د. عبد الرضا الفائز
يُنشر اليوم تكراراً هاجس سياسي عنوانه “عودة البعث” إلى العراق لتخويف العراقيين من احتمال عودة نظام أستقر آخر سنواته بقوانين سيئة الذكر ثلاثة هي: قانون القرابة وقانون الأخبار وقانون الانتقاد، التي نفذت بهم عقوبة همجية الإعدام بالبعض، متكئا في تضخمه الوهمي على ثنائي الرشوة ترغيبا والحربة تخويفا.
وفي خوفه من السقوط بعد مجزرة قاعة الخلد رفع البعث الذي أصبح صداميا بامتياز شعار “من ليس معنا ضدنا” لعهد من العنف العاري (أقله حروب عبثية ومقابر جماعية وأسلحة كيميائية) واستهتار بالوطن صريح في شخص قليل الثقافة (يحتقرها)، نرجسي سطحي في مؤهلات السياسة، عسكريا زائفا “قائدا” لجيش عريق، وغبيا في الحسابات الاستراتيجية، متخذا من الغدر والقسوة وآصرة الحزب/القرابة السيئة، هيبة قوة لصناعة ماكنة خوف وضعت القطن في حناجر العراقيين بقوة القوانين السيئة الثلاثة أعلاه، في جمهورية للقسوة والصمت لم تعوزها الجريمة والوضاعة.
حدث ذلك بعد أن قتل الذين كان شعارهم “من ليس ضدنا معنا”. أقول هذا أنصافا (قد يزعج صدقه البعض) حين حصلت مستقلا مع صديق دعوي (أنتسب بعد سفره) وآخر شيوعي (بميوله) على بعثات دراسية، مع مشاهدات من زيارات لأصدقاء وأقارب لمعتقلين في “الفضيلية” لم يسجل لي يومها أي منهم تعذيب أو قسوة بل تكلموا بفخر عن زيارات لمسؤولين كبار يناقشوهم محاولين إقناعهم لتبرير اعتقال شمولي (لا شرعي وأن أستحق الموظف فيهم نصف راتب). أذكر من ذكروا طارق حمد العبدالله (سكرتير البكر) وعلي غنام (عضو القيادة القومية) والذليل عزت الدوري، رغم الزحف الخفي لمجموعة الطاغية، النائب حينذاك.
وعموما لم يأت البعث بقوة صناديق الاقتراع أو قوة القانون. فكلا فترتي وصوله كانتا عبر انقلاب لقلة عسكريين. والتاريخ في المجمل لا يكرر نفسه إلا إذا تكررت فرص وقائع وكفاية ظروف جعلتها تواصل تقانة المعلومات وشفافية مسيرة الثورة الصناعية الرابعة المتسارعة “أسيا”، حالة من الماضي المستحيل عودة. وحين يعود بالديمقراطية، حكم أي حزب شيوعي لدولة حكمها (بالقسر والقوة)، يمكن قبول نقاش احتمالية عودة البعث وإنحسار عصر العولمة، أن حصل.
ولأن كل الظروف الموضوعية تجعل طريق وصول البعث ثانية بانقلاب مستحيلة لتغير تركيبة الجيش وانتهاء صبغة تهيكله القديم وموتها، تكون فرصة الفوز له كذلك عبر صناديق الانتخابات، حتى وإن غير فلسفته واعتذاره للعراقيين عما فعل المجرمين فيه وإلتزامه بالديمقراطية (أن أستطاع) مع ضمانات داخلية (وأممية)، تكون فرصة عودته مستحيلة كذلك. وبالتالي، فأنه سوف يبقى في كل الأحوال كأي حزب شمولي تجاوزه الزمن لا ترى فيه إلا عجائز داينوصرات عتيقة، لا تبرر عند الواثقين فوبيا الخوف منه.
لكن السؤال لماذا تثار عودة البعث ثانية اليوم؟ الجواب هو بعد تنامي شك العراقيين بقدرة قوى الطبقة السياسية في التنمية والإنجاز وفشل غير قليل منها في الطهارة، وبعد ابتذال خطاب الكراهية بتخويف الشيعة بالسنة والسنة بالشيعة، يثار اليوم تخويف العراقيين من البعث في توسل سنوات أخرى للبقاء.
أن مخالفة القوى السياسية لآية كريمة “قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” وتقاعسهم وانشغالهم صراعا بالرخيص من فتات السلطة والنفوذ وتحاصصهم عليها حلالا وحراما ناسين الشعب والوطن وتولي غير المناسب فيهم ما لا يناسب، جعلتهم في جمهورية الفساد والإفساد، يغارون ويحسدون (لعجزهم) شعبية محافظ لم يفعل الكثير سوى تعبيد أرصفة وشوارع وتأسيس مجاري وتنظيم رفع القمامة في خدمات (فيا ليت شعري أين كانوا في سنين؟).
وغيرتهم تلك لا تجعل عودة البعث قادمة، بل القادم هو تغييرهم الحتمي بأصوات الناس، بعد أن أثبتوا أنهم لم يُقدرّوا الفرصة التي أتيحت لهم (والتي كانت بمثابة فخ لإفراغ رغبة الشعب فيهم) لم يُقدرّوها أو لم يملكوا القابلية لإغتنامها. والفرص كالسحاب تمر وأن انتظرت عقدين في سنين بعد أن وضعوا قطن الطاغية في أذانهم، طرشان عن آلام الناس وتطلعاتهم.
إن معياري استحقاق السلطة هما ثنائي الإنجاز والطهارة اللتان فشل فيهما عهد الطاغية، فأحتقره الشعب وإن جبارا بقى يستبد، حتى ساعة ركل صنمه الكريه. ومن يفشل في ذلك عليه أن يترك السلطة بدل أن يُطرد (كأي غافل عنها) مع الشماتة به من أعدائه والناس، سواءً كانوا بعثيين أو غير ذلك. والعاقل من بغيره أتعض.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط