سيارات إيرانية جديدة في طريقها للعراق
2024-02-19
لا يتكلف المرء أدنى جهد في رصد السيارات إيرانية الصنع وهي تجوب الشوارع العراقية، على الرغم من قرار عراقي سابق بعدم استيرادها لافتقارها إلى معايير الجودة وتكرار الانتقادات لكفاءتها، حتى في إيران نفسها.
فرخص ثمن السيارة الإيرانية يدفع كثيراً من العاطلين عن العمل إلى اقتنائها واستخدامها سيارة أجرة.
يقول أحمد هادي (28 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة في بغداد: «أغلب سائقي التاكسي في بغداد والمحافظات يعملون بالسيارات الإيرانية رغم أنها تفتقر إلى معايير السلامة والأمان، وذلك لرخص أسعارها مقارنة بالأسعار العالية للسيارات الأخرى».
ويضيف أن من دواعي الشراء أيضاً أن السيارات التي تسير بكثرة على الطرقات تكون عرضة للأعطال المختلفة، لهذا تجد السيارات الإيرانية إقبالاً لرخص قطع غيارها «وحتى صيانتها أرخص بكثير من السيارات الأخرى».
وتبدأ أسعار السيارة الإيرانية من ألفي دولار صعوداً بحسب حالتها وإمكاناتها، في حين يبدأ سعر السيارة الصينية أو الكورية متوسطة الإمكانات في السوق العراقية من 8 آلاف دولار، ويصعد السعر بحسب الطراز والموديل والكماليات.
ويؤكد هادي، خلال حديثه لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، أن السيارات الإيرانية غالباً ما تتعرض لحوادث سير «بسبب عدم متانتها؛ خصوصاً أنها لا تجاري السيارات الأخرى ذات السرعة العالية. فأي سرعة زائدة تفوق قدرتها تعرضها لفقدان التوازن، ولذا تتسبب بالكثير من حوادث السير».
ويلفت إلى أن أغلب المواطنين لا يسافرون بتلك السيارات ولا يتحركون بها خارج محافظاتهم خشية حوادث السير. ويتابع: «الحركة بهذه السيارات تقتصر على داخل المدن في الغالب؛ خصوصاً في فصل الصيف الحار، حيث تكثر أعطالها وتزداد سخونتها».
المتانة
في عام 2018، منع العراق استيراد السيارات الإيرانية، كما منع استيراد قطع غيارها لجهة تجميعها في المصانع العراقية التي كانت تنتجها باسم (طيبة)، امتثالاً للعقوبات الأميركية على إيران.
لكن بالتوازي مع منع استيراد السيارات التي تنتجها الحكومة الإيرانية، أعلنت شركة إيرانية خاصة في يونيو (حزيران) الماضي عن البدء بتصدير سيارة (J4) إلى العراق، وتم شحن الدفعة الأولى منها.
سيارات «برايد» تتعرض لانتقادات داخلية في إيران بسبب كثرة حوادث السير (إيلنا)
ووفقاً للشركة، وهي (كرمان موتور)، فإن العراق هو الوجهة التصديرية الأولى لسياراتها، كما نقلت عنها وكالة «مهر» الحكومية الإيرانية. وتعتزم الشركة تصدير 4 آلاف سيارة خلال العام الحالي.
ويؤكد سيف عقيل (33 عاماً)، وهو صاحب محل لتصليح سيارات، في وسط العاصمة بغداد: «السيارات الإيرانية تخلو تماماً من أي متانة من ناحية المحرك والكهربائيات وحتى جسم السيارة العام، ولذا فإن حوادث السير لا تفارق تلك السيارات، كونها بلا معايير حقيقية للسلامة والأمان».
ويضيف عقيل: «شهدت الآونة الأخيرة تراجعاً كبيراً في شراء السيارات الإيرانية من قبل المواطنين بعد زيادة أعطالها وكثرة الحوادث؛ خصوصاً أن السيارات الإيرانية لا تمتلك إمكانات تسمح لسائقها بالسفر على الطرق الخارجية والتنقل بين المحافظات البعيدة».
وتابع بقوله: «هناك استيراد كبير لقطع الغيار الإيرانية، وسعر تلك الأجزاء أرخص كثيراً عن قطع غيار السيارات الأخرى، ويبيعها المستوردون بالدولار الأميركي وليس بالدينار العراقي، لكننا نبيعها للمواطنين بالدينار».
انتقادات من الداخل الإيراني
انتقاد السيارات الإيرانية صدر كثيراً حتى من الداخل الإيراني نفسه. ففي أكثر من مناسبة، انتقد المرشد الإيراني علي خامنئي صناعة السيارات الوطنية، داعياً إلى تحسين جودتها، ومطالباً باحترام مستخدميها وأرواحهم.
وسبق لعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني مصطفى ميرسليم أن وجه انتقاداً لاذعاً لصناعة السيارات في بلاده، قائلاً: «لا نطالبكم بتصدير السيارات إلى اليابان، لكن يمكن أن نصدر للعراق والسنغال. حتى إن هذين البلدين مستاءان من جودة السيارات الإيرانية».
وتعتقد الباحثة في الشأن الاقتصادي سلام سميسم أن التجارة والاقتصاد مع إيران ملف ذو بُعد سياسي، «خصوصاً أن غالبية التجارة هي لمصلحة إيران، ومن أجل دعمها في مواجهة الحصار والعقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية».
وتضيف قائلة لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «استيراد السيارات الإيرانية من قبل العراق اتجاه سياسي أكثر مما هو اقتصادي؛ خصوصاً أن على تلك السيارات مؤاخذات ومؤشرات سلبية فنية كثيرة وكبيرة، إضافة إلى أنها تباع للعراق بسعر أعلى من سعرها الحقيقي في إيران».
وتابعت: «السوق المحلية أصبحت سوقاً لتمشية البضائع الإيرانية، وفي مقابل هذا، لا نجد أي تصدير لأي من البضائع العراقية إلى السوق الإيرانية، ليتحقق التبادل التجاري الفعلي. فالتبادل حالياً من طرف واحد ولمصلحة طرف واحد فقط».
وفي وقت سابق، تحدث موقع «تجارت نيوز» الإخباري الإيراني عن رفض العراق استيراد سيارات إيرانية بسبب تدني جودتها.
الجهات الرقابية
بدوره، تحدث الخبير في الشأن الاقتصادي همام الشماع عن استمرار غزو السيارات الإيرانية للسوق المحلية بالعراق، «رغم أنها تفتقر للمواصفات العالية والأمان»، وقال إن استمرار هذا الاستيراد «ليس فيه أي جانب اقتصادي مفيد للعراق إطلاقاً، بل هو لصالح إيران فقط».
وطالب الشماع الجهات الحكومية الرقابية بفحص أي سيارة يتم استيرادها للعراق للتأكد من خضوعها لمعايير السلامة والأمان. وتابع: «السيارات الإيرانية تفتقر لمعايير السلامة العامة، عكس السيارات الصينية التي تحتوي على متانة عالية وتتطور باستمرار».
وشدد في حديثه على أن التجارة بين العراق وإيران «يجب أن تكون مشتركة ومتبادلة ولا تكون لصالح جهة واحدة؛ خصوصاً أن العراق أصبح سوقاً كبيرة لبيع البضائع الإيرانية، وهذا الأمر تسبب في إخراج الدولار نحو إيران بطرق غير شرعية، وربما يعد أحد أبرز أسباب أزمة الدولار التي يشهدها العراق منذ أشهر طويلة».
وتحاول واشنطن منذ مطلع العام الحالي وقف خروج الدولار من العراق إلى إيران، وفرضت عقوبات على عشرات المصارف العراقية لتعاملها بالعملة الأميركية مع إيران.
وأدى هذا الموقف المتشدد من جانب واشنطن إلى إرباك إرسال مستحقات الغاز الذي يستورده العراق من إيران لتشغيل محطات الكهرباء، ما تسبب بأزمة في توفير الطاقة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط