الأقاليم والفدرالية..وعتب عبد السلام برواري على القاضي فائق زيدان

حامد شهاب

كانت الحلقة التي أعدها الزميل والإعلامي القدير أحمد ملا طلال ضمن برنامجه ( مع ملا طلال) من قناة ( UTV ) ليلة الثلاثاء العشرين من شباط 2024 أهم حلقة وأكثرها إثارة وإهتماما ومصداقية تناولت موضوعا في غاية الأهمية شغل إهتمام الراي العام العراقي لما يقرب من عشرين عاما لكن السنتين الاخيرتين تعدان الأكثر إنشغالا وهي قضية الموقف من الأقاليم والفيدرالية في الدستور العراقي والتي إختلفت التاويلات بشأن تفسيرها.

وما أن إطلع الكثيرون على تصريح القاضي فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 18 شباط 2024 خلال لقائه محافظ الانبار ورئيس مجلس محافظتها ، حتى بدت الكثير من علامات الإستغراب والتساؤل عن كيفية أن تقوم الجهة التي من مهامها الحرص على الدستور وتحافظ على فقراته ولا تسمح لأي كان بالتلاعب بمفاهيم وضعها فقهاء قانون عراقيون كبار وفقهاء بالدستور ، واذا بالسلطة القضائية أول من يعلن رفضها له ، وعلى لسان رئيسها القاضي فائق زيدلن الذي يكن له العراقيون ولرئاسة القضاء العراقي بمجملها كل الإحترام والتقدير كونه يعدونه الدعامة الأساسية والحصن المنيع الذي يحافظ على الدستور من أية محاولة للطعن به أو إيجاد مبررات أو ذرائع لتفسير فقراته كما يحلو لهذه الجهة أو تلك والتي نص عليها الدستور والتي سنذكرها بالنص في وقت لاحق من هذا المقال.

كان السياسي العراقي الكردي عبد السلام برواري في برنامج (مع ملا طلال) أول من وجه العتاب الشديد للقاضي فائق زيدان لأن يتدخل في موضوعة تضمنها الدستور وهي الأقاليم ، وإذا به يعلن خلال هذا اللقاء الذي جمعه مع محافظ الانبار ورئيس مجلس محافظتها وكان الحديث يدور عما يشاع عن أقليم الأنبار رفضه له بالمجمل حين يقول بالنص : “لذا فإن فكرة إنشاء أقاليم أخرى في أي منطقة في العراق مرفوضة لأنها تهدد وحدة العراق وأمنه”، مؤكداً على “دعم إدارة المحافظة الجديدة في الوقوف ضد أي أفكار تهدد وحدة وسلامة أمن العراق”.

وأوضح رئيس مجلس القضاء الأعلى، ضمن تصريحه أن “الواقع الجغرافي والقومي لإقليم كردستان موجود قبل نفاذ دستور جمهورية العراق سنة 2005 وتحديداً سنة 1991 إثر غزو الكويت وما نتج عنه من آثار سلبية بسبب السياسات الفاشلة للنظام السابق”، مبيناً أن “إقليم كردستان له وضع خاص معترف به من جميع أبناء الشعب العراقي وان الدستور تضمن الأحكام الخاصة بتنظيم الأقاليم، إلى أن ظروف صياغة الدستور في حينه تغيرت الآن ومعظم من كانت لديه القناعة بهذه الأحكام مقتنع الآن بضرورة تغييرها قدر تعلق الأمر ببقية المحافظات عدا إقليم كردستان بحكم وضعه الخاص”.

بما يعني أن فقرات الدستور وفقا لهذا المفهوم الذي طرحه القاضي فائق زيدان أشبه بـ (الإنتقائية) أي أننا يمكن أن ننتقي ما يعجبنا من الدستور في ظرف ما وما لايعجبنا منه نرفضه ، هذه هي الملاحظة الغاية في الأهمية التي أشرها السيد برواري وأنا مقتنع بما قاله منذ ان تم الإعلان عن اللقاء ونشر ضمن موقع مجلس القضاء الاعلى وتمنيت لو ان القاضي فائق زيدان لم يخض في نقاش من هذا النوع بهذه الطريقة التي فهم منها الكثيرون وكأنه يعارض ما ورد من فقرات الدستور، بالرغم من أن الرجل لن يعارض مواده بأي شكل من الأشكال إلا في موضوعة الأقاليم التي شكلت عامل جدل ونقاش سيطول وسيحتدم لأشهر وربما لسنوات إن لم يتم تلافي تلك التصريحات التي ربما حشرت حشرا في غير سياقها وأدت كل ما أدت اليه من حالإت إستغراب كثيرة على الطريقة والإسلوب الذي تم التعبير عنه بمفهوم الأقاليم وأقليم الأنبار على وجه الخصوص.

لقد نجح السياسي الكردي عبد السلام برواري وهو الضليع هو الآخر بالسياسة ودروبها ولديه المام بمواد الدستور ووضع تساؤله للقاضي فائق زيدان في سياق العتب على أعلى سلطة قضائية تعلن رفضها لحق دستوري شرعه النظام السياسي الحالي ضمن دستوره وكأنه لايعارض عودة الدكتاتورية التي هي إحدى أهم أسس النظام السياسي الذي يعلن معارضته الشديدة لعودتها مجددا ويفترض من وجهة نظر السيد برواري أن يكون القاضي فائق زيدان أشد حرصا من الآخرين على تناول مفاهيم إدارية وتنظيمية وضعت لشكل النظام السياسي العراقي منذ عام 2005 حتى الان ولم يتم تغيير أي من فقراته ومواده لتعذر تغييرها بسبب خلافات حادة وعاصفة على كثير من فقرات الدستور لو تم تغييرها لانقلبت أوضاع العراق ربما رأسا على عقب وإزدادت الأوضاع تفجرا واضطرابا.

وهنا نود ان نذكر القاضي فائق زيدان بما طرحه القاضي رحيم حسن العكيلي رئيس لجنة النزاهة الأسبق في تناوله لمواد الدستور بشأن الأقاليم والفدرالية ضمن عرض له في احد المواقع الاعلامية بتاريخ 13 / 10 / 2017 على الوجه التالي:

الإعتراف الدستوري بالاقاليم:

أولا:- الإعتراف بالأقاليم كمكون جغرافي/اداري للعراق :- المادة 116:- (يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية.)

ثانيا:-الإعتراف بالاقاليم الجديدة :- المادة 117 /ثانيا:- (يقر هذا الدستور الاقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه .)

ثالثا:- قانون تكوين الاقاليم:- المادة 118:- (يسن مجلس النواب في مدة لاتتجاوز ستة اشهر من تاريخ اول جلسة له، قانوناً يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم بالاغلبية البسيطة للاعضاء الحاضرين).

رابعا:- الحق في تكوين الاقليم:- المادة 119:- (يحق لكل محافظة أو اكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقيتين:أولاً.طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم .ثانياً.طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم).

لكن العتب الآخر وهو الأشد إيلاما هو على القاضي وائل عبد اللطيف الذي كان من دعاة أقليم البصرة وكان في كل حواراته طوال السنوات الماضية يدافع عن حق إقامة الاقاليم ضمن العراق الفيدرالي وبخاصة أقليم البصرة الذي دافع عن إقامته سنوات طوال ، ولم تمر حلقة في برنامج حواري الا وكانت له إسهامة تؤكد على عدم تعارض أي طرح يتنافى مع الدستور واذا به هذه المرة وهو يبرر للقاضي فائق زيدان ما ذهب اليه ضمن موضوع أقليم الانبار تحت تبرارات عدم القناعة.. أي ان المكون الآخر اذا لم يقتنع فعلى المكون المقابل ان لايطالب بحق منحه له الدستور لأن جماعة ما لايعجبها منحه هذا الحق ، بالرغم من أن أهل الانبار كانوا من أشد المعارضين لاقامة الأقاليم، بل ووجهت لاهل الانبار في السنوات السابقة وحتى الى ما قبل ايام مضت مختلف الاتهامات من أنهم يسعون لاقامة أقاليم والعمل على الانفصال وهم بهذا (بعثيون ووهابيون ودواعش وابناء النظام السابق وإرهابيون) وهم من أشد المعارضين كما ذكرنا لإقامة أقاليم كونهم الاكثر حرصا على وحدة العراق وقلقهم على مستقبل تشرذمه وإنفلات الاوضاع أو تفجرها ، بالرغم من أن الاقليم حق دستوري منحه لهم النظام السياسي الحالي نفسه باطاره وكرده أما المكون الثالث الاخر (السني) وكما هو معروف فلم يشارك في صياغة الدستور بل تم إرغامه على المصادقة على دستور تمت صياغته بعجالة ولم يشاركوا بصياغته وهم لايؤمنون بالأقاليم أصلا ويعدها أهل الأنبار أنفسهم تقسيما للعراق ، الا انه بعد كل تلك المعاناة القاسية والويلات التي واجهوها قبل داعش وخلالها وبعد الخلاص منها لم يجدوا من سبيل للخلاص سوى تطبيق الدستور واقامة أقليم لهم وفقا لما منحهم اياه النظام السياسي نفسه والان يعد النظام السياسي من أشد المعارضين لتطبيق فقرات الدستور الا حين يكون لصالحهم فانهم على إستعداد لاختيار ما يرونه صالحا لهم وليس للآخر حق أختيار مواد الدستور ليطبقها كما تم منحه هذا الحق.

إننا لاندعو لإقامة أقاليم بل فيدراليات ادارية ، وهي تعد الحل السحري للمحافظة على وحدة العراق ، ووفقا للدستور، وكان الأحتلال العثماني هو من حافظ على وحدة العراق عندما قسم العراق لثلاث فدراليات هي : البصرة وبغداد والموصل ، ولو تم تطبيق فدراليات على تلك الشاكلة أو قريبا منها لحافظنا على وحدة العراق التي قسمها النظام السياسي نفسه بعد إن كان العراق موحدا أصلا ، ولا يحتاج الى فدراليات أو أقاليم.

وأجدد التأكيد للبرامج الفضائية الحوارية التلفزيونية مثل برنامج أحمد ملا طلال وبرامج قنوات أخرى مثل الشرقية نيوز ودجلة والتغيير وقناة زاكروس وهنا بغداد ، وكما وعدنا أحمد ملا طلال في الحلقة السابقة بأن يعيد تناول نفس الموضوع وبأكثر من محاور ومختص في شؤون القانون الدستوري ومن أساتذة وفقهاء العلوم السياسية ومحليين سياسيين من ذوي الاختصاص والخبرة ، للتوصل الى حلول عملية وواقعية لكيفية خلاص العراق مما يعانيه من إنقسامات وهي واقع حال شئنا أم أبينا ، لكي نضع لها ستراتيجات عمل تنتشلنا من هذا الواقع الشائك الى واقع أكثر تفاؤلا وإيمانا بأن العراق الموحد القوي هو الضمانة للجميع، شرط أن لا تكون (وحدة العراق) مشروعا لابتلاعه من ألآخرين من الجيران ممن يريد الهيمنة الكلية على مقدرات العراق وإلا سيكون التقسيم أمرا واقعا إن بقينا نتخذ من التبريرات والإنتقائية إسلوبا للتعامل مع مواد الدستور بطريقة تخدم تبعيتنا لهذا الطرف الجار أو ذاك الذي يريد إخضاعنا جميعا تحت هيمنته ، وتحت عناوين الحفاظ على وحدة العراق.

أعود فأقول في خاتمة هذا العرض السريع على ما ورد في برنامج أحمد الملا طلال من طروحات كانت في غاية الأهمية وتعد طروحات السياسي الكردي العراقي عبد السلام برواري الأكثر قربا من الدستور والأكثر عقلانية، وهي أحد الحلول المهمة التي لو إهتدينا الى سبيلها لحافظنا على وحدة العراق، فالكل يريدون أن تكون وحدة العراق الخط الأحمر لكل من (السنة والشيعة وحتى الكرد) لأن في وحدتهم ضمانة أن يبقى العراق قويا منيعا مرفوع الرأس يمتلك السيادة الكاملة غير المنقوصة ، ويكون بمقدوره مواجهة التحديات حيث تحيط به الأسود الرابضة على مقربة من حدوده بل وتتربص به حتى بنات آوى من كل حدب وصوب ودون إستثناء وهي تريد إقتناص الفرصة للإنقضاض عليه وسلبه هويته العربية والاسلامية وانتماءه العربي الأصيل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here