الامام علي عليه السلام والقرآن الكريم في تشكيله وقراءته

الدكتور فاضل حسن شريف

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: (عليٌّ مَعَ القرآنِ والقرآنُ مَعَ عليٍّ لنْ يفترقا حتّى يَرِدَا عَلَيَّ الحوضَ). عن أبي سعيد الخدري قال: سألتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن قول الله تعالى “وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” (الرعد 43)، قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب عليه السلام. عن علي بن حوشب قال: سمعتُ مكحولاً يقول: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّ: “وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ” (الحاقة 12)، فقال: يا علي، سألتُ الله أنْ يجعلها أُذنك. قال: قال علي عليه السلام: فما نسيتُ حديثاً أوشيئاً سمعتُه مِن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وعن بريد الأسلمي قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي: يا علي، إنّ الله أمرني أنْ أُدْنِيْكَ ولا أُقْصِيْكَ، وأنْ أُعلّمك وأنْ تعي، وحقٌ على الله أنْ تعي. قال: فنزلتْ “وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ” (الحاقة 12). يقول القندوزي الحنفي أخرج الطبراني عن ابن عبّاس قال: (نزلت في علي عليه السلام أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه). قال الامام علي عليه السلام: وإن الكتاب لَمعي، ما فارقته مُذ صحبتُه. وهو القائل: (سلوني عن كتاب الله، فوالله، ما من آية إلاّ أنا أعلم أَبِلَيْلٍ نزلتْ أَمْ بنهارٍ، أَمْ في سهلٍ أَمْ في جبلٍ). وسئل علي عليه السلام عن هذه الآية: “َاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ” (النحل 43). فقال: (والله إنّا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه).

إن كتب التاريخ تشير إلى أن أبو الأسود الدؤلي (16 ق.هـ. – 69 هـ) يعتبر أول من وضع علم النحو و شكّل المصحف وهو من وضع النقاط على الأحرف العربية وأول من ضبط قواعد النحو فوضع باب الفاعل، المفعول به، المضاف و حروف النصب و الرفع و الجر و الجزم. أول من أسسّ علوم العربية، ونَهَج سُبلها ووضع قياسها، وأول من عمل كتاباً في النحو، وأول من وضع نُقَط المصحف وأعربه، وحَفَظَه عن التحريف باتفاق جميع المصادر، وقد عمل كل ذلك بإرشاد وتوجيه من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وثقته والمخلصين له شارك معه حروبه الثلاث صفين والجمل والنهروان، وكان له دور فاعل ومؤثر فيها فقد كان من المتحققين بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومحبته وصحبته ومحبة ولده.

يقول الشيخ محمد جميل حمود العالمي: القراءة المشهورة بين عامة المسلمين منذ العهد الأول إلى عصرنا الحاضر هي قراءة حفص عن عاصم، حيث كان حفص تلميذاً لعاصم، وقراءتهما هي القراءة المشهورة بين الخاصة والعامة، وعاصم قد أخذ قراءته عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمي، والسلمي أخذها عن أمير المؤمنين وسيِّد الموحدين، الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وكان حفص يعرض قراءته على زر بن حبيش الذي كان يرجع إلى ابن مسعود، وكما قلنا إن قراءة ابن مسعود هي أقرب القراءات إلى أهل بيت العصمة سلام الله عليه. وقد روى ابن شهر آشوب في المناقب عن ابن مسعود أنه قال: قال ابن مسعود: ما رأيت أحداً أقرأ من أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام للقرآن.

جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم‌ السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام: تكاد تتفق كل نصوص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة على أنّ هذا القرآن الموجود بين أيدينا هو الكتاب الذي أنزله الله‏ على رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الكتاب الذي تكفّل الله‏ بحفظه وتخليده باعتباره الدليل على خلود الرسالة التي اُنزل من أجل إثباتها وتثبيتها. وقد تضمن هديَ الله‏ للبشرية والدين التام الذي ارتضاه لعباده ويحتجّ به على خلقه إلى يوم القيامة. قد صرّحت كلماته الخالدة عن هذا الكتاب الخالد بأنّه يتكلّم عن القرآن الموجود بأيدينا، وهو القرآن الذي اُنزل على الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجمع في عهده عليه السلام وتداوله المسلمون جيلاً بعد جيل لم ينقص منه حرف أو كلمة. في بيان له في نهج البلاغة: (واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يَغُشّ، والهادي الذي لا يُضِلُّ، والُمحدِّثُ الذي لا يكذبُ. وما جالس هذا القرآن أحدٌ إلاّ قام عنه بزيادةٍ أو نقصان زيادة في هديً أو نقصان من عمى. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقةٍ، ولا لأحدٍ قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لَأْوائِكم؛ فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال، فاسألوا الله‏ به وتوجّهوا إليه بحبّه). تتلخص قصة مصحف الإمام علي عليه السلام بما يلي: إنَّ الإمام عليه السلام جمع القرآن بعد وفاة رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت سوره وآياته هي نفس آيات وسور القرآن المتداول بين المسلمين الآن، وكان متضمناً ترتيب السور حسب النزول وإلى جانبها أسباب النزول.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here