حميد كشكولي
الدين ضروري للحكومات. لا من أجل الفضيلة. ولكن لغرض السيطرة على الناس.
نيكولو ميكيافيلي
في كتابه “الأمير”، يطرح نيكولو مكيافيلي مفهوم “الدين السياسي”، وهو استخدام الدين لأغراض سياسية. يعتقد مكيافيلي أن الدين يمكن أن يكون أداة فعالة للسيطرة على الناس، لأنه يمكن أن يوفر لهم الشعور بالأمان والتوجيه، ويمكن أن يعزز شعورهم بالواجب والولاء للحكومة.
يدعم مكيافيلي هذا الرأي بسلسلة من الأمثلة التاريخية، مثل جمهورية روما القديمة، التي استخدمت الدين لتعزيز استقرارها وازدهارها. يشير إلى أن المواطنين الرومان كانوا خائفين من حنث اليمين أكثر من القوانين، لأن ذلك كان يعتبر خطيئة ضد الله.
يعتقد مكيافيلي أن الدين السياسي يمكن أن يكون أداة قوية للحكومات، ولكن من المهم استخدامه بحكمة. يجب أن يكون الدين السياسي واقعيًا، ويستند إلى فهم حقيقي للاحتياجات الروحية للناس. يجب أن يكون أيضًا مرنًا، وقادرًا على التكيف مع التغييرات في المجتمع.
فيما يلي بعض الأمثلة على كيفية استخدام الدين السياسي من قبل الحكومات:
في العصور الوسطى، استخدمت الكنيسة الكاثوليكية الدين للسيطرة على الناس، من خلال فرض العقوبات الدينية على أولئك الذين خالفوا تعاليمها.
في العصر الحديث، استخدمت العديد من الدول القومية الدين لتعزيز الوحدة الوطنية، من خلال ربط الدولة بالدين الرسمي.
في العصر الحالي، تستخدم بعض الدول الدين لتعزيز قيمها الاجتماعية والأخلاقية، من خلال دعم المؤسسات الدينية والأنشطة الدينية.
من المهم ملاحظة أن الدين السياسي ليس مفهومًا جديدًا، فقد استخدمه البشر لقرون لأغراض مختلفة. ومع ذلك، فإن مفهوم الدين السياسي أصبح أكثر شيوعًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الحكومات أكثر اهتمامًا باستخدام الدين كأداة للسيطرة على الناس.
يثير مفهوم الدين السياسي مجموعة متنوعة من القضايا الأخلاقية والسياسية. من ناحية، يمكن أن يكون الدين أداة قوية لتعزيز وحدة البلاد والشعب بفرض قيم أخلاقية مشتركة عليهم. من ناحية أخرى، يمكن استخدام الدين أيضًا لأغراض شريرة، مثل القمع والتمييز والعنف وتعزيز السلطة الدكتاتورية؟
من المهم أن نكون على دراية بالقضايا الأخلاقية والسياسية المرتبطة بالدين السياسي، وأن نكون قادرين على التفكير بشكل نقدي في استخدام الدين لأغراض سياسية.
سأتناول في هذا المقال موضوع الآداب السلطانية في الثقافة السياسية الإسلامية. سأبدأ بتعريف الآداب السلطانية، ثم مشروعها السياسي المميز، وسأنتهي بتحليل مزالق النص الملتبس في عهد أردشير.
تعريف الآداب السلطانية
تُعرف الآداب السلطانية بأنها مجموعة من النصوص الأدبية والسياسية التي تتناول موضوع الحكم والسلطة. ظهرت هذه الآداب في العصر العباسي، وازدهرت في العصر المملوكي.
تتنوع موضوعات الآداب السلطانية، ولكنها تركز بشكل أساسي على القضايا التالية:
صفات السلطان الواجب توافرها
علاقة السلطان بالرعايا
وسائل حفظ الدولة واستقرارها
وتتميز الآداب السلطانية بمشروعها السياسي المميز، الذي يجمع بين الوحي والعقل والتجربة التاريخية. ويهدف هذا المشروع إلى تحقيق الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي للمجتمع.
يستند المشروع السياسي للآداب السلطانية إلى المبادئ التالية:
الشرعية الدينية: يستند السلطان إلى شرعة الله في حكمه.
العدالة الاجتماعية: يجب أن يحكم السلطان بالعدل بين جميع رعاياه.
الشورى: يجب أن يستشير السلطان مستشاريه في إدارة شؤون الدولة.
مزالق النص الملتبس في عهد أردشير
يتميز عهد أردشير الأول (226-241 م) بأهمية خاصة في تاريخ الآداب السلطانية. في هذا العهد، ظهر أول نص من نوعه في الأدب العربي، وهو كتاب “الأدب في تدبير الملك” لأردشير بن بابك.
يتميز هذا النص بمزلق كبير، وهو أنه يمزج بين الوحي والعقل والتجربة التاريخية بطريقة ملتبسة. يستند النص إلى الوحي في بعض المواضع، ويستند إلى العقل في مواضع أخرى، ويستند إلى التجربة التاريخية في مواضع أخرى.
يؤدي هذا المزج إلى صعوبة فهم النص، وإلى إمكانية تأويله بطرق مختلفة. على سبيل المثال، يتحدث النص عن ضرورة أن يحكم السلطان بالعدل، ولكنه لا يحدد معنى العدل. هذا يفتح الباب أمام تأويلات مختلفة للعدل، والتي قد تؤدي إلى صراعات سياسية.
و يمكن القول إن الآداب السلطانية مشروع سياسي متميز في الثقافة السياسية الإسلامية. ومع ذلك، فإن هذا المشروع يعاني من بعض المزالق، خاصة في عهد أردشير الأول. هذه المزالق تؤدي إلى صعوبة فهم النص، وإلى إمكانية تأويله بطرق مختلفة، مما قد يؤدي إلى صراعات سياسية.
يمكن تحليل مزالق النص الملتبس في عهد أردشير من خلال تسليط الضوء على النقاط التالية:
التناقض بين الوحي والعقل: يستند النص إلى الوحي في بعض المواضع، ويستند إلى العقل في مواضع أخرى. هذا يؤدي إلى تناقض بين القواعد والمعايير التي يستند إليها النص.
الاعتماد على التجربة التاريخية: يستند النص إلى التجربة التاريخية في بعض المواضع. ومع ذلك، فإن التجربة التاريخية متغيرة، مما قد يؤدي إلى عدم دقة النص.
الغموض في التعبير: يتميز النص بالغموض في التعبير. هذا يجعل من الصعب فهم النص، وإمكانية تأويله بطرق مختلفة.
ومن أجل تجنب مزالق النص الملتبس، يمكن اقتراح الحلول التالية:
الوضوح في التعبير: يجب أن يكون النص واضحًا في التعبير، بحيث لا يترك مجالًا للتفسير المختلف.
التوحيد في المعايير: يجب أن يستند النص إلى معايير موحدة، سواء كانت دينية أو عقلية أو تاريخية.
التركيز على القواعد الأساسية: يجب أن يركز النص على القواعد الأساسية للحكم الرشيد، والتي لا تتأثر بالتغيرات التاريخية.
ويمكن تناول موضوع الموقف الأردشيري بين صورتين أساسيتين: الصورة التاريخية الفعلية، والصورة التي حفظها العهد في صياغته العربية.
الصورة التاريخية الفعلية
تروي كتب التاريخ أن أردشير الأول (226-241 م) قام بإخضاع الإمارات والطوائف الفارسية المتفرقة، ووحدها في دولة واحدة عرفت بالدولة الساسانية، واتخذ المدائن عاصمة لها. وقد اهتم بموضوع الدين وأعاد إحياء الديانة الزرادشتية، كما اهتم بالجيش، وأرسى كثيرا من النظم والقواعد الإدارية.
الصورة التي حفظها العهد في صياغته العربية
تتميز هذه الصورة بعدم الوضوح، وذلك بحكم ما لحق النص من عمليات تناصية ساهمت في الخلل الذي لحق عباراته وفقراته، وانعكس على دلالاته المباشرة والبعيدة.
الفرق بين الصورتين
يتمثل الفرق بين الصورتين في كون الصورة الأولى تحيل إلى تجربة في التاريخ، مرتبطة بشروط وملابسات سياسية محددة. والصورة الثانية أشبه ما تكون بالنمذجة المحوَّلة للتاريخي إلى قاعدة في التدبير السياسي العام، وذلك في ضوء قراءة إن لم تكن قراءات سعت إلى تكييف محتواه، وإعادة ترتيب سياقه وفقراته، لتناسب المجال الثقافي الذي يتم إرساله في إطاره (فضاء التاريخ السياسي في الإسلام).
الصورة التاريخية الفعلية
تشير الصورة التاريخية الفعلية إلى التجربة السياسية لأردشير الأول، والتي تمثلت في قيامه بتأسيس الدولة الساسانية، وإحياء الديانة الزرادشتية، وتنظيم الجيش، ووضع النظم والقواعد الإدارية.
هذه التجربة كانت مرتبطة بشروط وملابسات سياسية محددة، منها:
تفكك الدولة الأخمينية: كانت الدولة الأخمينية قد تفككت في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر، مما أدى إلى ظهور مجموعة من الإمارات والطوائف الفارسية المتفرقة.
الخطر الخارجي: كانت الإمبراطورية الرومانية تتوسع في المنطقة، مما شكل تهديدًا مباشرًا لوحدة إيران.
في هذا السياق، كان أردشير الأول بحاجة إلى بناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وقد نجح في تحقيق ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات، منها:
إخضاع الإمارات والطوائف الفارسية المتفرقة: تمكن أردشير الأول من إخضاع الإمارات والطوائف الفارسية المتفرقة، ووحدها في دولة واحدة عرفت بالدولة الساسانية.
إحياء الديانة الزرادشتية: أعاد أردشير الأول إحياء الديانة الزرادشتية، وجعلها الدين الرسمي للدولة الساسانية.
تنظيم الجيش: قام أردشير الأول بتنظيم الجيش، وجعله قوة عسكرية قوية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية.
وضع النظم والقواعد الإدارية: وضع أردشير الأول مجموعة من النظم والقواعد الإدارية التي ساهمت في تنظيم الدولة الساسانية واستقرارها
تتميز الصورة التي حفظها العهد في صياغته العربية بعدم الوضوح، وذلك بحكم ما لحق النص من عمليات تناصية ساهمت في الخلل الذي لحق عباراته وفقراته، وانعكس على دلالاته المباشرة والبعيدة.
من أسباب عدم الوضوح في هذه الصورة ما يلي:
التناصية: خضع النص لعمليات تناصية متعددة، حيث تم نقله من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية، ثم تم نقله من نص إلى آخر، مما أدى إلى حدوث خلل في النص الأصلي.
التأويل: تم تأويل النص من قبل القراء والمؤلفين المسلمين، مما أدى إلى تغيير معناه الأصلي.
الفرق بين الصورتين
يتمثل الفرق بين الصورتين في كون الصورة الأولى تحيل إلى تجربة في التاريخ، مرتبطة بشروط وملابسات سياسية محددة. والصورة الثانية أشبه ما تكون بالنمذجة المحوَّلة للتاريخي إلى قاعدة في التدبير السياسي العام.
الصورة الأولى تعكس الواقع التاريخي، أما الصورة الثانية فهي تمثل رؤية سياسية إسلامية للتجربة الأردشيرية.
تتميز لغة العهد الأردشيري بغياب مفاهيم المعتقِد والكافر، والمتدين وغير المتدين. ويرجع ذلك إلى أن الدولة الساسانية كانت دولة دينية، والدين الرسمي لها كان الزرادشتية. ومع ذلك، فإن النص لا يميز بين المؤمنين بالزرادشتية وغير المؤمنين بها.
يمكن تفسير هذا الغياب من خلال عدة عوامل، منها:
الطبيعة الدينية للدولة الساسانية: كانت الدولة الساسانية دولة دينية، والدين الرسمي لها كان الزرادشتية. ومع ذلك، فإن النص لا يميز بين المؤمنين بالزرادشتية وغير المؤمنين بها. ويرجع ذلك إلى أن الدولة كانت تسعى إلى تحقيق الوحدة الوطنية، ولذلك كان عليها أن تراعي جميع الطوائف الدينية.
