2024-04-20
تسجل محاكم محافظة كربلاء، حالة طلاق كل ساعتين، في إحصائية “مرعبة” كما يصفها المراقبون، الذين أرجعوا تفشي هذه الظاهرة التي باتت تهدد الأسرة والمجتمع، إلى مجموعة أسباب تشترك بها عموم المحافظات العراقية.
وفي أحدث إحصائية للطلاق سجلتها المحاكم العراقية كان خلال شهر كانون الثاني لسنة 2024، وبلغت أكثر من 7 آلاف حالة في عموم العراق، في حين كانت حالات الزواج قرابة 31 ألف حالة.
ووفقاً للإحصائية التي نشرها القضاء، فإن حالات التفريق بحكم قضائي كانت 1843، فيما كانت حالات تصديق الطلاق الخارجي 5610، فيما بلغت حالات الطلاق في كربلاء 394 مقابل 1381 حالة زواج.
ويعزو المختصون تنامي حالات الطلاق في كربلاء خصوصاً والعراق عموماً إلى أسباب كثيرة، حيث يقول مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في كربلاء، ماجد المسعودي، إن منها ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي.
ويوضح المسعودي خلال حديثه ، أن “انتشار الظواهر السلبية في المجتمع منها تعاطي المخدرات كانت إحدى أسباب انتشار الطلاق في كربلاء، فضلاً عن سوء استخدام مواقع التواصل، والزواج المبكر، وعدم وجود مراكز متخصصة لإرشاد وتوعية المقبلين على الزواج”.
ولمعالجة هذه الظاهرة – يقترح المسعودي – مكافحة المخدرات ومعرفة الحقوق والواجبات لكلا الزوجين قبل الزواج، ومبادرة الأهل والأقارب للصلح بين الأطراف المتنازعة، وإنشاء مركز متخصص لإقامة الدورات والندوات والمؤتمرات للمقبلين على الزواج، فهي أفضل طريقة للحد من ظاهرة الطلاق، على حد وصفه.
ظاهرة مألوفة في المجتمع
ورغم أن الطلاق من الظواهر التي لا تخلو منها المجتمعات، لكنه بات مألوفاً بطريقة مقلقة في المجتمع العراقي، وفق الكاتبة والمختصة في مجال المرأة من محافظة كربلاء، إسراء الأديب.
وتُرجِع الأديب خلال حديثها ، أسباب الطلاق إلى “قلّة الوعي، وكثرة المشاكل، والزواج الإجباري، والاستخدام المتزايد للأنترنت بطريقة غير صحيحة، وترك الواجبات المنزلية، وضعف المعلومات الزوجية لدى الرجل والمرأة وحقوق وواجبات كلا الطرفين”.
وتتفق الأديب مع ما ذهب إليه المسعودي بـ”أهمية إنشاء دورات للرجل والمرأة المقبلين على الزواج للتقليل من حالات الطلاق”، مؤكدة أن “نجاح الزواج يعتمد على الرجل والمرأة وتعاونهما الشبكي”.
بدوره، يرى الأستاذ في القانون من محافظة كربلاء، حميد الهلالي، انتشار الطلاق في الآونة الأخيرة إلى أن “الزيجات لا تتم وفق معايير الزواج الحقيقية المبنية على أساس الود والمحبة وإقامة عائلة وأسرة، بل لإشباع رغبات جنسية أو مبنية على أحلام غير واقعية”.
ويوضح الهلالي في حديث لوكالة شفق نيوز، أن “أغلب الزيجات في الوقت الحالي هي بأعمار صغيرة دون سن 18 عاماً، وهذه إما تكون عن إجبار أو لإرضاء العائلة، أو ربما نتيجة عدم تخطط، لذلك سرعان ما يحصل الانفصال لأن الزواج لم يقم على أسس ثابتة”.
ويشرح الأكاديمي، “إذ يفتقر الزوجان إلى التفاهم والنضج العقلي والفكري، ورغم أن بعض حالات الطلاق تحصل عند الأعمار المتقدمة لكنها قليلة، وتعود أحياناً إلى اختلاف نوع العلاقة أو المستوى الاجتماعي أو قضايا الحياة المادية للأفراد، وهذا الجانب بدأ يظهر مؤخراً أيضاً، لكن عموم أغلب حالات الطلاق هي ما تحت سن 18 عاماً”.
ويستذكر الهلالي حالة طلاق غريبة – كما يصفها – مرت عليه، وهي كانت بسبب مواقع التواصل حيث “كانت الزوجة تلتقط الصور في كل مكان وتنشرها على مواقع التواصل، ورغم رفض زوجها لهذا التصرف وتنبيهها مراراً بالكفّ عن ذلك، لكنها كانت مصرّة ولم تتوقف، فحصل الطلاق بينهما في النهاية”.
“جيل الألفينات”
ويبرز العامل الاقتصادي كأحد أسباب الطلاق الرئيسية في كربلاء وعموم المحافظات العراقية، بحسب الناشطة من محافظة كربلاء أنعام الحمداني، حيث تُعيق قلّة فرص العمل الشباب لتنفيذ كل متطلبات زوجاتهم خاصة اللواتي يتزوجن بأعمار صغيرة من (جيل الألفينات)، على حد قولها.
وتوضح الحمداني خلال حديثها ، أن “البعض من بنات جيل الألفين لا يتحملن أزواجهم كما كانت النساء في السابق، خاصة عندما تكون إمكانيات الزوج محدودة أو تصبر على زوجها إذا فقد عمله لفترة من الزمن أو تعرضه لمشاكل صحية وغيرها”.
وتضيف، “كما أن مواقع التواصل لها دور في حدوث المشاكل بين الزوجين عندما يرين البنات صديقاتهن الأخريات وهن يتجولن في المطاعم أو الأسواق ويشترين ما يحلو لهن بفضل أزواجهم المتمكنين اقتصادياً على خلاف زوجها”.
وتتابع، “بالإضافة إلى أن بعض الشباب في الوقت الحالي متعددي العلاقات، إلى جانب قلّة الواعز الديني في المجتمع، والتدخل السلبي سواء أهل الزوج أو الزوجة واقتراحهم الطلاق لأبنائهم على أتفه الأسباب، ما سبب ارتفاع حالات الطلاق”.
ويتفق المحامي من محافظة كربلاء، أحمد المدني، مع ما قالته أنعام الحمداني بشأن دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية في ارتفاع حالات الطلاق، فضلاً عن الزواج المبكر، والتفكك الأسري، وتغذية الفكر بمواقع التواصل الاجتماعي.
ويؤكد المدني خلال حديثه ، أن “انتشار حالات الطلاق أدى إلى تخوّف عدد كبير من الشباب من الزواج، بالإضافة إلى انتشار البطالة وانعدام فرص العمل والتوظيف”.
ومن “أغرب حالات الطلاق” وفق المدني هي ما حصل قبل أيام قليلة في محافظة كربلاء حيث بدأت القصة بأن “الزوج عاد بوقت متأخر إلى البيت وطلب من زوجته إعداد العشاء له، لكنها رفضت وتطور النقاش إلى حدوث مشكلة واعتداء عليها، وعلى إثر ذلك قدمت الزوجة شكوى عنف أسري على زوجها، ومن ثم حصل الطلاق بينهما”.
العراق الثامن عربياً بحالات الطلاق
وكان رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي، أعلن في 7 نيسان الجاري، أن نسبة الطلاق ارتفعت بشكل “مخيف” في السنوات الثلاث الاخيرة وباتت تهدد الاسرة والمجتمع.
وقال الغراوي في بيان، إن البلدان العربية سجلت ارقاماً كبيرة في عدد حالات الطلاق وكان المركز الأول في نسب الطلاق، من نصيب الكويت، 48% من إجمالي عدد الزيجات، حسب إحصاء نشرته وزارة العدل الكويتية.
وفي المركز الثاني كانت مصر بنسبة 40% حسب إحصائيات وزارة العدل المصرية وفي المركز الثالث والرابع، نجد أن كلا من الأردن وقطر، قد ارتفعت بهما نسب الطلاق إلى 37.2% و37% على الترتيب.
وأردف أن كلا من لبنان والإمارات قد تساوت في نسبة الطلاق، فقد ارتفعت نسبة الطلاق في كلا منهما إلى 34%؛ وتلتهما كل من السودان بنسبة وصلت إلى 30%، والعراق بنسبة 22.7%، حسب احصائيات مجلس القضاء، ثم السعودية بنسبة 21.5.
واضاف الغراوي ان عام 2022 وعام 2023 شهد تسجيل 143 الف حالة طلاق في العراق، وسجلت المحاكم العراقية إحصائية للطلاق لشهر كانون الثاني لعام 2024 بلغت أكثر من 7 آلاف حالة في عموم العراق ووفقا للإحصائية التي نشرها مجلس القضاء، فإن حالات التفريق بحكم قضائي كانت 1843 حالة، فيما كانت حالات تصديق الطلاق الخارجي 5610.
كما أشار الغراوي إلى ان اهم اسباب ارتفاع حالات الطلاق هو قلة الثقافة الزوجية وعدم التفاهم بين الزوجين اضافة الى العنف الاسري والتدخلات من قبل الاهل والاصدقاء والزواج المبكر والظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات الخيانة الزوجية والاستخدام السيء للاتصالات وضعف الوازع الديني والزيجات المتعددة.
وطالب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، الحكومة والبرلمان باتخاذ إجراءات “عاجلة” للحد من ارتفاع حالات الطلاق من خلال مبادرات اقتصادية وتوفير فرص عمل وتقديم وحدات سكنية مجانية للمتزوجين حديثا مع قروض بدون فوائد”.
كما طالب بإطلاق حملة توعوية دينية وثقافية واعلامية لتثقيف المتزوجين عن أهمية الاسرة ودورها في بناء المجتمع.
وكان تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان قد كشف ارتفاعاً كبيراً في نسب زواج القاصرات في العراق، وحذّر من التأثيرات السلبية المترتّبة على ذلك، ودعا إلى مساعٍ لتنظيم مؤتمرات من شأنها بحث القضية وإيجاد معالجات للحدّ من هذا النوع من الزيجات.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط