الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن كلمة عدل ومشتقاتها “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 181﴾ يَعْدِلُونَ: يَعْدِلُ فعل، ونَ ضمير. به يعدلون: بالحقّ يحكمون في الخصومات بينهم. ومن الذين خَلَقْنا جماعة فاضلة يهتدون بالحق ويَدْعون إليه، وبه يقضون وينصفون الناس، وهم أئمة الهدى ممن أنعم الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح. قوله جل جلاله “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” ﴿النحل 76﴾ بِالْعَدْلِ: بِ حرف جر، الْ اداة تعريف، عَدْلِ اسم. وضرب الله مثلا آخر لبطلان الشرك رجلين: أحدهما أخرس أصم لا يَفْهَم ولا يُفْهِم، لا يقدر على منفعة نفسه أو غيره، وهو عبء ثقيل على مَن يَلي أمره ويعوله، إذا أرسله لأمر يقضيه لا ينجح، ولا يعود عليه بخير، ورجل آخر سليم الحواس، ينفع نفسه وغيره، يأمر بالإنصاف، وهو على طريق واضح لا عوج فيه، فهل يستوي الرجلان في نظر العقلاء؟ فكيف تُسَوُّون بين الصنم الأبكم الأصمِّ وبين الله القادر المنعم بكل خير؟ قوله سبحانه “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” ﴿النحل 90﴾ بِالعَدْلِ: بالقسط و الموازنة و الإنصاف. يأمر بالعدل: بالإعتدال و التّوسّط في الأمور اعتقادا و عملا و خُلُقا. إن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده في هذا القرآن بالعدل والإنصاف في حقه بتوحيده وعدم الإشراك به، وفي حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه، ويأمر بالإحسان في حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه المشروع، وإلى الخلق في الأقوال والأفعال، ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبرُّهم، وينهى عن كل ما قَبُحَ قولا أو عملا وعما ينكره الشرع ولا يرضاه من الكفر والمعاصي، وعن ظلم الناس والتعدي عليهم، والله -بهذا الأمر وهذا النهي- يَعِظكم ويذكِّركم العواقب؛ لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا بها. قوله عزت قدرته “أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ” ﴿النمل 60﴾ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ: يجعلون لله ندا ونظيرا ومثيلا. واسألهم مَن خلق السموات والأرض، وأنزل لكم من السماء ماء، فأنبت به حدائق ذات منظر حسن؟ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها، لولا أن الله أنزل عليكم الماء من السماء. إن عبادته سبحانه هي الحق، وعبادة ما سواه هي الباطل. أمعبود مع الله فعل هذه الأفعال حتى يُعبد معه ويُشرك به؟ بل هؤلاء المشركون قوم ينحرفون عن طريق الحق والإيمان، فيسوون بالله غيره في العبادة والتعظيم.
تكملة للحلقات السابقة جاء في مجلة رسالة القلم عن العدالة الإجتماعية في القرآن الكريم للشيخ قصي الشيخ علي العريبي: هؤلاء الذين اتبعوا القرآن يدعون بالقرآن، وبذلك الإمام الذي اتبعوه باسم القرآن وصاروا قرآنيين: أمّا وأنهم صاروا قرآنيين، فان اللَّه يعطيهم حقهم غير منقوص، دون أن يظلمهم فتيلاً، والفتيل هو الخيط الدقيق في شق نواة التمرة، ولعل نهاية الآية تدل على أن الوهم الذي يبثه الشيطان في روح أتباعه بأن عمل الخير لا جزاء له باطل. وليس معنى هذه الآية أن اللَّه يظلم من لا يؤتى كتابه بيمينه، بل اللَّه عادل ولو يؤاخذ الناس بعدله لما نجى أحد من البشر، ولكن اللَّه سبحانه لا يتعامل مع الناس إلا بفضله، وقد ورد في الدعاء: (الهي عاملنا بفضلك، ولا تؤاخذنا بعدلك، فانه لا طاقة لنا بعدلك، ولا نجاة لنا دون فضلك) واللَّه سبحانه لا يظلم الناس، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فإذا عاقبهم اللَّه في الآخرة فإنما يعاملهم لقاء ظلمهم لأنفسهم. والمحصل مما تقدم: أن كلمة الميزان واسعة فهي تشتمل على كثير من المضامين، فالعقل ميزان، والقرآن ميزان، والعهد ميزان، وما تتفق عليه التنظيمات في اجتماعها إلى بعضها ميزان، ولا يصح لأحدٍ أنْ يخرج عليه مهما كان مخالفاً لمصالحه الشخصية، ولكنَّ أظهر معاني الميزان هو القيادة الإسلامية، أو كما تقدم سابقاً السلطة العادلة، بأقوالها وأفعالها وآرائها باعتبار قربها من القيم فهماً وتطبيقاً، قال الإمام الرضا عليه السلام: (الميزان أمير المؤمنين عليه السلام نصبه لخلقه، قال الراوي للإمام عليه السلام متسائلاً: قلتُ: “أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ” (الرحمن 8) ما هو المراد من الآية الشريفة هذه؟ قال الإمام عليه السلام حول المراد منها أي: لا تعصوا الإمام عليه السلام، ثم قال الراوي للإمام متسائلاً حول قوله تعالى: “وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ” (الرحمن 9)؟ قال عليه السلام: أي: وأقيموا الإمام بالعدل، بعد هذا سئل الراوي الإمام عليه السلام عن قوله تعالى: “وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ” (الرحمن 9)؟ قال الإمام عليه السلام مجيباً: أي: لا تبخسوا الإمام حقّه ولا تظلموه). والعقل يعكس مقاييس الميزان التي فطر عليها على مجموعة أدوات يقيس بها الأشياء، أرأيت أن العقل يعرف عبر البصر مدى قرب أو بعد الأشياء، ولكنّه التماساً للدقة يعكس ذلك على أدوات العلم – المتر والكيلومتر -، كما يقدر العقل على معرفة مدى حرارة الجسم باللمس، ولكنّه يبدع المحرار ليكون أقرب إلى الدقة، وهكذا سائر الموازين، إنّها تجليات العقل على الطبيعة، ومن جهة أخرى أنها أدوات لحكم السلطة العادلة، فلولا القوانين التي تنظم العلاقة وتوزن مدى تطبيق القيم على الواقع لم يستطع الإمام فرض العدل على الناس، وهكذا كان الميزان أساساً هو العقل الذي هداه اللَّه لمعرفة المقاييس والمقادير، والإمام الذي هو بمثابة العقل الظاهر، ثم الأنظمة والأدوات القياسية، لأنها تهدي الناس للحق والعدل، ولذلك جاء في التفسير: (نزل جبرئيل عليه السلام بالميزان الكفتين واللسان فدفعه إلى نوح، وقال: مر قومك يزنوا به). “لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ” وإقامة الشيء تنفيذه على أصلح وجه، ومنه إقامة الصلاة إذا مارسها بوجهها الصحيح، والعوامل الثلاثة أي: البيان والكتاب والميزان، يكمل بعضها بعضاً، وهي كفيلة بأن توفر المناخ المناسب لإقامة القسط ولتحقيق الهدف الإلهي. والقسط والإقساط هو الإنصاف، وهو أن تعطي قسط غيرك كما تأخذ قسط نفسك، والعادل مقسط، قال اللَّه تعالى: “إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (المائدة 42). أي: الذين يحكمون بالقسط الذي هو محض العدالة، والقاسط الجائر، قال تعالى: “وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً” (الجن 15)، قال الزمخشري: القاسطون الكافرون الجائرون عن طريق الحق، ونقل طريقةً عن سعيد بن جبير رضي الله عنه: أنّ الحجاج قال حين أراد قتله: ما تقول فيَّ؟ قال: قاسط عادل، فقال القوم: ما أحسن ما قال حسبوا أنّه يصفه بالقسط والعدل، فقال الحجّاج: يا جهلة إنّه سمّاني ظالماً مشركاً، وتلا قوله تعالى: “وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ” وقوله تعالى: “ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ” (الانعام 1). والمراد من يعدلون أي: يجعلون له عِدْلاً مساوياً وشريكاً له في العبادة، والعديل هو الشريك والشبيه والمثيل. وحسب بعض اللغويين: قسط بالكسر: عدل وقسطاً بالفتح وقسوطاً أي: جار وعدل عن الحق. وأنّى كان فانّ مفردات استخدام الكلمة تدل على أنّها ليست مجرد بسط العدالة الظاهرة، بل هي إقامة العدالة الواقعية التي فيها المزيد من الإنصاف، وإيتاء الحق لأهله. والآية تصرح بأنّ إقامة القسط تكون بيد الناس أنفسهم، فلم تقل: ليقوم الرسل بالقسط بين الناس، بل قالت: “لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ” (الحديد 25)، ولو أنّ الناس تخلوا عن مسؤوليتهم تجاه العدالة فان القسط لا يقوم، لأن رسالات اللَّه توفر للناس فرصة اقامة القسط، ولم يبعث الأنبياء لفرض العدالة بالإكراه على الناس. وقيام الناس بالقسط يعني العدالة، وإقامة الحق في سائر جوانب حياتهم، مع اللَّه، ومع الرسول، ومع القيادة الشرعية، ومع الناس، بل ومع الحياة، فيتقون اللَّه حق تقاته، ثم يختارون الإمام العدل ويسلمون له ويتبعونه، قال الإمام الرضا عليه السلام: (“وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ” (الرحمن 9): أي: وأقيموا الإمام بالعدل). ويلتزمون الحق مع أنفسهم باتباع القصد من دون إفراط ولا تفريط، ومع الناس فلا يبخسون، ولا يطففون، ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا ينقضون العهد، وهكذا يلتزمون العدل في علاقتهم مع الخليقة من حولهم، فلا يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، ولا يهلكون الحرث والنسل، ولا ولا فتحقّق العدالة الاجتماعية التي دعا إليها القرآن الكريم على أحسن ما يريده. ولكن وللأسف تبقى شريحة من الناس تخالف الحقّ، من أجل هذا أنزل اللَّه الحديد وسيلة رادعة لتنفيذ القسط وإقامته بين الناس، ولا ريب أن القوة ليست الوسيلة المناسبة دائماً، فما يقره الإسلام شرعيّة القوة في الحالات الخاصّة، قال تعالى: “وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ” (الحديد 25).
جاء في موقع مجلس المستشارين عن كلمة السيد رئيس مجلس المستشارين خلال المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية: قررنا في مكتب المجلس أن نخصص النسخة الرابعة لهذا المنتدى لموضوع يحظى بأهمية بالغة ويشكل، ضمن أوراش الإصلاح الهيكلية المطروحة على جدول أعمال بلادنا، أولوية قصوى ويتعلق الأمر ب “الحماية الاجتماعية بالمغرب برهانتها الثلاث الحكامة و الاستدامة والتعميم ” لعدة اعتبارات منها : أولا: الارتباط الوثيق للحماية الاجتماعية بالعدالة الاجتماعية ولكونها تعتبر مـن مكونــات السياســات العموميــة الراميــة إلــى إعمــال حــق أساســي مــن حقـوق الإنسان، ومـن تم المسـاهمة فـي توطيـد أواصـر التماسـك الاجتماعي و الدفـع بعجلـة التنميـة الاقتصادية للبلاد والاستقرار والتكافل. ثانيا: الدعوة الملكية السامية، في الرسالة التي وجهها إلى المشاركات والمشاركين في النسخة السابقة من المنتدى، إلى التحلي بروح الابتكار والجدية والموضوعية من أجل البحث في إشكالية الفوارق الاجتماعية والمجالية وعلاقتها بالإكراهات المطروحة على أنظمة الحماية الاجتماعية، وأيضا دعوته السنة الماضية في خطاب العرش (الحكومة وجميع الفاعلين المعنيين إلى القيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة، للبرامج والسياسات الوطنية، في مجال الدعم والحماية الاجتماعية، وكذا رفع اقتراحات بشأن تقييمها. مطالبا باعتماد مقاربة تشاركية، وبعد النظر، والنفس الطويل، والسرعة في التنفيذ أيضا، مع تثمين المكاسب والاستفادة من التجارب الناجحة). ثالثا: إجماع مختلف الدراسات والتقارير والتشخيصات على ضعف وهشاشة وتعدد الاختلالات البنيوية لأنظمة الحماية الاجتماعية ببلادنا، مما يضفي على هذا الورش طابع الاستعجال والأولوية؛ رابعا: اندراج الموضوع في سياق تَبني فيه بلادنا نموذجا تنمويا جديدا، ستشكل فيه منظومة الحماية الاجتماعية آلية أساسية للتضامن، والقضاء على الفقر متعدد الأبعاد، وإعادة توزيع الثروة، وتحقيق التماسك الاجتماعي. من المسلم به أن مفهوم الحق في الحماية الاجتماعية يرتبط بجوهر مبادئ وقيم العدالة الاجتماعية ويعتبر ترجمة لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل من خلال استعمال الإنفاق العمومي لتمويل برامج تضمن للجميع الحق بالأمن الاجتماعي. وتضمن برامج الحماية الاجتماعية للأفراد استدامة حصولهم على الخدمات التي تساعدهم على تأمين مستوى عيش لائق وتحررهم من مخاطر الجوع والفقر وانعدام التغطية الصحية وعدم توفر