خفايا المقابلة التلفزيونية لبوتين

كامل سلمان

اللقاء الصحفي التلفزيوني الذي أجراه الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون مؤخراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر هذا اللقاء بالنسبة لدوائر البحوث والدراسات الاستراتيجية الأمريكية مادة دسمة ومهمة لمعرفة وتحليل الوضع النفسي والعقلي للرئيس الروسي في خضم الأوضاع والصراعات الدولية الحالية . هذا الإعلامي تاكر كارلسون شخصية معروفة في عالم الصحافة الأمريكية وقد عمل كمقدم برامج في محطة فوكس نيوز الأمريكية المؤيدة للحزب الجمهوري وله قناة خاصة به على اليوتيوب ، عند لقاءه بالرئيس الروسي كان في جعبته مجموعة اسئلة أستطاع طرحها بشكل استدرج بها الرئيس الروسي للهدف الذي يريده خلال اللقاء التلفزيوني الذي أستمر اكثر من ساعتين ، ومن غير المستبعد ان تكون هذه الأسئلة قد تم وضعها وتهيئتها من قبل دوائر أمنية مخابراتية بحثية خاصة وعلى أعلى المستويات لكشف خفايا شخصية بوتين . وبعد اللقاء مباشرة فعلاً أعلنت الدوائر الأمنية والاستخباراتية ومراكز الدراسات والبحوث الغربية والأمريكية بأنها ستقوم بتحليل هذا اللقاء التلفزيوني ورسم عقلية وأفكار بوتين بشكل دقيق ، وهذا دليل قطعي على أن جميع الأسئلة التي أجاب عليها بوتين لم تك من إجتهاد الإعلامي كارلسون .. بوتين من خلال هذا اللقاء كان واضحاً أنه يعترف بأن الوضع الدولي كله تحت الإرادة الأمريكية ، وكان يستعطف الإدارة الأمريكية بشكل غير مباشر بأن لا تقسو عليه وعلى حكومته ودولته ، وأبدى ضعفه عندما أعاد تكرار بأنه طلب من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون قبول عضوية روسيا في حلف الناتو ( حلف الشمال الأطلسي ) وكان يشعر بالألم لرفض طلبه ، فقال كانت جمهوريات الاتحاد السوفياتي في السابق نداً للعالم الغربي ، وبعد سقوط وانهيار الاتحاد السوفياتي كان كل تصورنا بأن امريكا ستحتضن روسيا كدولة صديقة تخلصت من النظام الشيوعي وتكون حليف جديد للغرب ولكن ما حصل هو العكس تماماً ، هذا النوع من الكلام يبين مدى نظرته لأمريكا وقيادتها للعالم ، في الوقت الذي كان في كل مناسبة يطالب المجتمع الدولي بنظام دولي متعدد الأقطاب وهو في هذا اللقاء يعترف بسيادة امريكا على العالم .. ومن أغرب الأشياء التي ذكرها بوتين في لقاءه التلفزيوني هو مقارنة الصين بالولايات المتحدة الأمريكية وحاول جاهداً أن يبين بأن الصين دولة عظمى تنافس امريكا أقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وعلمياً ، وهي متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية بأعداد نفوسها البالغة أكثر من مليار ونصف المليار في حين أعتبر روسيا ذات المائة وخمسون مليون نسمة دولة صغيرة قياساً للصين ، هذا الكلام فيه درجة عالية من اليأس والضعف لرئيس دولة تدعي بأنها دولة عظمى . لماذا لم يضع بوتين روسيا كدولة عظمى تنافس الولايات المتحدة الأمريكية وأكتفى بالصين بدلاً عنها ؟
هذا اللقاء يذكرني باللقاء الذي أجراه احد الإعلاميين الأمريكان مع صدام حسين قبل سقوط بغداد بأشهر قليلة وأيضاً ذلك اللقاء أستغرق أكثر من ساعتين ، وكذلك تمت دراسة وتحليل شخصية وعقلية صدام حسين التي من خلالها تم اسقاط نظام حكمه . العجيب أن مستوى إجابات الرئيس الروسي لم تختلف كثيراً عن إجابات صدام حسين قبل أكثر من عشرين عاماً وبنفس الطريقة تم استدراج بوتين ليعبر عن شخصيته وعقليته وكأنه أستسلم للطريقة التي كان يقودها الإعلامي كارلسون . لم يك الرئيس الروسي في هذا اللقاء موفقاً ولم يك متحدياً للولايات المتحدة الأمريكية ولم يضع روسيا في موقع القوة والتحدي ، بل راح يبرر الحرب مع أوكرانيا وأعتبرها حرب ظالمة ، وأخذ يذكرّ الدول الاوربية بالمصالح المشتركة التي تربطها مع روسيا . يبدو أن السياسة الغربية إتجاه موسكو والحصار الأقتصادي أتت أكلها ، وبدأت الجراح تتعمق في الجسد الروسي حكومة وشعباً ، نعم هذا هو حال فلاديمير بوتين الذي تسبب بتمزيق أشلاء الأطفال والنساء والرجال الأبرياء من ابناء الشعب السوري .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here