كامل سلمان
لا يوجد إنسان عاقل يصدق الكلام الكاذب والكلام غير المعقول وغير المنطقي وخاصة إذا كان هذا الكلام يخرج من شخص أشتهر بالكذب ، هذه بديهية من بديهيات الحياة التي جعلت من الإنسان كائناً راقياً يمتلك جوهرة العقل ليفرز ماهو معقول عن ما هو غير معقول ، لكني ومن خلال التجربة أدركت بأن كثير من الناس للأسف يمكن إقناعهم بالأفكار والكلمات غير المعقولة ويمكن ملء أدمغتهم بالخزعبلات ويمكن ترويضهم لقبول مالا يعقل ، وهذا الكلام لا ينطبق فقط على الإنسان العاقل والجاهل بل ينطبق أيضاً على العقلاء الذين حازوا على تحصيل دراسي أكاديمي عالي المستوى . كيف يحصل ذلك ؟ يحصل ذلك من خلال ثلاثة عوامل ، العامل الأول ، عندما يتربى هذا الإنسان العاقل السوي داخل بيت ووسط مجتمع يتناقل المفاهيم الخاطئة المشبعة بالعاطفة بعيدة عن العقل فتصبح هذه العادة جزءاً من شخصية هذا الإنسان يميل ويحن إليها كلما مرت السنين لأن فيها ذكريات الطفولة الجميلة ، ولأنه لا توجد مفاهيم خاطئة مقبولة بدون سيل عاطفي عارم وهذا شبه قانون ثابت في حياة الإنسان ، لذلك ستبقى الصورة جميلة بالذاكرة ولا يمكن التخلي عنها ، العامل الثاني ، عندما يكون اصحاب السلطة ( الحكام ) مصابين بعوق نفسي فيعملون جاهدين في البقاء بالسلطة مما يضطرهم إلى ظلم الناس وتعنيفهم وسلب حقوقهم ، فيرتفع سقف ظلمهم إلى مالا يطاق ، ذلك الظالم سيدفع الناس للبحث عمن يخفف عنهم الآلام فيجدون ضالتهم و التعاطف والمودة والمساندة من الدجالين الذين يتربصون بمشاكل الناس ، أكيد سيصبح الدجال أب روحي عطوف لهؤلاء المظلومين يواسيهم ويعطيهم الأمل بالخلاص والنجاة فتصبح فرصته سانحةً لكسب ودهم والتقرب إليهم ثم التلاعب بعقولهم . العامل الثالث ، عندما تكون جميع الأفكار العفنة هي موروثات اجتماعية وهي جزء من عقيدة وتقاليد وثقافة المجتمع ، فالعودة إليها مع ضغوطات الحياة تصبح مرغوبة وحلوة لإنها مزروعة بالنفوس ولها جذور عميقة ، من خلال هذه العوامل فأن كل ما يضاف من كلام كاذب ودجل وشعوذة يكون مقبولاً عند هؤلاء الناس ، فهي لم تك سوى إضافات لمترسبات سابقة تقبلها العقل وأدمن عليها سابقاً ، فليس في الأمر شيء جديد . ويستطيع أي إنسان واعي إختبار حقيقة هذه العوامل المسببة لتلوث العقول عند الناس بسهولة مطلقة من خلال إعلان معاداته لهذه الأفكار ورموز هذه الأفكار سيجد صدود الناس عنه وتعرضه للإزدراء والكراهية بشكل غير طبيعي ، ونفور من قبل المجتمع على هذا الشخص الذي تجرأ على الطعن بأفكار الرموز المعتبرة ، أو على الشخص الذي تجرأ الإساءة لما هو خط أحمر كما يسمونه . أن القدرة على عدم تصديق الكلام غير المنطقي موهبة يتحكم بها العقل لا يمتلكها إلا القليل من الناس ، وتزداد نسبة من لهم هذه الموهبة في المجتمعات المتطورة ، لذلك تطورت تلك المجتمعات وسميت مجتمعات متطورة ، فهل اعتباطاً صارت مجتمعات متطورة ، لم تتطور المجتمعات مالم تكن هناك قدرة على التمرد ضد كل موروث خاطىء . أنا أظن بأن الفارق الزمني بين المجتمعات المتطورة والمجتمعات المتخلفة كانت ضئيلة قبل قرن أو أكثر ولكنها اليوم توسعت ومن المحتمل أن يصبح الفارق شاسع بحيث تصبح كرتنا الأرضية في يوم من الأيام تحوي عالمين من البشر ، عالم راقي وعالم واطىء ، عالم يسبح في الفضاء والعلم والتكنلوجيا والفضيلة والعقل وعالم يسبح في التخلف والرذيلة والمسخ العقلي ، عالم يقل فيه الكلام إلا ماينفع ويكثر فيه الفعل والإنتاج والسرعة وعالم يكثر فيه الكلام الذي لا ينفع ويشح فيه الفعل والإنتاج ، والسبب كله يعود للقدرة أو لعدم القدرة على تصديق مالا يعقل . وهذا الأمر يشبه إلى حد كبير وضع السوق فدائماً ما نجد في الأسواق البضائع السيئة لها ترويج إعلاني كبير وكلام كثير ، بينما البضائع الحسنة ترويجها الإعلاني ضعيف ، لأن الشيء الحسن لا يحتاج إلى تحسين صورته ، نفس الحال ينطبق على الأفكار ، الأفكار الحسنة ليس لها مطبلين ولا مهللين بينما الأفكار السيئة لها من يصرخ ويعربد ويقسم بالله على ما يقول ويكذب لأن هذه الأفكار بدون التطبيل ستموت في مهدها . هذه هي العلة التي يجهلها الناس والتي لا يريدون التقرب إليها وكشفها . وهنا نكشف عن السؤال المهم والذي يتكرر في المجتمعات المتخلفة عندما يردد بعض الناس عن معجزات سمعوها وهي مخالفة للعقل فنقول لماذا نصدقهم ؟
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط