السعودية زعيمة للعالمين العربي والاسلامي
نزار جاف
( 3 ـ 4)
الاتراك والحرب العالمية الاولى
مع إنتهاء الحرب العالمية الاولى والتي کانت من أهم ماقد تمخضت عنها سقوط وتلاشي الدولة العثمانية ودخول الاتراك في مرحلة جديدة وضعت حدا لغرورهم وغطرستهم التي جالت في الآفاق، ولاسيما وإن العالم قد تغير ولم يعد معتمدا على الاسلحة التقليدية القرووسطائية خصوصا وإن الثورة الصناعية في أوربا قد غيرت من المعادلة التي کانت بين الدولة والعثمانية وأوربا کثيرا لصالح الاخيرة، فلم يکن أمام المتنورين الاتراك غير الاستسلام للأمر الواقع والسعي للعمل من أجل النهوض مرة أخرى من خلاله.
المتنورون الاتراك وفي طليعتهم کمال أتاتورك، سعوا کل مابوسعهم من أجل محاکاة الاوربيين والوصول الى ماقد وصلوا إليه، لکن أوربا التي مرت بتجربة مريرة ودامية مع الدولة العثمانية لم تثق بأسلافهم مايکفي لجعلهم ينحون نحوها، ذلك إنها إرتابت من أحفاد دولة مثلت وجسدت الرعب والهلع للأطفال في عموم أوربا من المارد الترکي الذي قد يدخل عليهم في أية لحظة ويسلبهم کل شئ.
التروي الاوربي الملفت للنظر في منح العضوية لترکيا لدخول الاتحاد الاوربي، لم يکن جزافا بل کان قرارا وموقفا عقلانيا ومنطقيا بهذا الصدد، لأنه وبعد مايقرب على ال60 عاما، فقد بدأت حالة الحنين والنوستالجيا الترکية للدولة العثمانية والتي کان نجم الدين أربکان، من أهم الوجوه الترکية التي لفتت الانتباه الاوربي الى هذا الامر، وهذا الامر له أهميته الخاصة والمٶثرة لأن الاوربيين لم ينسوا ماقد لاقاهم وعانوه من الدولة العثمانية وکانوا يريدون من أحفاد هذه الدولة أن لايفکروا يوما بالعودة الى هذه الدولة وأفکارها ومفاهيمها فکيف الامر مع إعادة أحيائها؟!
العثمانيون الجدد
ولم يکن الشك والارتياب الاوربي من عودة الاتراك لحلمهم العثماني عبثا، وخصوصا بعد تأسيس حزب العدالة والتنمية”من قبل المنشقين من حزب الفضيلة الذي کان يرأسه نجم الدين أربکان والذي تم حله بقرار صدر من المحکمة الدستورية الترکية في 22 يونيو2001، وکانوا يمثلون جناح المجددين في حزب الفضيلة”1 و” يطلق البعض على الحزب وسياساته لقب العثمانيين الجدد وهو ما أقره الحزب من خلال أحد قادته وزير الخارجية أحمد داود أوغلو حيث قال في 23 نوفمبر 2009 في لقاء مع نواب الحزب:«إن لدينا ميراثا آل إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا. نحن ننفتح على العالم كله، حتى في شمال أفريقيا. والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب. وخاصة فرنسا التي تفتش ورائنا لتعلم لماذا ننفتح على شمال أفريقيا. لقد أعطيت أوامري إلى الخارجية التركية بأن يجد ساركوزي كلما رفع رأسه في أفريقيا سفارة تركية وعليها العلم التركي، وأكدت على أن تكون سفاراتنا في أحسن المواقع داخل الدول الأفريقية.» أتى ذلك في اطار تخصيص أوغلو بالذكر لفرنسا وساركوزي لرفض الرئيس الفرنسي بشدة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي”2
عودة براغماتية لاتخفى على أحد
من الضروري جدا التمعن في الظروف والاوضاع التي نجمت عن تأسيس أحزاب ترکية ترکز على الاسلام من خلال الماضي العثماني أو کما يسمونه في ترکيا أمجاد بني عثمان، فقد مرت على ترکيا فترات شهدت فيها صراعات وإنقلابات عسکرية تتعلق معظمها بسبب أو آخر بسوء الاوضاع الاقتصادية وإخفاق الاتراك في تحسين وضعهم أوربيا وتراجع الدور الترکي عالميا، وقد کانت العقود الاربعة الاخيرة من الالفية الماضية حافلة بأحداث وتطورات أثرت على ترکيا کثيرا ولاسيما بعد تأسيس حزب العمال الکردستاني في 24 نوفمبر1978، والذي لم يتوانى العراق في عهد صدام حسين ومن بعده إيران ولاية الفقيه من إستغلاله وتوظيفه لخدمة أهداف وغايات تمنحهما نوعا من الغلبة والقوة أمام ترکيا، لکن من الضروري هنا الاقرار بأن هذا الحزب قد شکل أکبر عقدة لترکيا بمختلف الاتجاهات السياسية ـ الفکرية ومن ضمنهم الاتجاه الاسلامي.
إختيار أسماء نظير”الرفاه” أو”العدالة والتنمية” والتي کما يبدو واضحا ترکز على الجانب الاقتصادي والمعيشي في ترکيا أکثر من غيره، أوحى من البداية بأن ترکيا تفکر في الکعکة العربية أکثر من الاسلام نفسه، ولاسيما وإن البلدان العربية والاسلامية لم تتمکن من أن تکون بالوضع والمستوى الذي يٶهلها لکي تستفاد من مواردها وإمکانياتها المختلفة، ناهيك عن إنها وبسبب قصورها ذلك، کانت تعتبر سوقا کبيرا لتصريف المنتجات الترکية.
غير إنه من المهم جدا هنا ملاحظة إن الدولة العثمانية وبقدر ماإهتمت بثروات ومقدرات الشعوب التي خضعت لها والعرب من بينهم، لم تهتم بأي شئ آخر بذلك القدر.
تغيير البوصلة الترکية بإتجاه الاسلام
الرغبة الترکية الجارفة من أجل الانضمام الى الاتحاد الاوربي، والتي واجهتها الکثير من المعوقات الى الحد الذي صار الامر يبدو معقدا أکثر من اللازم وإن الاتحاد الاوربي وکما يظهر في شروطه المعلنة ولاسيما فيما يتعلق بقضيتي الديمقراطية وحقوق الانسان، يبدو إنه يمسك ترکيا من موضع الالم، ذلك إن ترکيا التي إرتدت ثوب علماني ونضت عن نفسها الرداء الاسلامي، فإنها مثلما أصابتها کبوة کبيرة بسقوط الدولة العثمانية، وتجلى عدم قدرتها على مواصلة دورها کدولة قائمة على أساس من الاسلام، فإنها وکما أثبتت تجارب العقود الماضية التي أعقبت إلغاء الخلافة العثمانية، لم تتمکن من تحقيق النجاح المطلوب والمرتجى من نظامها العلماني حتى إنها أضحت في النتيجة مثل ذلك المثل العراقي الذي يضرب بالغراب لأنه سعى لتقليد طير آخر في مشيته ولکنه ومع فشله سعى للعودة الى مشيته الاصلية فلم يفلح في ذلك فضرب به المثل المعروف”أضاع المشيتين”، ولاغرو فإن العودة الترکية من خلال حزب العدالة والتنمية للإسلام، ليس من أجل أمجاد الاسلام والامة الاسلامية وإنما من أجل مجد بني عثمان والدولة العثمانية، ولکن الذي لايفهمه أردوغان والذين من قبله هو إن البحث عن هذا المجد والسعي من أجل إحيائه وفي ظل الظروف والاوضاع في هذا العصر، يبدو أمرا ليس صعب المنال وإنما هو المستحيل بعينه.
هل الامة الاسلامية مستعدة لمبايعة العثمانيين الجدد؟
ليس المهم هو مايحلم ويطمح إليه دعاة إعادة أمجاد بني عثمان بل إن الاهم هل إن الشعوب العربية والاسلامية مستعدة من أجل القبول بعودتها لکنف دولة إسلامية يقودها الاتراك؟ من الواضح إن التجربة التأريخية المرة لما لاقته الشعوب العربية والاسلامية من ضيم وظلم على يد الدولة العثمانية، تجعلها تنأى بنفسها عن دولة تعتبر إمتدادا لها، خصوصا وإن الهدف الاساسي هو جعل هذه الشعوب وماتمتلك من إمکانيات ومقدرات في خدمة مشروع العثمانيين الجدد.
السعي من أجل لوي الذراع السعودي
من المفيد جدا هنا الإشارة الى إن ترکيا العدالة والتنمية قد مرت بفترة طويلة نسبيا حاولت خلالها العمل على لوي الذراع السعودي عبر مراهنتها على حرکة الاخوان وإحتضانهم بعد الضربة القاسية التي تلقتها الحرکة في مصر وإنتهاء حلمها بالسيطرة على هذا البلد وتحقيق حلمها من خلال ذلك بالسيطرة على العالم الاسلامي، فإن الهدف من وراء ذلك لم يکن ضد مصر بقدر ماکان موجها ضد السعودية والسعي من أجل إزاحتها وزعزعة دورها ومکانتها في العالم والاسلامي وخصوصا بعد أن شارکت في اللعبة المکشوفة بالتشکيك بإدارة السعودية لمراسم الحج والدعوة لجعلها مناطة بلجة من الدول الاسلامية، وهو أمر رافقته أيضا محاولات مستميتة من أجل الطعن في القيادة السعودية ولکن، العودة التي لايمکن وصفها بغير عودة الندم لترکيا لسابق علاقاتها مع السعودية وبعدها مع مصر، قد کان مٶشرا يدل الفشل الترکي الذريع في لوي الذراع السعودي.
ملاحظة أخيرة
ليس من السهل أبدا على المسلمين قاطبة أن ينسوا الصراع العثماني ـ الصفوي على زعامة الامة الاسلامية ومن إنه لازال مستمرا لحد الان وسر الاستمرار يکمن في الرداء الديني الذي تغطى به الطرفان، ومن دون شك فإن هذا الصراع يخفت وحتى يمکن أن يتلاشى عندما لايکون هناك من غطاء ديني للطرفين، ولذلك فإن السعي الترکي الايراني من أجل زعامة الامة الاسلامية في الوقت الحاضر، لايمکن له أن ينجح مع وجود الطرف الآخر، وسيکون المسلمون بإنتظار”جالديران”أخرى من أجل حسم هذا الامر، وبطبيعة الحال فلا أحد يرغب بذلك ولاسيما وإن المنطقة قد أصبحت ليست شبعانة بل وحتى متخمة من الحروب ولذلك فإن الذي يبدو في نهاية المطاف أن لايمکن تحقيق زعامة إيرانية أو ترکية على الامة الاسلامية، وسيظل الامر مجرد مشروع لايمکن أن يکتب له النجاح.
1، 2 : الموسوعة الحرة، ويکيبيديا.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط