هل من مستثمر يعيد لبغداد جمال صالات سينما الزمن الجميل!؟

علاء كرم الله

وجع العراقيين كبير بين ماضيهم وحاضرهم ، فمدينتهم بغداد كانت في خمسينات وستينات القرن الماضي بلد الجمال والتحضر والرقي والحب والحرية والتآخي والمدنية الحقيقية، وأذا أردنا القول أكثر فبغداد كانت منذ التاريخ أميرة الزمان في تاريخها ومجدها التليد وحسبها ونسبها! ولأن الله انعم على هذه البلاد الكثير من الخيرات لذا كثر حسادها وطمعوا بها ( فكل ذي نعمة محسود!) كما قال الأمام علي عليه السلام ، ودارت عليها الأيام وتم أحتلالها ، فسقطت فريسة للضباع والجياع من أصحاب البطون الخاوية والخيرالدخيل الذين تكالبوا عليها من كل حدب وصوب ووصل حالها وصوت وجعها وأنينها الى ما يسر ويتشفى بها أعدائها!! ، وسادها ظلام الخوف والجهل والأمية والتخلف وفقدان الأمن وهي تعيش الألفية الثانية بعد أن كانت بلد النور والأمان والعلم والمعرفة الى زمن ليس ببعيد . كانت صالات السينما في بغداد تحديدا تمثل واحدة من أجمل صور بغداد وبهائها ، حيث بلغ عددها أكثر من 80 صالة عرض للسينما تمتد مابين شارع الرشيد والسعدون ، وكانت صالات السينما على درجة عالية من الرقي والحداثة ، فغالبيتها كانت تعد الأجمل والأكبر على مستوى الشرق الأوسط! ، مثل سينما النصر ، والخيام ، وغرناطة ، وسميرة أميس ، والنجوم ، وبابل ، فعلى سبيل المثال كان عدد مقاعد سينما الخيام 1500 مقعد! وكانت ذات طابقين وتتميز صالة سينما الخيام بلوحات جميلة زينت الجدران الجانبية لها وكانت على شكل بانوروما! تحكي احدى قصص الشاعر (عمر الخيام) ، وهي من أبداع رسام أيطالي مغمور لا يعرف أسمه! ، وقد كلف بناء سينما الخيام والتي أفتتحت عام 1956 ( 300000) ألف دينار عراقي في ذلك الوقت ( الدينار العراقي كان أكثر من 3 دولارات!) ، حيث كانت أرضيتها من الرخام والسيراميك الذي أستورد من إيطاليا ، ومقاعده جلوس المشاهدين أتسمت باللون الأحمر وتم أستيرادها من أمريكا!! ، وقس على ذلك باقي السينمات التي كانت على هذا المستوى من الرقي والجمال والحداثة وأحسن أو اقل بقليل . وما أن أشتعلت حرب الخليج الأولى ، حتى بدأت أنوار بغداد وجمالها يخفت وبدأ ظلام الخوف يزحف عليها ، ومن الطبيعي أن يقل نبض الحياة الى حد التوقف! ، ومعها بدأ الناس يهجرون الفرح وكل شيء بل وكل أشكال التواصل مع الحياة ، وبدأ رواد السينما يقلون شيئا فشيئا حتى هجروا السينما! ، والسينما هي الأخرى هجرتهم وأغلقت أبوابها! ، بعدما طال أمد الحرب الى سنوات! ، فهناك حرب وموت وصواريخ تسقط عمياء على الناس!، ولبست بغداد ثوب السواد ونزعت ثوب الفرح والى يومنا هذا! ، ونفس الشيء حدث في باقي محافظات العراق . وجرى ما جرى على العراق وبغدادها من قصص الموت بكل أنواعه وأشكاله حتى صار الطفل في الصين يعرف ذلك! . من المعروف أنه في حقبة أحتلال العراق توقف بناء وأنشاء أي شيء ولا حتى أعادة أعمار وترميم وتصليح شيء قديم! ، فلم تشهد بغداد ومحافظاتها أية مشاريع أستثمارية تنموية تخدم الوطن والمواطن وتصب في صالح الأقتصاد العراقي! ، سوى ما يمكن أن يطلق عليها مشاريع للترف والترفيه! وكلها مشاريع أستهلاكية من ( مولات ، ومطاعم ، وكافيهات ، ومقاهي ، وسوبرماركتات ضخمة ، وصالات للروليت ، ومراقص ، وملاهي!!) ، حتى صار بين كل مطعم ومول هناك ومطعم ومول!! ، وأزدحمت بغداد بهذه الصور الباذخة ، وبأموال لا يعرف مصدرها وبأناس لا يعرف من أين جاؤوا بهذه الأموال!! ، ولكنه ومع الأسف أصبح واقع لصورة العراق الجديد في ظل الأحتلال! ، وكأنه أمرا مفروغ منه ، ولو على مضض وألم وقهر! . ولندخل الى صلب الموضوع وأقول ما دام الأمر أصبح كذلك ، فلا ادري لماذا المستثمرين العراقين من أصحاب الأموال الضخمة! ، الذين أهتموا كثيرا بكل ما ذكرته آنفا وبأنشاء المراكز والقرى والملاعب الترفيهية ، لم يلتفتوا الى أعادة الحياة لصالات السينما الكبرى؟ ، ألم تمثل شيئا من الترفيه والرفاهية للمواطن وفيها مردود مادي جيد؟! ، لاسيما وأن بنايات غالبية السينمات لازالت موجودة وبنفس مكانها ، مثل سينما النصر والخيام وسميره أميس والنجوم . وهنا لا بد من الأشارة بأن الكثير من العراقيين أذا أردت أن أكون دقيقا من ((مواليد ثمانينات القرن الماضي وبعدها من مواليد لم يعرفوا السينما؟!)) ، ومعها المسرح طبعا! . أن طقوس وأجواء صالات سينما ( الزمن الجميل ، كما يطلق عليها!) ، تختلف كثيرا بل لا وجود للمقارنة بينها وبين سينما (المولات)! الحالية التي صارت البديل الشاذ والمشوه! ومع الأسف لتلك السينمات وزمنها الجميل والتي كانت لها طنة ورنة بأجوائها وطقوسها وبجمالها ورقيها وبالأفلام الحديثة الراقية التي كانت تعرضها! . أن الشيء المختلف في أستثمار أعادة الحياة لصالات السينما الذي نحن بصدده ، هو لكونها لا تمثل جانبا للترفيه فحسب ، بل لكونها تمثل منبرا وواجهة للثقافة والتحضر! الذي أفتقدناه ، ونحن اليوم بأمس الحاجة أليه في ظروفنا الحالية ، حيث يعيش المجتمع صراعا وحربا قاسية غير متكافئة !، بين التخلف والسوقية والقبلية وترييف المدينة! ، وبين العودة الى زمن التحضر والمدنية والثقافة!، فصالات السينما وما كانت تعرضه من أفلام كان له دور كبير في تنمية شخصيتنا وثقافتنا! وبالتالي ثقافة وتطور المجتمع ، فدور(السينما والمسرح) تمثللان أحد صور الثقافة والتمدن والتحضر وبناء شخصية الفرد في أي مجتمع ، وليسمح لي الفيلسوف الكبير فولتير الذي قال (أعطني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا)! ، أن أضيف كلمة السينما الى ما قاله!! ولتكون العبارة (أعطني مسرحا وسينما ، أعطيك شعبا مثقفا)!! . أقول ولربما لست متيقنا من ذلك! ، أن توجها للأستثمار بأعادة الحياة للسينما والمسرح ، فهو بقدرأنه لم يخطر على بال المستثمرين! ، فلربما هناك من يمنع ذلك!! ، بأعتبار أن موضوع تجهيل المجتمع وتخلفه وأعادته الى الوراء في كل شيء هو ما يعمل عليه المحتل!! . وبقدر دعوتنا هذه الى المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال ، ولكنها بنفس الوقت تمثل دعوى ونداء ثقافي وانساني الى وزارة الثقافة ولشخص السيد وزير الثقافة المحترم ( الدكتور أحمد فكاك البدران) الذي نأمل منه كل خير، أن يلتفت الى هذا الجانب الثقافي والأنساني ، لاسيما أن أعادة الحياة للسينما والمسرح معناه أعادة الحياة الى أهم مناطق بغداد الرشيد والسعدون وجعلها تنبض بالحياة والنور من جديد . وهنا لابد من الأشارة بأن بغداد فيها مسرح واحد يتيم! هو المسرح الوطني ، وهو مهجور أيضا! ، فبين فترات متباعدة نسمع عن وجود عرض مسرحي أو حفلا ثقافيا فنيا أقيم فيه! ، بل أن هذا المسرح صار بالفعل رمزا لوفاة فن المسرح بالعراق!!؟ ، عندما صار مكانا لتأبين من يموت من الفنانين حيث يتم تشيعه والطواف بهم من داخل المسرح ، قبل دفنه في مثواهم الأخير!! . أخيرا نقول: لربما يرى الكثير من القراء بأنني أعيش حلم أو أدعو لتحقيق حلم! صعب المنال والتحقيق ، ولكن أعود وأكرر أن الأمل كبير بالسيد وزير الثقافة المحترم (الدكتور أحمد البدران) ، أن يلتفت الى هذا الحلم ليحققه ، وذلك بدعوة المستثمرين الى ذلك ، والله من وراء القصد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here