الطبيعة السياسية للنص: كان النص سياسيًا في المقام الأول، ويهدف إلى تقديم نموذج للحكم الرشيد. ولذلك، كان من الضروري أن يكون النص شاملًا لجميع فئات المجتمع، بما في ذلك غير المؤمنين بالزرادشتية.
غياب لغة الحاكم والمحكوم
تتميز لغة العهد الأردشيري أيضًا بغياب لغة الحاكم والمحكوم. ويرجع ذلك إلى أن النص يركز على واجبات الملك تجاه رعاياه، وليس على حقوقه.
يمكن تفسير هذا الغياب من خلال عدة عوامل، منها:
الطبيعة الأبوية للحكم: كان الحكم في الدولة الساسانية حكمًا أبويًا، وكان الملك ينظر إليه على أنه أب لشعبه. ولذلك، كان من الطبيعي أن يكون الملك مسؤولًا عن رعاياه، وليس أن يكون له حقوق عليهم.
الطبيعة الدينية للحكم: كانت الدولة الساسانية دولة دينية استبدادية، وكان الملك ينظر إليه على أنه ممثل للإله على الأرض. ولذلك، كان من الطبيعي أن يكون الملك مسؤولًا أمام الله عن رعاياه، وليس أن يكون له حقوق عليهم.
وتتميز لغة العهد الأردشيري بحضور التدرج الاجتماعي المؤسس لتعالي الملك. ويستند هذا التدرج إلى فكرة أن هناك طبقات اجتماعية مختلفة في المجتمع، ولكل طبقة مكانتها الخاصة.
يمكن تفسير هذا الحضور من خلال عدة عوامل، منها:
كان المجتمع الفارسي مجتمعًا طبقيًا، وكان هناك تدرج اجتماعي واضح بين الطبقات المختلفة.
كان المجتمع الفارسي مجتمعًا دينيًا، وكان الدين يدعم فكرة التدرج الاجتماعي.
كما تتميز لغة العهد الأردشيري بالضرورة اللفظية الآمرة. ويعني ذلك أن النص يصدر أوامر ويفرض قواعد يجب على الجميع الالتزام بها.
تستند الضرورة اللفظية الآمرة في لغة العهد الأردشيري إلى ميتافيزيقا الطبائع الخالدة. ويعني ذلك أن هناك قوانين طبيعية تحكم الكون، ويجب على الجميع الالتزام بها.
يمكن تفسير هذا الحضور من خلال عدة عوامل، منها:
الطبيعة الدينية للمجتمع الفارسي: كان المجتمع الفارسي مجتمعًا دينيًا، وكان الدين يدعم فكرة وجود قوانين طبيعية تحكم الكون.
الطبيعة الفارسية للمجتمع الفارسي: كان المجتمع الفارسي مجتمعًا تقليديًا، وكان يؤمن بوجود قوانين طبيعية تحكم الكون.
الشعراء المتلقين والسلاطين والاكراميات
لطالما كان الشعراء جزءًا مهمًا من الحياة السياسية في العديد من المجتمعات، بما في ذلك المجتمعات الإسلامية. فقد كان الشعراء يحظون بمكانة خاصة لدى السلاطين والحكام، وكانوا يُستخدمون كوسيلة للتواصل مع الشعب وتوجيهه.
وكانت العلاقة بين الشعراء والسلاطين علاقة متبادلة المنفعة. فقد كان الشعراء يستفيدون من دعم السلاطين، من خلال الحصول على الإكراميات والهدايا، ومن خلال ضمان حرية التعبير عن آرائهم. وكان السلاطين يستفيدون من الشعراء، من خلال استخدامهم كوسيلة للترويج لأنفسهم ولسياساتهم، ومن خلال إثارة المشاعر الوطنية لدى الشعب.
وكانت الإكراميات التي يحصل عليها الشعراء من السلاطين متنوعة، فقد كانت تشمل المال والعقارات والوظائف الحكومية. وقد كان الشعراء ينظرون إلى هذه الإكراميات على أنها تقدير لجهودهم، كما أنها كانت تساعدهم على عيش حياة كريمة.
وكثر ما كان الشعراء يُستخدمون من قبل السلاطين كوسيلة لتضليل الشعب. فقد كان الشعراء يكتبون قصائد تمتدح السلاطين وتبرر سياساتهم، حتى لو كانت هذه السياسات غير عادلة أو مضرة بالشعب.
وقد كان هذا التضليل ينطوي على عدة أهداف، منها:
تقوية السلطة السياسية للسلطان: كان التضليل يساعد على تقوية السلطة السياسية للسلطان، من خلال تعزيز صورته كقائد عادل وقوي.
قمع المعارضة السياسية: كان التضليل يساعد على قمع المعارضة السياسية، من خلال إبعاد الناس عن فكرة الثورة أو الاحتجاج.
ضمان الاستقرار الاجتماعي: كان التضليل يساعد على ضمان الاستقرار الاجتماعي، من خلال تشجيع الناس على الرضا بالوضع القائم.
وقد كان بعض الشعراء مدركًا لطبيعة عمله، وكان يشعر بالذنب حيال استخدامه لتضليل الشعب. ومع ذلك، كان البعض الآخر يتقبل هذا الدور، ويعتقد أنه واجب عليه كشاعر أن يخدم السلطان.
استطاع الفقيه المتضلع في علوم الدين، الماوردي، أن يربط الدين بالسلطة من خلال مجموعة من المقدمات، منها:
اعتباره السياسة جزءا من الدين: فقد كان الماوردي يؤمن بأن الدين يشمل كل جوانب الحياة، بما في ذلك السياسة. وقد دافع عن هذا الرأي في كتابه “الأحكام السلطانية”، حيث قال: “السياسة هي حفظ الدين وسياسة الدنيا”. ومعنى ذلك أن السياسة هي وسيلة لتحقيق أهداف الدين، مثل حفظ الأمن والعدل ونشر الأخلاق الحميدة. وقد أكد الماوردي على أهمية السياسة في تحقيق هذه الأهداف، حيث قال: “السياسة هي سبب صلاح الدنيا والدين، وفسادهما في الفساد”.
إقراره بأن استمرار السلطة يقتضي بنائها على الدين: فقد كان الماوردي يعتقد أن السلطة التي لا تستند إلى الدين لن تستمر طويلا. وقد دافع عن هذا الرأي في كتابه “الأحكام السلطانية”، حيث قال: “كل سلطة لا تبنى على الدين، الذي تَوَلَّد حوله الإجماع، ويعتبر الناس فيه أن الطاعة واجب والتعاون فرض، تظل سلطة مؤقتة”.
وقد كانت عملية الربط بين الدين والسلطة في ذهن الماوردي عملية دينية وسياسية في آنٍ واحد. فقد كانت عملية دينية من حيث إنها تستند إلى مبادئ الدين الإسلامي، مثل العدل والشورى. وكانت عملية سياسية من حيث إنها تخدم أهداف السلطة، مثل الحفاظ على النظام والاستقرار.
اعتقد الماوردي أن السلطة التي لا تستند إلى الدين لن تستمر طويلا. وقد دافع عن هذا الرأي في كتابه “الأحكام السلطانية”، حيث قال: “كل سلطة لا تبنى على الدين، الذي تَوَلَّد حوله الإجماع، ويعتبر الناس فيه أن الطاعة واجب والتعاون فرض، تظل سلطة مؤقتة”.
ومعنى ذلك أن السلطة التي لا تحظى بشرعية شعبية لن تستطيع البقاء على قيد الحياة. وقد أكد الماوردي على أهمية الشرعية الشعبية للسلطة، حيث قال: “الناس لا يطيعون إلا من يرونه أولى بالطاعة”.
وهكذا، فإن الماوردي كان يعتقد أن العلاقة بين الدين والسلطة علاقة وثيقة لا يمكن فصلها. فقد كان الدين في نظره أساس السلطة، والسلطة هي وسيلة لتحقيق أهداف الدين.
مالمو
2024-01-29