طوفان الأقصى، والذكرى 55 لانطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

أسامة خليفة
باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ٥٥ عاماً من الكفاح .. يتجسد الفكر بالممارسة.. بنادق تقاتل.. وبرامج سياسية ترسم درب النضال…

على امتداد التواجد الفلسطيني على أرض الوطن، وفي كل أماكن الشتات، تحيي جماهير شعبنا في مثل هذه الأيام من شهر شباط/ فبراير من كل عام، ذكرى انطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، باعتبارها منعطف تاريخي مفصلي في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، ونضالها التحرري، مهدت لمسيرة كفاحية سياسية وتنظيمية وفكرية، نشأت ونمت مكوناً رئيسياً في الحركة الوطنية الفلسطينية، حزباً ثورياً من طراز جديد، فلسطيني الهوية والانتماء، عروبي الآفاق ينخرط في حركة المقاومة المسلحة، طارحاً حلاً ديمقراطياً جذرياً للمسألة الوطنية الفلسطينية، يرفع راية اليسار، مسترشداً بفكر الطبقة العاملة.

تأتي الذكرى 55 للانطلاقة هذا العام في ظروف صعبة تمر بها القضية الوطنية الفلسطينية ويعيشها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، حيث تصعّد إسرائيل حربها العدوانية بشكل غير مسبوق منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، اعتقال واغتيال وتدمير يومي مكثف وممنهج في الضفة، وسياسة الأرض المحروقة والتجويع والقتل والمجازر والإبادة الجماعية والتهجير لإلحاق القطاع بسياسة الاستيطان والضم عبر إحداث نكبة جديدة بسكان القطاع في صورة شبيهة بما حدث في عام النكبة 1948.

وإزاء عزم نتنياهو على غزو رفح وارتكاب المجازر في المدينة ومحيطها، وإزاء ما يتعرض له شعبنا في القطاع والضفة عموماً، لا مهمة تعلو على مهمة إسناد ودعم شعبنا ومقاومته الباسلة، بكل ما يلزم في التصدي للحرب الهمجية، وكسر مشروع التهجير القسري، وإمداد القطاع بكل احتياجاته المعيشية والصحية، وتوفير المأوى للنازحين الذين دمرت منازلهم، لحين إعادة إعمار ما دمره العدوان الهمجي، حتى يستعيد القطاع دورة الحياة من جديد، بما يعني إفشال ما توافقت عليه أطراف الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة لتهجير أكبر عدد ممكن من سكان غزة، وضمها لباقي الأراضي المحتلة، كجزء من الدولة العبرية، ولما تبين لهم وهم هزيمة المقاومة وتهجير سكان غزة، اشتد الخلاف بين القادة الإسرائيليين، حول ما يسمونه اليوم التالي، أمام الصورة المشرفة التي يقدمها شعبنا الفلسطيني للعالم، بثباته على خياره المقاومة، وبصموده ورفضه الاستجداء والمساومة على حقوقه الوطنية.

تعكس المسيرة النضالية من التأسيس والنشأة والمسار مختلف نواحي تطور الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ذلك يؤكده ليس فقط تاريخها السياسي وتأثيرها على مجمل العمل السياسي الفلسطيني، بل أيضاً تاريخها العسكري المقاوم على امتداد عشرات السنين من الممارسة الكفاحية التي عمّدتها بدماء أكثر من ثلاثة آلاف شهيد من قادتها وكوادرها وعموم مناضلاتها ومناضليها، بالإضافة إلى العديد من الأسرى و الجرحى، فمنذ انطلاقتها وعبر مسارها ومحطاتها النضالية، أسست الجناح المسلح للجبهة المسمى «القوات الثورية المسلحة»، وخلال الانتفاضة شكلت ما سمته «النجم الأحمر» و«قوات اسناد الداخل (سياج)»، ثم خلال الانتفاضة الثانية شكلت «كتائب المقاومة الوطنية».

والآن أخذت قوات الشهيد عمر القاسم موقعها القتالي في التصدي للحروب العدوانية الاسرائيلية بكامل قدراتها، ولم تدخر جهداً، وبذلت التضحيات والدماء دفاعاً عن قضيتنا وشعبنا، إيماناً أن انطلاقة الجبهة تعني ولادة فصيل مقاوم يقدم ما يستطيع تقديمه من الجهد والتضحيات، ويقتحم الأهوال، ويخوض القتال، لأجل انتصار شعبنا والظفر بحقوقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.

وخلال عملية طوفان الأقصى والتصدي للعدوان الهمجي المدمر على الضفة والقطاع منذ 7 تشرين أول أكتوبر الماضي، ومع كل بيان يصدره القائد أبو خالد المتحدث باسم القيادة العسكرية لـ«قوات الشهيد عمر القاسم» يتجدد زخم الانطلاقة ودافعيتها بتأكيد رفاقنا في الميدان، أنهم الأبناء البررة والمخلصون للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، تشربوا مبادئها وشعاراتها ومواقفها، والتزموا بمنطلقاتها الفكرية، في الدفاع عن الشعب والوطن، وفي مواجهة العدو ومقاومة مشاريعه، ومواصلة النضال إلى أن تتحقق أهداف شعبنا في دحر الاحتلال، وقيام دولتنا المستقلة وعودة اللاجئين.

لقد انخرط مقاتلو الجبهة في القتال، على كافة المحاور منذ اللحظة الأولى لاندلاع معركة «طوفان الأقصى» فوق أرض فلسطين في المنطقة المسماة «غلاف غزة»، حيث استشهد لـ«قوات الشهيد عمر القاسم» خمسة مقاتلين في أراضي الـ«48» في اقتحام غلاف غزة من بينهم أحد أعضاء المجلس العسكري، وفقدت «قوات الشهيد عمر القاسم» الاتصال بمجموعة من المقاتلين، أحجمت القيادة العسكرية عن ذكر عددهم، والكشف عن أسمائهم ضماناً لسلامتهم. وخلال الفترة الممتدة من 7/10/2023 وحتى 5/1/2024، استشهد 28 شهيداً، قادة ومقاتلين، على محاور القطاع كافة، وشددت القيادة العسكرية لـ«قوات الشهيد عمر القاسم»، على أن ما تعلن عنه اليوم، ما هو إلا قافلة أولى من شهدائنا.

خاضت «قوات الشهيد عمر القاسم» معارك البطولة والفداء والتضحية الغالية على كافة محاور القطاع، في تصدي بطولي لقوات العدو الإسرائيلي، أوقعوا في صفوف ضباطه وجنوده، أكثر من 63 بين قتيل وجريح، ودمروا وأعطبوا له ما لا يقل عن 27 آلية، من دبابات وناقلات جند وجرافات وغيرها.

أصدر القائد أبو خالد، المتحدث باسم «قوات الشهيد عمر القاسم» (الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) العديد من البلاغات العسكرية، أورد فيها العمليات البطولية لـ«قوات الشهيد عمر القاسم»، والاشتباكات الضارية مع قوات العدو الإسرائيلي، والتصدي لآلياته، ودورياته الراجلة، مستعملة الرشاشات الثقيلة، والقنابل اليدوية، والقذائف المضادة للأفراد، موقعة في صفوفه خسائر فادحة في الآليات والأفراد، ضباطاً وجنوداً.

وعلى محاور القتال المختلفة، واصلت وحدة المدفعية في «قوات الشهيد عمر القاسم»، استهدافها مواقع العدو الإسرائيلي وتجمعات آلياته وأفراده، وحققت في ذلك إصابات مباشرة.

وعلى هذا الطريق يواصل أبطالنا تجديد العهد لشعبنا ولمقاومتنا الباسلة، ولشهدائنا، وكافة الشهداء الأبطال، على مواصلة القتال، فوق كل شبر من أرض القطاع، بكل شجاعة وإقدام، بكل ما يتوفر بين أيدينا من سلاح، إلى أن يحمل العدو الإسرائيلي عصاه ويرحل ذليلاً، مكللاً بالعار، جراء الجرائم البشعة التي اقترفها بحق شعبنا، يعزينا في ذلك أننا أرغمنا العدو على دفع الثمن الغالي، مشددين على الوحدة الميدانية لفصائل المقاومة، باعتبارها سلاحاً من أهم أسلحتنا في المواجهة الشاملة.

ومن توجه وحدوي مبدئي راسخ وثابت، رحّبت الجبهة -في حينها- بفكرة إقامة غرفة العمليات المشتركة للأذرع العسكرية الفاعلة في قطاع غزة متوحدة على مضمونها المقاوم من أجل إدارة المواجهة مع الاحتلال في قطاع غزة، واعتبر طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين «أنَّ تصدّي المقاومة المشرّف بغرفة العمليات المشتركة، ترسيخ لمعاني الوحدة الوطنية»، إن الوضع الحالي يقتضي المعاجلة بإجراء حوار وطني شامل يبلور السياسة الوطنية الواجب إتباعها للانتقال بالمواجهة الوطنية من مستوى الاستنزاف النسبي للعدو إلى الاستنزاف الاستراتيجي الذي يدحر الاحتلال، ويسقط مفهوم اليوم التالي، ويحدد مستقبل بلادنا، باعتبار مصيرها شأن داخلي يقرره الشعب الفلسطيني وفصائله، ما يتطلب ضرورة التوافق على استراتيجية فلسطينية موحدة تقطع الطريق على كل أشكال العبث الخارجي بالأوضاع الفلسطينية.

تعتز الجبهة الديمقراطية بأن سياستها تميزت على الدوام بتمسكها بالوحدة الميدانية والوطنية والداخلية، بل أنها رفعت هذه القضية الاستراتيجية إلى مرتبة القداسة الوطنية، فالوحدة الوطنية كما تراها الجبهة، وكما تؤكد عليها وثائقها البرنامجية ومواقفها السياسية اليومية، هي وحدة الشعب في أماكن تواجده كافة، بشرائحه الاجتماعية واتجاهاته السياسية المختلفة، باعتبارها حاجة وطنية أساسية، لا غنى عنها ولا بد منها في معركة الخلاص من الاحتلال والاستيطان، وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني الوطنية في العودة وتقرير المصير والاستقلال والسيادة. ووحدة الشعب تتمثل بشكل رئيسي في وحدة حقوقه الوطنية والقومية، فوحدة الحقوق هي التي تحد من تأثير ومفاعيل حالة الشتات التي يعيشها شعب فلسطين، وهي التي تعبئ طاقاته في النضال الوطني، وهي التي تصون شخصيته وهويته الوطنية، وتصون انتماءه إلى قضيته، رغم تباين الظروف وتقلبها.

لذلك اتخذت الجبهة على الدوام مواقف مبدئية وصلبة لا هوادة ولا تهاون فيها، في رفض التنازل عن أي من مكونات البرنامج الوطني الفلسطيني، أو التنازل عن أي من الحقوق الوطنية والقومية أو المقايضة بين حق وآخر، والتمسك بها كلها باعتبارها وحدة واحدة، لأن أي تنازل أو مقايضة من شأنه أن يشق وحدة الصف الوطني من خلال شق وحدة الشعب خلف برنامجه الوطني.

وعلى مدى تاريخها كافحت الجبهة لتكريس الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية ودعت كافة الأطراف الفلسطينية للانتماء إلى م.ت.ف. وخاصة في هذه الظروف القاسية من حرب عدوانية على شعبنا التي تتطلب وحدة حقيقية على مختلف الأصعدة الميدانية والداخلية والوطنية، والتأكيد في الوقت ذاته على ضرورة إصلاح أوضاع المنظمة وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية لتكون إطاراً جامعاً لوحدة وطنية أكثر رسوخاً، تقوم على مبدأ الائتلاف الوطني، والشراكة الوطنية، بديلاً لسياسة الانفراد بالقيادة والاستفراد باتخاذ القرار.

لقد اهتمت الجبهة بوحدة التمثيل بما هي تكريس للوحدة الكيانية الوطنية، التي بدونها يصعب الظفر بحق تقرير المصير، وفي ظل الشتات الجغرافي الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني، تبرز بصورة صارخة الحاجة إلى وحدة التمثيل كمعادل سياسي ومعنوي لا يمكن التقليل من أهميته، خاصة في ظل التعقيد في القضية الفلسطينية وتشابكها كقضية وطنية مع أبعادها كقضية قومية في إطار الصراع العربي –الإسرائيلي الأشمل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here