خدمات تعليمية تمكنهم من تطوير قدراتهم الشخصية. بالتالي فإن الحق في الحماية الاجتماعية يعتبر أساسيا لضمان حصول الأفراد على حقوقهم الأساسية في الصحة والتعليم والعمل والحياة الكريمة. إن الحمايــة الاجتماعية هــي الركيزة الأساسية التــي يستحيل تصور انبثاق واستدامة عقد اجتماعي قوي ومستدام دون تحصينها وجعلها أولوية قصوى للسياسات العمومية. وأتصور أننا لسنا بحاجة الى البرهنة على صحة الفرضية التي تشير الى انه بالنسبة لبلد يطمح الى تحقيق الإقلاع الاقتصادي واللحاق بركب الدول الصاعدة كالمغرب، فإن إعادة بناء المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية في اتجاه تجاوز الاختلالات البنيوية التي تعاني منها وتحقيق مقومات الشمول والاستدامة هو أمر لا مفر منه، على اعتبار أن منظومة للحماية الاجتماعية بهذه المقومات سيكون لها تأثير إيجابي على تثمين رأس المال البشري و تحسين الإنتاجية، و ستسهم في الحد من التفاوتات الطبقية والمجالية، وإنهاء حلقة الفقر ومنع توارثها بين الأجيال وبناء القدرة على مواجهة الصدمات ، وبالنتيجة في تحقيق الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي،. كما أن توسيع الحماية الاجتماعية يسهم في التعافي من الازمات الاقتصادية وتحقيق التنمية الشاملة وصون كرامة المواطنات والمواطنين. ومن باب التذكير فالحــق في الحماية الاجتماعية مكرس فــي عدد من الاتفاقيات الرئيسـية للأمـم المتحـدة ومنظمـة العمـل الدوليـة ومنظمـة الصحـة العالميـة. كمـا تدعمـه العديـد مـن المبـادرات المهمـة العابـرة للحـدود الوطنيـة، وآخرهـا كان فـي سـنة 2015 مـن خلال اعتماد أهـداف التنميــة المســتدامة الســبعة عشــر. و للإشارة فالحماية الاجتماعية تعتبر مكونا أساسيا للإعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث نصت المادة 22 منه على أنه” لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمان الاجتماعي، و أن تُوفَّر له، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتَّفق مع هيكل كلِّ دولة ومواردها، الحقوقُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرِّية” . كما أشارت إحدى فقرات المادة 23 منه وبصراحة إلى أنه و”لكلِّ فرد يعمل الحقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية، وتُستكمَل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية”. وأكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة 9 منه على حق كل إنسان بالضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمينات الاجتماعية، بالإضافة إلى الحق في العمل اللائق والرعاية الصحية للبالغين والأطفال (10،11،12). كما تقع الحماية الاجتماعية تحت جملة من الاتفاقيات الدولية التي تضمن مجموعة من الخدمات الاجتماعية المرتبطة بتمكين المرأة والقضاء على كافة أشكال التمييز تجاهها ، اتفاقية حقوق الطفل، الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين والاتفاقية الخاصة بحقوق المعاقين. وتحظى نظم الحماية الاجتماعية بمكانة بارزة بين أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. حيث يدعو الهدف الفرعي 1-3 من هذه الأهداف إلى “استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة على الصعيد الوطني للجميع ووضع حدود دنيا لها، وتحقيق تغطية صحية واسعة للفقراء والضعفاء بحلول عام 2030.” كما لا يجب أن ننسى معايير منظمة العمل الدولية بخصوص هذا الموضوع. ومنها التوصية رقم 202 بشأن الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية في 2012 التي اعتمدها العاملون وأصحاب العمل والحكومات من جميع البلدان . وكذا تعليق اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالخصوص التعليق العام رقم 19 المتعلق بمجموعة أدوات الحق في الضمان الاجتماعي.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط