بمناسبة الانتفاضة الشعبانية: الوقوف أمام الظالم في القرآن الكريم

الدكتور فاضل حسن شريف

كلمة الظلم مشتقة من الظلام. فحقا كان الانسان العراقي في زمن نظام الطاغية الظالم صدام عينه سليمة ولكنه لا يرى النور في رابعة النهار يتعثر في مشيه لأن الظالم وجلاوزته يجعلون غشاوة بين عين المظلوم ونور الشمس، ولكن الله جل جلاله أضله ورده الى نحره وجعل الغشاوة على عينه وأعوانه الظلمة لأنه اتخذ الهه هواه هو وعصابته الغاشمة كما قال سبحانه وتعالى “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ” ﴿الجاثية 23)، و “خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ﴿البقرة 7﴾ فظهرت الشمس كما قال الشاعر (ظهرت ظهور الشمس رابعة النهار * منيرة في شاسع الأقطار).

خلال فترة حكم البعث وصدام بين عامي 1968 الى 2003 حدثت عمليات قتل وإعدامات ولكثرة تكرارها انكشف ظلم النظام لعامة الناس في الداخل العراقي مبكرا، أما شعوب العالم فعلم بظلمه بعد عقود عند سقوطه وظهرت رائحته النتنة من مقابر جماعية و اجهزة تعذيب و تخويف وتجويع وانتهاكات لا حصر لها. وتعد الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 أحد أهم الوقفات التي هزت النظام الظالم فسقطت معظم محافظات العراق بأيدي المنتفضين ولولا مساندة النظام العالمي الجائر لسقط النظام كاملا. وبعد أن تولى المجرم صدام الحكم عام 1979 ازدادت وتيرة جرائم حزب البعث. قال صدام في حديث مسجل له أثناء تأدية مهامه في العام 1978 كنائب للرئيس، أي قبل سنة من توليه الحكم كرئيس لجمهورية العراق: (أي أحد يقف بوجه الثورة ان كانوا ألف ألفين ثلاثة آلاف عشرة آلاف نقص رؤوسهم من دون ما أن ترجف شعرة واحدة أو يرجف قلبي عليه) فكان رد الشعب المظلوم على لسان الشاعر الشعبي بما معناه: أين تذهب يا ظالم *

من كل هذه المظالم لم تحدث أن صارت * ولا سلطة من أمثالك جارت أين تذهب يا ظالم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غالٍ مارق). وصدام وزمرته ومحبيه مصداق لآل فرعون كما قال الله عز من قائل “وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ” (البقرة 49)

ان ارجاع الحقوق الى المظلومين ومنهم عوائل شهداء الانتفاضة الشعبانية ومهجريهم والمشتركين بها والذين ساهموا فيها واجب ديني ووطني. يقول رسول الله صلى الله عليه وآله (أوحى الله عز وجل الي لا يدخلوا بيتا من بيوتي ولاحد من عبادي عند أحد منهم ظلامة فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي يصلي حتى يرد تلك الظلامة إلى اهلها). وقال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (من لا يرحم لا يرحم).

ان الجهر بالكلام على الناس لا يحبه الله سبحانه الا جهر المظلوم على الظالم فقد قال الله عز وعلا في سورة النساء اية 148 “لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” كما هو حال ابناء الانتفاضة الشعبانية على الظالم صدام وزمرته، بالاضافة الى لعنة الله والملائكة و الناس عليهم “أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ﴿آل عمران 87﴾.

ان صدام الصنم لا يستطيع ان ينصر و ينقذ نفسه وأعوانه من العذاب لما أقترفه من جرائم وعصابته بحق الشعب العراقي ومنها جرائمهم في الانتفاضة الشعبانية انما النصر النهائي للمظلومين كما قال جل جلاله “أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَ لا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ‌” (الانبياء 43)، و قوله تعالى “وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ‌” (الاعراف 197).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here