أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ
السَّنةُ الحادِيةُ عشَرَة
(١٩)
نــــزار حيدر
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.
أَمران خطيران يُمارسهُما [إِبليس] معَ العبادِ؛ التَّضليل والإِغواء.
الأَوَّل بتزيينِ الخطأ والسُّوء والفاحِشة، والثَّاني بالحثِّ والتَّشجيعِ، فإِذا واجهَهُ العبدُ وتحدَّاهُ فبالقَسَمِ والأَيمانِ المُغلَّظة [أَي توظيف المُقدَّسِ] {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} فهوَ يُرغِّبُك ويُشجِّعكَ على فعلِ الخطأ بملفُوفةِ النُّصحِ والإِشفاقِ وحثِّكَ على وتذكيركَ بـ [حُسنِ العاقبةِ]!.
ولا نبالغُ إِذا قُلنا أَنَّ الأَداة المُفضَّلة والفعَّالة بيدهِ اليَوم لإِنجازِ هذَينِ الأَمرَينِ هيَ وسائل التَّواصل الإِجتماعي من خلالِ ما باتَ يُعرف بـ [الإِبتزازِ الأَليكتروني] الذي يَروحُ ضحيَّتهُ يوميّاً الكثير من الأَبرياء المُغفَّلينَ خاصَّةً من النِّساء والشَّباب اليافِع من كِلا الجِنسَينِ.
وقبلَ أَن نُعالج هذهِ الظَّاهرة الخطيرة دعُونا نثبِّت [٤] ركائز كحجرِ الزَّاوية في التَّعامل مع وسائلِ التَّواصل لنَحمي أَنفسنا ومُجتمعنا من الإِبتزازِ في مرحلةِ الوقايةِ منهُ قبل أَن نُصابَ بهِ.
١/ التسلُّح بالرُّشد في التَّعامُلِ معها [رَشَدَ الرَّجُلُ؛ أَصابَ، اِهْتَدَى، اِسْتَقامَ، عَرَفَ طَريقَ الرَّشادِ] والرُّشدُ عكْس الغيِّ، الأَوَّل يتحقَّق بالإِنتباهِ والتَّدقيقِ والحذَرِ والتزامِ قاعدةِ أَنَّ الأَصل في التَّعاملِ معها هي أَنَّها غَير آمنة من كُلِّ النَّواحي، فليسَ فيما ههُنا معنىً لُحُسنِ الظنِّ بل {فَخُذْ بِالْحَزْمِ واتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ} كما كتبَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصرَ، والثَّاني يحصلُ بالغَفلةِ {فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْه ومِنْ خَلْفِه وعَنْ يَمِينِه وعَنْ شِمَالِه لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَه ويَسْتَلِبَ غِرَّتَه} كما يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) واللَّاأُباليَّة والتَّساهل المُفرط والتَّعاملِ بحُسنِ الظنِّ {وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ}.
٢/ البصيرةُ التي تغذِّيها المعرِفةُ والذَّاكِرةُ القويَّة {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ} فما لا تتثبَّت منهُ إِضرب بهِ عَرضَ الحائطِ ولا تتردَّد، وما تشكُّ بهِ أَو تشبَّهَ لكَ إِرمهِ في سلَّةِ المُهملاتِ، لأَنَّ مُجرَّد التوقُّف عندهُ سيخدعكَ لمُتابعتهِ إِلى النِّهاية {هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
إِنَّ بينَ الحقيقةِ والشُّبهةِ خيطٌ رفيعٌ جدّاً فإِذا عجزتَ عن فكِِّ شِفرتهِ إِرمهِ بعيداً فذلكَ أَسلمُ لكَ وأَأمنُ.
يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) يبيِّنُ لنا معنى الشُّبهة {وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لأَنَّهَا تُشْبِه الْحَقَّ؛ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّه فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ ودَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى، وأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّه فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ ودَلِيلُهُمُ الْعَمَى، فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَه ولَا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّه}.
ومن كلامٍ لهُ (ع) وقد سأَلهُ سائِلٌ عن أَحاديثِ البِدعِ وعمَّا في أَيدي النَّاسَ من إِختلافِ الخبَرِ، فقالَ (ع) يصِفُ القِسمُ الثَّالثُ منهُم [وهُم أَهلُ الشُّبهةِ] {ورَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّه (ص) شَيْئاً يَأْمُرُ بِه ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْه وهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ سَمِعَه يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِه وهُوَ لَا يَعْلَمُ فَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ ولَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ ولَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ}.
ومِن كتابٍ لهُ (ع) إِلى طاغيةِ الشَّامِ يقُولُ فيهِ {أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ الأُمُورِ فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلَافِكَ بِادِّعَائِكَ الأَبَاطِيلَ واقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ والأَكَاذِيبِ وبِانْتِحَالِكَ مَا قَدْ عَلَا عَنْكَ وابْتِزَازِكَ لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ دُونَكَ فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ وجُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ ودَمِكَ مِمَّا قَدْ وَعَاه سَمْعُكَ ومُلِئَ بِه صَدْرُكَ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ الْمُبِينُ وبَعْدَ الْبَيَانِ إِلَّا اللَّبْسُ؟ فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ واشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا وأَغْشَتِ الأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا}.
ولقد لخَّصَ (ع) جَوهر الوقُوفِ عندَ الشُّبهةِ بقَولهِ {ولَا وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ}.
*يتبع…
٢٠٢٤/٣/٢٨
لِلتَّواصُل؛
Instagram; @nazarhaidariq
www.tiktok.com/@nhiraq
Telegram CH; https://t.me/+5zUAr3vayv44M2Vh
Face Book: Nazar Haidar
Skype: live:nahaidar
Twitter: @NazarHaidar5
WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920
Viber CH; https://invite.viber.com/?g2=AQAH50yHwKvWGlF3NiKuTBXN4cfcZJm1jGzkFU0bzlIanIjLkrUwc6lrqTlj3cHF
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط