العراق يجمع بين النقيضين: هدر في الطعام وفقراء يتضورون جوعاً


2024-01-28
يعاني العراق من مشكلة هدر الطعام والإسراف فيه حتى بات يصنّف ضمن البلدان الأكثر هدراً للطعام، في وقت يعيش الملايين من مواطنيه تحت خط الفقر.

ويشغل العراق المركز الأول عربياً والسادس عالمياً من إجمالي 196 دولة، بأكثر الدول التي تهدر أكبر قدر من الغذاء لعام 2023، بحسب مجلة ceoworld الأميركية.

وذكرت المجلة، في تقرير لها ، أمس السبت، أن “هدر الطعام يعد مشكلة عالمية لها آثار سلبية على البيئة والمجتمعات واقتصاديات البلدان”.

ووفق تقرير المجلة الأميركية، جاء العراق بالمركز الأول عربياً، تليه السعودية، ثم لبنان، اليمن، سوريا، الكويت، قطر، الأردن، مصر، الجزائر، تونس، وأخيراً ليبيا.

وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2022، فإن الفرد العراقي يهدر من الطعام سنوياً ما يبلغ 120 كيلوغراماً، في حين يبلغ الهدر العام سنوياً نحو 5 ملايين طن من الطعام.

في وقت تظهر الإحصاءات الحكومية الرسمية أن الفقر وصل إلى نحو 21% من السكان، فيما تُقدر أعداد الفقراء بنحو 11 مليوناً من بين 42 مليوناً هم عدد سكان العراق.

وتفيد بيانات رسمية صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأن قرابة 7 ملايين عراقي يتلقون منحاً مالية شهرية من الحكومة، وتتوقع رفعها الى 9 ملايين، قالت إنهم يستحقون المساعدة.

وتشكل العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة السبب الرئيس في هدر الطعام، باعتبار أن العراقيين يفضلون تحضير كميات طعام أكبر من الحاجة لدى تناولهم الطعام داخل المنازل أو في المطاعم، في سلوك اجتماعي يومي يقع تحت بند الكرم ويزداد خلال الأعياد والمناسبات.

إسراف للتباهي

وفي هذا السياق، يقول الشيف خلف البصراوي الذي يعد الطعام لمناسبات اجتماعية، إن “أغلب المواطنين يرغبون بملء الصحون بالطعام سواء في البوفيه المفتوح أو حتى في المناسبات المختلفة، ما يؤدي إلى تلف الطعام الباقي وخاصة المرق والرز”.

ويضيف البصراوي، أن “العراقيين يتفاخرون بكثرة الطعام الذي يعد في المناسبات مثل الأعراس ومجالس العزاء وغيرها، بسبب الأعراف الاجتماعية، لذلك يحصل زائد عن الحاجة”.

ويدعو البصراوي إلى ضرورة “الاستفادة من الطعام الزائد من خلال توزيعه على الفقراء، وفي حال تلفه حينها يمكن نشره على الأراضي كعلف للطيور والدواب، ويمكن أيضاً رميه في الأنهار لتأكله الأسماك”.

وبحسب وزارة البيئة العراقية، فإن المعدل اليومي لكل فرد عراقي من النفايات أكثر من 2 كيلوغرام، بينما تمثل بقايا الطعام نحو 43% من إجمالي النفايات في البلاد.

وأوضح مدير عام الشؤون الفنية في الوزارة عيسى الفياض في تصريح سابق ، أن “بقايا الطعام تصل كمياتها في عموم العراق يومياً إلى قرابة 20 مليون طن”.

ويؤثر هدر الطعام سلباً في الاقتصاد والبيئة، في وقت يعتبر اقتصاد العراق هشّاً، بحسب ما أورد تقرير أصدره البنك الدولي أخيراً، والذي صنّف اقتصاد العراق بأنه “ريعي يعتمد على موارد النفط”، ووصف البيئة العراقية بأنها “كارثية نتيجة تزايد مستويات التصحر والجفاف، وعدم اتخاذ إجراءات تساعد في تحسين البيئة وتعالج مشاكلها”.

خسائر كبيرة على الاقتصاد

وفي هذا الجانب، يؤكد الخبير الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أن “عملية الإسراف والبذخ في الطعام له تأثير كبير على الاقتصاد الشخصي من خلال الاستنزاف المالي الذي يؤدي بالنهاية إلى تضرر الشخص وبالتالي انعكاس ذلك على الاقتصاد العام”.

وبينت الاحصائيات أن الشعب العراقي هو الأكثر بذخاً في الطعام والذي له تأثيرات على السوق العام من خلال زيادة الطلب على المنتجات الغذائية والذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد وبالتالي تأثير على المواطنين من الطبقة الفقيرة الذين يعانون بسبب تضخم الأسعار، وفق الحلبوسي.

ويضيف لوكالة شفق نيوز، كما أن “لهدر الطعام خسائر كبيرة على الاقتصاد العراقي، فلو تمت مقارنة ما يهدر من طعام قياساً بالأسعار في العراق سنوياً يخسر ملايين الدولارات جراء الهدر في الطعام خصوصاً وأن العراق يستورد جميع المواد الغذائية من الخارج”.

ويتابع، “كما أن لهدر الطعام آثار مدمرة على البيئة من خلال التخلص منه، خصوصاً وأن ربع النفايات في العراق هو الطعام المهدور والذي يتسبب في انبعاث غازات مؤثرة سلباً على البيئة”.

وخلص الحلبوسي إلى القول إن “هدر الطعام له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني وعلى البيئة، وهنا يتطلب أن تقوم الدولة بحملات توعية لإيقاف الهدر بالطعام وتبيان مخاطرة الاقتصادية والبيئية”.

وكانت وزارة التخطيط، دعت في آب/أغسطس 2023، إلى تشريع قانون لتنظيم ومُكافحة هدر الطعام وتشجيع إعادة توزيعه وتدويره والتبرع به، مطالبة بتعزيز الزراعة والصناعة المُستدامتين وزيادة الإنتاج الزراعي وتحسين التغذية، وتحقيق الأمن الغذائي.

وصنفت دراسة أعدتها منظمتا Welthungerhilfe وWorldwide Concern الألمانيتين في تموز/يوليو 2023 العراق من الدول المعتدلة في مؤشر الجوع، حيث احتل المرتبة 66 بحصوله على 13.7 نقطة من أصل 212 دولة.

وبحسب الدراسة فإن العراق انخفض فيه مؤشر الجوع بعد أن وصل في عام 2000 إلى 23.8 نقطة لينخفض في عام 2008 إلى 20.8 نقطة، ومن ثم انخفض عام 2014 إلى 16.6 نقطة، وإلى 13.7 نقطة في عام 2022.

وكانت منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي في العراق وجهت النداء لكل من حكومة العراق وحكومة إقليم كوردستان، لتشجيع التعاون ما بين سلاسل التوريد الهادف إلى تقليل هدر الأغذية خلال مراحل الإنتاج والمعالجة والخزن. بالإضافة إلى دعم تغيير السلوكيات من أجل إحداث نقلة نوعية والتقليل من هدر الأغذية لدى المستهلكين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here