التجربة السياسية: وهي القدرة على الاستفادة من التجارب السابقة، وتجنب تكرار الأخطاء.
• القدرة على التأثير على الآخرين: وهي القدرة على إقناع الآخرين بوجهة نظره، وتحقيق أهدافه السياسية.
بالإضافة إلى هذه الصفات والمهارات، فإن السياسي المحنك يجب أن يكون أيضًا شخصًا محترمًا ونزيهًا، يتمتع بأخلاقيات عالية.

في الواقع، هناك العديد من الأمثلة على الأحداث التاريخية التي تسببت أو تفاقمت بسبب غباء القادة. على سبيل المثال، فإن قرار رئيس الوزراء البريطاني Neville Chamberlain بالتهدئة مع Adolf Hitler في الثلاثينيات من القرن الماضي يُذكر غالبًا كحالة من الغباء في التاريخ. سياسة التهدئة التي اتبعها Chamberlain والتي تضمنت تقديم تنازلات إلى Hitler لتجنب الحرب، فشلت في النهاية، ويعتقد على نطاق واسع أنها لعبت دورًا في اندلاع الحرب العالمية الثانية.

ومثال آخر على الغباء التاريخي هو قرار الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان في عام 1979. كانت هذه الغزوة مغامرة مكلفة ومأساوية في النهاية استمرت عشر سنوات وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الجنود السوفييت. يعتقد على نطاق واسع أن الغزو كان قائمًا على معلومات استخباراتية خاطئة وفهم خاطئ للوضع في أفغانستان.
بالإضافة إلى هذه الأمثلة المحددة، من المهم أيضًا الاعتراف بأن الغباء يمكن أن يلعب دورًا أكثر دقة في التاريخ. على سبيل المثال، يمكن أن تجعل غباء القائد من الصعب اتخاذ قرارات صائبة، ويمكن أن تبعد الحلفاء وتصنع الأعداء، ويمكن أن تخلق مناخًا من عدم الثقة وعدم الاستقرار.

الحرب العراقية الإيرانية

في حينها، كان حتى الفلاح الأمي يعرف أن قرار شن الحرب على إيران قرار غبي. ومعظم الناس العاديين كانوا يعلمون السبب في أن قرار الحرب على ايران خاطئ خطأ قاتلا. والجميع كانوا يعرفون حقيقة أن ايران التي أكبر مساحة ونفوسا وامكانيات أكثر من أربع مرات لم تكن لقمة سائغة. والكل كان يعلم أن القوى العظمى لن تسمح بانتصار أي من الطرفين على الطرف الآخر. والجميع كانوا يعرفون ان احتضان المعارضة الإيرانية في حينها ودعمها كان الخيار الأفضل من الحرب لمواجهة الجمهورية الإسلامية الفتية. دعم المعارضة الإيرانية من معظم الدنيا قد كان أيضا دعما بمختلف أنواعه للنظام البعثي أيضا. لكن غباء الدكتاتور واستهتاره بأرواح العراقيين انتصر على كل الخيارات المعقولة.
شن صدام حسين الحرب على إيران في عام 1980، على أمل اسقاط نظام الخميني والحصول على تنازلات منه. استمرت الحرب لمدة ثماني سنوات، وتسببت في مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، وتدمير الاقتصاد العراقي.
كان قرار صدام حسين بشن الحرب على إيران قرارًا خاطئًا لعدة أسباب، منها:
• كان الجيش الإيراني أقوى من الجيش العراقي، وكان لدى إيران إمكانيات اقتصادية أكبر.
• لم يكن لدى العراق استراتيجية واضحة للحرب، وكان يعتمد على القوة العسكرية فقط.
• كان قرار الحرب يخدم مصالح صدام حسين الشخصية أكثر من مصالح العراق.
وبعد قادسية صدام جاء قرار احتلال الكويت.
في عام 1990، غزا العراق الكويت، وضمَّها إلى أراضيه. أدى هذا الاحتلال إلى غزو العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وسقوط نظام صدام حسين.
كان قرار صدام حسين باحتلال الكويت قرارًا خاطئًا لعدة أسباب، منها:
• كان الكويت دولة مستقلة ذات سيادة، وكان احتلالها انتهاكًا للقانون الدولي.
• كان لدى الكويت دعمًا دوليًا قويًا، وكان من الصعب على العراق احتلالها.
• كان قرار الاحتلال يخدم مصالح صدام حسين الشخصية أكثر من مصالح العراق.

النتائج
أسفرت القرارات السياسية الغبية في عهد صدام حسين عن العديد من النتائج السلبية على العراق، منها:
• تدمير الاقتصاد العراقي وتجويع الشعب العراقي
• مقتل مئات الآلاف من الأشخاص
• تشريد ملايين الأشخاص
• تفاقم الانقسامات الطائفية
• إضعاف الدولة العراقية
وبالتالي اسقاط نظامه واعدامه.
من الصعب تحديد ما إذا كان صدام حسين غبيًا أم لا، ولكن من الواضح أن قراراته السياسية كانت خاطئة، وكان لها عواقب وخيمة على العراق. يصفه المؤرخ الراحل كمال مظهر بأنه كان سياسيا ذكيا ومحنكا. لكنني أرى أن ذكاءه كان فاق كل المستويات في المكر والوصولية وتصفية كل من رأى فيه منافسا له حتى في المستقبل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here