بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية: العدالة في القرآن الكريم (ح 2)

الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في معاني القرآن الكريم: عدل العدالة والمعادلة: لفظ يقتضي معنى المساواة، ويستعمل باعتبار المضايفة، والعدل والعدل يتقاربان، لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، وعلى ذلك قوله: “أو عدل ذلك صياما” (المائدة 95)، والعدل و العديل فيما يدرك بالحاسة، كالموزونات والمعدودات والمكيلات، فالعدل هو التقسيط على سواء، وعلى هذا روي: (بالعدل قامت السموات والأرض) (أخرج أبو داود عن ابن عباس قال: افتتح رسول الله خيبر، واشترط أن له الأرض وكل صفراء وبيضاء، قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة، ولنا نصف، فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين يصرم النخل بعث إليهم عبد الله بن رواحة، فحزر عليهم النخل وهو الذي يسميه أهل المدينة الخرص فقال: في ذه كذا وكذا، قالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا، ألي حزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلت. قالوا: هذا الحق، وبه تقوم السماء والأرض، قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت. سنن أبي داود رقم (3410) باب في المخابرة) تنبيها أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر، أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما. والعدل ضربان: مطلق: يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو: الإحسان إلى من أحسن إليك، وكف الأذية عمن كف أذاه عنك.

تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع الجزيرة عن العدالة من منظور القرآن الكريم للكاتب يحي عبدالله بن الجف: العدالة مع الآخر: توجيه للرسول صلى الله عليه وسلم للحكم بها جاء هذا في معرض العلاقات مع المخالف: “وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (المائدة 41-42)، وفي العلاقات مع المخالف: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة 8). تؤكد هذه المضامين الأخلاقية عدالة الإسلام في التصور ونظرته إلى بناء العلاقة مع الآخر المخالف بحيث يجب بمنطق العدالة أن يعامل كل الناس بعدالة مهما اختلفوا في الدين والمعتقدات، وهذا ما يجعل مشروع الإسلام حضاريا في بنيته وتقبله للوفاء والعدالة بين بني البشر على حد سواء. إن العدالة من منظور الإسلام مشروع حضاري ذو أبعاد أخلاقية وإنسانية، ولا يتحقق أو يقوم المشروع الحضاري لأي أمة إلا من منطلق العدالة التي خلقت الإنسانية لتحقيقها بين جميع أفراد مكوناتها البشرية، وهذا ما يصوّره القرآن الكريم في أسلوب أمميّ حضاري: “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” (الأعراف 181). تقصد الآية الكريمة قيام العدالة وأنها من أهم ركائز التحضر والحضارة لأي مجتمع أو أمة تريد أن يكون لها مشروع ينافس في ميادين الحياة والعطاء، فالعدالة نماء وعطاء زاهر. عدالة الكلمة: العدالة في الكلمة أو كلمة عادلة هي ما تشير إليه الدلالة النصية لهذا المقطع الذي يجعل كلمة عادلة ذات بعد تشريعي راق تحمل في طياتها جنينا من العدل: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (الأنعام 152). قول الحقيقة والبحث عنها وتحرّيها ليس فقط سمة للمصداقية والثقة بل أكثر من ذلك في نظر هذه الآية، ليكون وصية سماوية يجب القيام بها واتباعها، وهو ما تؤكده هذه المعاني القرآنية بوضوح لافت: “قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ” (الأعراف 29). ويضرب الله مثلا لمن يقيم صفة العدل مقارنا له بغيره ممن لا يقيم العدل: “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” (النحل 76). العدل من القيم التي تشترك في قبولها أغلب النفوس البشرية لما تحققه العدالة من الحرية والكرامة التي ينعم بها الجميع في ظل وجود العدالة الحقيقة، ولهذا كانت رسالة الإسلام رسالة عادلة في نظامها وتشريعها الذي جاءت به. تتجلى قيمة العدالة بين الناس باعتبارها قيمة مادية ومعنوية يمكن التوافق عليها والتصالح عليها وحولها، وهو ما توضحه الآية التالية في معارض الخصام والاقتتال بين الناس: “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الحجرات 9).

جاء في مجلة رسالة القلم عن العدالة الإجتماعية في القرآن الكريم للشيخ قصي الشيخ علي العريبي: لا شك لدى قارئي الكريم أن أحد المهام الرئيسية من بعث وإرسال الأنبياءعليه السلام هو إقرار العدالة الإِجتماعية، أي: إنها الهدف الذي تنزلت له جميع رسالات اللَّه، وسعى من أجله كلُّ الأنبياء والأولياء، كما ينبغي أن يتحرك لتحقيقه كلُّ المؤمنين الواعين، ولا تقوم العدالة إلا بالقائد الصالح – سواء كان رسولاً أو ولياً- والنظام الصالح في البعد السياسي والإِجتماعي والإِقتصادي والتربوي، وبالميزان الذي يشخص المخطئ من المصيب، وبالسلاح المنفّذ للنظام. لهذا، فإن الأُمة الإسلامية تنشد تفعيل العدالة الإجتماعية وإقامة الحق. مع العلم أن الأُمة الإسلامية مسؤولة عن تحقيق وتفعيل ذلك المطلب المهم، لهذا ينبغي أن يسعى إليها كل مؤمن، بل كل إنسان، ولا يجوز أن ينتظر رسولاً يبعثه اللَّه ليتحملها، فإذا لم يحدث ذلك اعتزل الواقع، وبالغ في الترهب انتظاراً للمنقذ، كما فعل الكثير من أهل الكتاب، فانّ ذلك يصير بهم إلى الظلم والتخلّف في الدنيا، والعذاب والغضب الإلهيين في الآخرة. وإذا رفع راية العدالة شخص أو تجمع فان على سائر الناس أن ينصروه إن وثقوا منه ومن أهدافه، ولا يدعوه وحيداً فريداً في مواجهة الظلمة الطغاة، فذلك هو المحك الذي يثبت شخصية الأُمة الحقيقية. العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم العدالة: هو وضع كل شي‏ء في محلّه ضمن منظومته. ويمكن توضيح هذا من خلال قوله تعالى: “رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ” (الزخرف 32). فلو قيل إن هذه الجملة وهي مقطع من الآية المشار إليها، دليل على عدم العدالة الاجتماعية. قلنا: هذا يصحّ في حالة تفسير العدالة بالمساواة، في حين أنّ العدالة كما تقدم تعني وضع كل شي‏ء في محله ضمن منظومته، فهل أنّ وجود سلسلة المراجع والرتب في فرقة عسكرية، أو تنظيم إداري، أو في الدولة، دليل على وجود الظلم في تلك الأجهزة؟ من الممكن أن يستعمل بعض الناس كلمة المساواة في مجال الشعارات من دون الإلتفات إلى معناها الواقعي، أمّا في الواقع العملي فلا يمكن أن يتمّ أو يقوم أي نظام بدون الإِختلاف والتفاوت، غير أن هذا التفاوت يجب أن لا يكون ذريعة لأن يستغل الإِنسان أخاه الإِنسان أبداً، بل يجب أن يكون الجميع أحراراً في استعمال قواهم الخلاقة، وتنمية نبوغهم وإبداعهم، والإِستفادة من نتائج نشاطاتهم بدون زيادة أو نقصان، وأما في حال عجزهم فيجب على القادرين أن يجّدوا و يجتهدوا في رفع النواقص وسد ما يحتاجونه. وخلاصة القول: إنّ اللَّه سبحانه لم يفضل أي إنسان على الآخرين من كل الجهات، بل إن جملة: “رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ” (الزخرف 32) إشارة إلى الإِمتيازات التي تمتاز بها كل جماعة على الجماعة الأُخرى. وتسخير كل فئة لأُخرى واستخدامها لها نابع من هذه الإِمتيازات تماماً، وهذا عين العدالة والتدبير والحكمة. فهل يمكن بعد هذا تصور وجود قانون أوسع وأشمل من العدل؟ فالعدل هو القانون الذي تدور حول محوره جميع أنظمة الوجود، وحتى السماوات والأرض فهي قائمة على أساس العدل. والمجتمع الإِنساني الذي هو جزء صغير في كيان هذا الوجود الكبير، لا يقوى أن يخرج عن قانون العدل، ولا يمكن تصور مجتمع ينشد السلام يحظى بذلك دون أن تستند أركان حياته على أُسس العدل في جميع المجالات.

