2024-05-10
ذكر “معهد ستيمسون” الامريكي ان التطورات الجيوسياسية في المنطقة، مثل الحرب في غزة وظهور طرق تجارية متنافسة متعددة، تدفع العراق وتركيا الى المزيد من التقارب بينهما، معتبرا أن أنقرة تسعى إلى تعزيز مكانتها الإقليمية وأمنها من خلال تقديم المساعدة إلى بغداد، مقابل الأذن بشن عملية عسكرية كبيرة ضد حزب العمال الكوردستاني، مستعرضا الخلفية التاريخية التي يمثلها مشروع “طريق التنمية”.
وبعدما ذكر التقرير الأمريكي بالزيارة “النادرة” للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى العراق في 22 نيسان/أبريل الماضي، قال إن الجارين شهدا العديد من المراحل المضطربة والخلافات حول قضايا تتراوح بين أمن الحدود وإدارة المياه والعبور، مضيفا أنه فيما يمثل انتصارا واضحا لانقرة، فان السلطات العراقية وافقت بشكل أساسي على عملية عسكرية تركية هذا الصيف في منطقة واسعة من شمال العراق في محاولة لملاحقة أعضاء حزب العمال الكوردستاني.
وتابع التقرير؛ أنه في مقابل ذلك، فإن تركيا قدمت تنازلات مهمة تتعلق بادارة المياه عبر الحدود، حيث توصلت الحكومتان إلى اتفاق مدته 10 سنوات يضمن مستويات كافية من المياه المتدفقة من تركيا، بينما تعهد انقرة ايضا بمساعدة العراق على بناء انظمة ري متطورة.
وبعد الإشارة إلى فضل أنقرة وبغداد في إبرام اتفاق حول تصدير النفط العراقي عبر خط أنابيب كركوك-جيهان، قال التقرير ان الانجاز الرئيسي لزيارة أردوغان هو الاتفاق على ما يسمى “طريق التنمية” الذي يستهدف إيجاد طرق بديلة للتجارة مع حوض البحر المتوسط والاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن تركيا تحاول التخفيف إثر استبعادها من مشروع الممر الآخر الذي أعدته القوى الغربية والدول العربية بين الهند ودول الخليج العربي والذي يفترض أن يمر عبر المملكة السعودية الى اسرائيل والاتحاد الاوروبي. وتابع قائلا انه برغم ان الحرب في غزة تسببت في تباطؤ المشروع، الا ان الازمة في البحر الأحمر، بامكانها ان تساعد في نهاية المطاف في التحفيز على بنائه.
وفي حين لفت التقرير الى استياء تركيا من استبعادها من مشروع الخط الهندي، فإنها دفعت بالمقابل من اجل انشاء طريق التنمية عبر العراق والذي ينسجم مع طموح انقرة لتحويل تركيا ليس فقط رابط بين الشرق والغرب، وانما ايضا الى مركز للتجارة والعبور بين الشمال والجنوب.
وبالنسبة الى العراق، فان طريق التنمية هو المشروع الأكثر أهمية لتنويع اقتصاد البلد المعتمد على النفط، حيث يرى العراق ان الطريق بمثابة فرصة لخلق نوع جديد من الاقتصاد مع التركيز على الطاقة الخضراء والتحول في الاستثمار من المراكز السكانية الرئيسية إلى المناطق الصحراوية حيث البنية التحتية مثل الطرق.
واضاف انه من وجهة نظر بغداد، فإنه مع الدعم القوي الذي تقدمه تركيا، والشكوك بشأن الخط الهندي، وعدم الاستقرار في البحر الأحمر بسبب الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن، فان “طريق التنمية” يؤدي دورا إنْ لم يكن رئيسيا، فهو دور تكميلي باعتباره طريقا تجاريا قابلا للتحقيق بين أوروبا وآسيا.
واوضح التقرير؛ انه في عصر إعادة تشكيل طرق التجارة الأوراسية، حيث تعمل روسيا والصين وإيران والدول العربية على الترويج لمشاريع ربط جديدة، فإن كل من العراق وتركيا تسعى الى لعب دور اكبر في ربط المحيط الهندي بأوروبا، ولهذا، فان “طريق التنمية” يعكس طموحات العراق لتعزيز مكانته لكي يصبح لاعبا اقليميا مهما.
وذكر التقرير ان التاريخ يسلط الضوء على الإمكانات التي يوفرها الممر الجديد، حيث انه من العصور الرومانية الى الساسانية إلى العصور العربية، فإن التجارة عبر الخليج العربي الذي يربط المحيط الهندي بآسيا الصغرى وسوريا، كان لها الدور الحاسم في الحسابات الاقتصادية للقوى الامبراطورية، في حين ان الامبراطورية العثمانية وايران الصفوية تنافستا من أجل السيطرة على هذا الشريان الحيوي، بينما سعت القوى الأوروبية في أوائل القرن العشرين إلى اقامة الربط بين الخليج والبحر المتوسط.
ومع ذلك؛ حدد التقرير عددا من العوائق الرئيسية التي تعرقل “طريق التنمية” من بينها الوضع غير المستقر بشكل دائم على الحدود العراقية التركية حيث تشعر انقرة بالقلق ازاء حزب العمال الكوردستاني الذي ينشط في العراق ويشن العديد من الهجمات على البنية التحتية على طول الحدود.
وبالاضافة الى ذلك، هناك المخاوف في تركيا إزاء الروابط بين الاتحاد الوطني الكوردستاني وبين حزب العمال الكوردستاني، مضيفا انه بشكل عام ينظر الى الوضع الامني في العراق على انه مضر بمصالح تركيا، مما يدفع انقرة الى البحث عن حلول عسكرية من خلال هجوم المتوقع في وقت لاحق من العام الحالي، مشيرا إلى أنه من غير الواضح كيف ستؤثر هذه العملية العسكرية على تنفيذ “طريق التنمية”.
أما التحدي الاخر بحسب التقرير، فانه يتعلق بايران التي تتمتع بنفوذ كبير في العراق ولديها طموحاتها الخاصة في أن تصبح ممرا رئيسيا للتجارة والعبور مع تطوير مشروع ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، مضيفا أن “طريق التنمية” سيكون بمثابة اختبار للعلاقات بين طهران وانقرة، اللتين يجمعهما خليط من المصالح المتنافسة والمتحالفة.
وختم التقرير بالاشارة الى التحديات التالية، وهي ان الحكومة العراقي لم تقم حتى الان باجراء دراسة جدوى كاملة لهذا المشروع الضخم، والتي يفترض أن تسلط الضوء على نقاط الضعف والإمكانات الحقيقية. واضاف ان الجغرافيا ليست في مصلحة العراق حيث ان جانبا كبيرا من المشروع يعتمد في نجاحه على الوضع في مضيق هرمز الذي في حال جرى إغلاقه بسبب الصراع، فإن ذلك سوف يؤدي إلى القضاء فعليا على التجارة عبر القارات عبر “طريق التنمية”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط