أميركا تواجه حلفاء لا يثقون بها.. وأعداء لا يهابونها


تراجع ثقة دول الخليج بواشنطن بسبب مواقف وقرارات عدة
2024-02-16
يعكس ما كشفه موقع “بوليتيكو” عن عمل بعض الدول العربية ومنها الإمارات العربية المتحدة، على تقييد شنّ الولايات المتحدة غارات جوية انتقامية من أراضيها على الفصائل الموالية لإيران، تزعزع الثقة بين الإدارة الأميركية وهذه الدول.

وتشهد العلاقة بين واشنطن ودول الخليج ومنها دولة الإمارات، حالة من تراجع الثقة، أمر يعود إلى أسباب عدة منها مواقف واشنطن تجاه الملف اليمني وعدم تنفيذ صفقة طائرات إف 35 حتى الآن، فضلا عن تأخر الولايات المتحدة في إدانة الاعتدءات التي شنها الحوثيون على دولة الإمارات عام 2022.

وفي هذا السياق، قال مدير عام “سكاي نيوز عربية”، نديم قطيش، في حوار مع برنامج “غرفة الأخبار إن ما قالته “بوليتيكو” صحيح وليس جديدا على الأقل فيما يخص الإمارات، فالأخيرة أبلغت واشنطن أنها غير معنية بأن تستخدم أراضيها لضرب ميليشيات موالية لإيران أو لضرب إيران.

وأضاف قطيش أن هذا الموقف أُبلغ من قبل القيادة الإماراتية منذ سنتين تقريبا في زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان للإمارات.

وأشار إلى أن الموقف الإماراتي غير مرتبط بأحداث غزة، فهو موقف قديم وتسريبه اليوم من قبل “بوليتيكو” قرار سياسي أميركي، مؤكدا: “نعم هناك سياسة لا تريد أن تستخدم هذه الأراضي للمواجهة العسكرية المباشرة وغير المباشرة مع إيران “.
تراجع ثقة دول الخليج بواشنطن بسبب مواقف وقرارات عدة

وأضاف قطيش خلال شرحه لتفاصيل المشهد، نحن أمام إدارة أميركية:

قامت بإزالة الحوثي عن لوائح الإرهاب لتعود وتضع الحوثي على ذات اللوائح مجددا.
إدارة كانت تدعو لضبط النفس في اليمن، وهي اليوم من تقوم بالسلوك العسكري في ذات الدولة.
إدارة دعت للحوار مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران باعتبارها مكونات وطنية ينبغي الحوار معها في العراق ولبنان وغيرها، واليوم الإدراة ذاتها هي من يقوم بضرب هذه الميليشيات.
وأكد قطيش أنه عندما تكون دول الخليج أمام حليف من هذا النوع من المنطقي ألا تضحي بمصالحها وألا تضع مصالحها على المحك في حين أنها لا تثق بالتزام هذا الحليف، معطيا 3 أمثلة على مسببات اهتزاز الثقة الإماراتية بإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن:

إدارة بايدن التزمت بموضوع طائرات إف – 35 لأبوظبي وحصل اتصال بين مسؤولين أميركي وإماراتي وجرى التأكيد على هذا الأمر، وآنذاك كان هناك تجميد في الكونغرس لبيع السلاح إلى السعودية بذروة الخلاف بين إدارة بايدن والمملكة، وقيل للإماراتيين إن الإمارات هي جزء من الملف بالمعنى السياسي ولكن بالمعنى العملي هذا الأمر سيتم، وهذا ما لم يحصل.
هجوم 17 يناير 2022 في الإمارات لم تتصرف الإدارة الأميركية حياله كما ينبغي لحليف أن يتصرف وكما تتوقع الإمارات من حليفها أن يتصرف، وهذا ما أدى فيما بعد إلى أن يجتمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع الشيخ محمد بن زايد في المغرب ويعتذر عن تأخر الرد الأميركي حيال هذه الضربات، وقال الأميركيون في الإعلام آنذاك إنهم قدموا اعتذارا للإمارات وهذا اعتراف بالمشكلة.
ملف اليمن قدم باعتباره ملفا استراتيجيا من وجهة نظر الخليج، والإمارات كانت رأس حربة في هذا الموضوع، قررت واشنطن أن تتعامل مع الموضوع باعتباره ملفا إنسانيا وليس ملفا استراتيجيا، ولم تكن بمستوى التوقعات عندما خاضت الإمارات حربا ضد تنظيم القاعدة في المكلا، ونحن هنا لا نتحدث عن خلاف سياسي أو خلاف مع ميليشيات إنما نتحدث عن تنظيم القاعدة العدو الأول لأميركا التي لم تقدم بما تمليه عليه التزاماتها حيال التحالف الإماراتي الأميركي في اليمن.
وفي حديثه عن الأسباب الاستراتيجية التي أدت لزعزعة الثقة الإماراتية بالحليف الأميركي قال قطيش:

الإمارات اختارت على المستوى الاستراتيجي أن تكون دولة ذات “علاقات متعددة التحالف”، العلاقة مع الصين والهند والعضوية في بريكس أمثلة على ذلك.
الإمارات لا تثق ثقة كاملة اليوم بالحليف الأميركي، أصول وقواعد للعلاقات الثنائية لم تعد قائمة وتغيرت وبالتالي هذا سينعكس على مستوى التنسيق والثقة والتضحيات المتبادلة.
مصالح الإمارات الاقتصادية تغيرت، مبيعات النفط لآسيا هي الأساس وليست مبيعات النفط للولايات المتحدة.
هناك قواعد للعلاقات الأميركية الإماراتية ثابتة، فالجيش الإماراتي عتاده وتدريبه أميركي، والإمارات مركز تجاري في العالم مرتبط بالدولار وباتفاقية سويفت وجزء أيضا من أمن الإمارات يعتمد على التعاون الأمني مع أميركا، ولكن ليس كل البيض الإماراتي في سلة الولايات المتحدة.
حساسية الإمارات ودول الخليج ومصر على مسألة السيادة الوطنية حساسية عالية جدا وعاقلة، هناك جزر إمارتية محتلة من قبل إيران لكن لا يوجد اشتباك إماراتي إيراني يومي حول هذا الملف، بل هناك إدارة عاقلة لهذا الملف تؤكد على سيادة الإمارات على هذه الجزر من دون أن يتحول هذا الملف إلى ملف استنزاف لمقدرات الدولة واستقرارها وأمنها.
المغرب لديه علاقات أيضا بهذا المعنى السيادي متوترة مع إسبانيا في سبتة ومليلية ولكنه اختار النموذج الإماراتي في التعاطي مع الأمر، وقدم على استضافة مشتركة مع إسبانيا لكأس العالم المقبل وتجاوز مسألة الخلاف السيادي.
في المنطقة لدينا النموذج الإماراتي ونموذج مثلا مثل لبنان الذي ضحى بكل مقدرات البلد لأجل مزارع شبعا المشكوك أصلا بهويتها.
وقال قطيش إن الإمارات انسحبت من التحالف البحري مع أميركا ولم تدخل لتحالف أمن البحر الأحمر، وهناك الكثير من الهيكليات الاستراتيجية، الإمارات اختارت ألا تكون جزء منها لأنها لا تثق بالسياسة الأميركية.

وأضاف: نحن نعيش في منطقة قاسية على سكانها ودولها وبالتالي لا تحمل الأمزجة المتغيرة لأميركا، القيادة الإماراتية تقول واشنطن معنية بالسنوات الأربع المقبلة بينما نحن معنيون بالخمسين سنة المقبلة وبالتالي لا يمكن تكون خطتي رهينة الانتخابات الأميركية.

وقال قطيش إن أشجع القادة هم الذين يخشون على بلادهم ويشعرون بالخوف أمام شعوبهم ومصالح دولهم، إذا كان هذا الأمر جبن فأشجع القادة هم من يتمتعون بهذا الجبن، فشجاعة الخوف شجاعة حقيقية ومطلوبة.

وأضاف: “الحديث عن وجود خشية إماراتية من رد إيراني في حال استخدمت هذه القواعد، هو دليل على عدم الثقة بالحليف الأميركي”.

كيف يمكن إعادة تلك الثقة؟

ويقول مدير عام “سكاي نيوز عربية” إنه من الصعب إعادة تلك الثقة الإماراتية بالإدارة الأميركية لوجود أسباب لا يمكن علاجها مرتبطة بتغير حقيقي وجذري بتوجه الإمارات وتعدد تحالفاتها، فواشنطن لم تعد الحليف الوحيد، هي الحليف الأول لكن ليس الوحيد.

وأضاف: أميركا لا تستطيع أن تتعامل مع الشرق الأوسط كما كانت تتعامل معه في السابق، تريد أميركا التزام اتجاه مصالحها ولا تريد أن تكون ملتزمة اتجاه مصالح حلافائها.

وختم قطيش حديثه بالقول: وضع أميركا في المنطقة اليوم “تواجه حلفاء لا يثقون بها وأعداء لا يهابونها”، وهي دولة كبيرة تستطيع تحمل ذلك لكن نحن دول لا نستطيع ذلك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here