تكملة للحلقة السابقة جاء في صفحة الامم المتحدة عن اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية 20 شباط / فبراير: معلومات أساسية: اعتمدت منظمة العمل الدولية بالإجماع إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة في 10 حزيران/يونيه 2008. وهذا هو بيان المبادئ والسياسات الرئيسي الثالث الذي اعتمده مؤتمر العمل الدولي منذ صدور دستور منظمة العمل الدولية لعام 1919. و يبنى هذا البيان على إعلان فيلادلفيا لعام 1944 والإعلان المتعلق بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل لعام 1998. و يعرب إعلان 2008 عن رؤية معاصرة لولاية منظمة العمل الدولية في حِقْبَة العولمة. إن هذا الإعلان التاريخي هو إعادة تأكيد قوية لقيم منظمة العمل الدولية.و قد نتج عن المشاورات الثلاثية التي بدأت في أعقاب تقرير اللجنة العالمية المعنية بالبعد الاجتماعي للعولمة. وباعتماد هذا النص ، يشدد ممثلو الحكومات وأرباب العمل ومنظمات العمال من 182 دولة من الدول الأعضاء على الدور الرئيس لمنظمتنا الثلاثية في المساعدة على تحقيق التقدم والعدالة الاجتماعية في سياق العولمة.ويلتزمون معًا بتعزيز قدرة منظمة العمل الدولية على تحقيق هذه الأهداف، بواسطة برنامج العمل اللائق و.يضفي هذا الإعلان الطابع المؤسسي على مفهوم العمل اللائق الذي وضعته منظمة العمل الدولية منذ عام 1999، وبذالك يضعه في صُلْب سياسات المنظمة لتحقيق أهدافها الدستورية. ويصدر هذا الإعلان في لحظة سياسية حاسمة، و يظهر توافق الآراء الواسع النطاق بشأن الحاجة الى بُعد اجتماعي قوي للعولمة في تحقيق أفضل نتائج عادلة للجميع. ويشكل بوصلة للنهوض بعولمة عادلة تقوم على أساس العمل اللائق، وكذلك أداة عملية لتسريع التقدم في تنفيذ برنامج العمل اللائق على المستوى القطري. كما يظهر نظرة إنتاجية من طريق تسليط الضوء على أهمية المنشآت المستدامة في خلق المزيد من فرص العمالة والدخل للجميع. تسلم الجمعية العامة بأن لا غنى عن التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية لتحقيق السلام والأمن و صونهما داخل الدول وفيما بينها وأن لا سبيل، بالتالي، إلى بلوغ التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية دون أن يسود السلام والأمن ويشيع احترام جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وتسلم كذلك بأن العولمة والترابط يتيحان فرصا جديدة، عبر التجارة والاستثمار وتدفق رؤوس الأموال وأوجه التقدم التكنولوجي، بما يشمل تِقَانَة المعلومات، أمام نمو الاقتصاد العالمي والتنمية وتحسين مستويات المعيشة في العالم، مع استمرار وجود تحديات جسام، منها الأزمات المالية الحادة وغياب الأمن وزيادة الفقر والاستبعاد والتفاوت في داخل المجتمعات وفيما بينها، والعقبات الكأداء التي تحول دون زيادة اندماج البلدان النامية، وكذلك بعض البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية، ومشاركتها الكاملة في الاقتصاد العالمي. في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، أعلنت الجمعية العامة أنه اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة، تقرر إعلان الاحتفال سنويا بيوم 20 شباط/فبراير بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here