2024-05-26
أحمد الخطيب
تجددت الأعمال القتالية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور صباح يوم الأحد، لتتواصل في ظل ذلك حركة نزوح واسعة، بحسب الأنباء الواردة من السودان.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود، إن القتال في الفاشر خلّف أكثر من 130 قتيلا، ونحو ألف مصاب – فيما يُعتقد أن أعداد الضحايا أعلى من ذلك بكثير؛ حيث أن هذا العدد يمثل أولئك الذين استطاعوا أن يجدوا طريقا إلى المستشفى الجنوبي في المنطقة.
واندلعت مواجهات في الفاشر قبل نحو أسبوعين، رغم نداءات دولية لوقف القتال بين الجيش السوداني وقوات حركات موالية له من جهة، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية من جهة أخرى.
وتضاربت الأنباء بشأن السيطرة على الفاشر؛ ففي حين يقول الجيش السوداني إن قواته بسطت سيطرتها على المدينة وأبعدت قوات الدعم السريع خارج حدودها الشرقية، تقول في الوقت ذاته قواتُ الدعم السريع إنها نجحت في التصدي لهجوم جديد من جانب الجيش في مدينة الفاشر.
ما هي أهمية مدينة الفاشر؟
تعتبر الفاشر العاصمة التاريخية لإقليم دارفور غربي السودان، وتتمتع المدينة بموقع استراتيجي هام؛ إذ تربط بين شمال السودان من جهة، ومدن دارفور من جهة أخرى.
كما تتمتع الفاشر بثراء مجتمعي كبير؛ فهي تضمّ تمثيلا لكل قبائل المنطقة تقريبا. فضلا عن أن بالفاشر مطارا دوليا.
وباتت الفاشر المعقل الأخير الذي لا يزال يحتفظ به الجيش السوداني في دارفور، بعد أن استولت قوات الدعم السريع على نحو كل المدن الرئيسية في الإقليم.
هذه المكاسب التي حققها الدعم السريع في دارفور، دفعت حركات مسلحة في المنطقة إلى إعلان الاتحاد فيما بينها والانضمام إلى الحرب تحت لواء الجيش السوداني، وذلك بعد شهور من اتخاذ تلك الحركات موقفا حياديا.
الحرب في السودان: عام على الحرب المنسية
وتستضيف الفاشر الآن أعدادا كبيرة من النازحين إليها من قرى ومدن قريبة سقطت بأيدي قوات الدعم السريع، ما ينذر بوقوع مأساة إنسانية واسعة النطاق حال سقوط الفاشر أيضا بأيدي تلك القوات.
وإلى ذلك، دعت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا-سلامي، إلى وجوب وضع نهاية للعنف المحتدم في السودان.
وفي بيان لها، قالت كليمنتين إن “مئات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال في شمال دارفور باتوا مجددا تحت الحصار جرّاء القتال”.
وأكدت المسؤولة الأممية أن “الأهالي في مدينة الفاشر وضواحيها يعايشون أوضاعا إنسانية بائسة، حيث يؤثر الصراع على كل مناحي حياتهم اليومية”، مشيرة إلى أن “أعداد الضحايا في ارتفاع يوميّ”.
باتت الفاشر ملاذا لجأ إليه عشرات الآلاف ممن فرّوا من بطش قوات الدعم السريع في مناطق قريبة.
“لا تزال الفرصة كبيرة أمام الجيش السوداني”
وعن فُرص سيطرة الجيش على الفاشر، قال العميد ركن جمال الشهيد، الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني إن “الجيش لا تزال أمامه فرصة كبيرة ليس فقط في الفاشر ولكن حتى لاستعادة مدن دارفور الأخرى من أيدي الدعم السريع”.
وفي حديث لبي بي سي، أشار جمال الشهيد إلى “اختلالات وتشوّهات في جسد الدعم السريع”، قائلا إن هناك “خلافات أدت إلى انسلاخ عدد من المكونات القبلية داخل الدعم السريع ومن ثم إلى إضعافه”.
وأضاف الشهيد قائلا: “لم تعُد لقوات الدعم السريع حاضنة شعبية في أوساط السودانيين، فضلاً عن استخدامه مرتزقة أتوا من خارج البلاد من أجل الحصول على المال فقط” على حد قوله.
واستدرك العميد ركن قائلا: “حتى لو استولت قوات الدعم السريع على الفاشر، فالقوات المسلحة لن تستسلم”.
في غضون ذلك، كشف جنرال بارز في الجيش السوداني هو ياسر العطا عن صفقة يتم إبرامها مع روسيا لتأمين عتاد عسكري في مقابل حصول موسكو على قاعدة عسكرية لوجستية على البحر الأحمر.
وفي ذلك أشار العميد ركن جمال الشهيد إلى أن “السلاح المستخدم في الجيش السوداني هو سلاح روسي بالأساس”، مضيفاً بأن التعاون بين السودان وروسيا “قديم ولم ينقطع يوما وإنما شهد انتعاشة مؤخرا تُوّجت في أبريل/نيسان الماضي بزيارة مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى السودان على رأس وفد كبير”.
الحرب في السودان: شاعرة سودانية تنقل رسالة عميقة من أجل وقف الحرب الأهلية
“بشر نسيهم العالم”
بينما يركز العالم أنظاره على الحرب في أوكرانيا، أو غزة، أو في أجزاء أخرى من العالم، فإنه يغضّ الطرف أو يكاد عن “حرب ومجاعة وإبادة جماعية تقع في ثالث أكبر بلدان أفريقيا”، بحسب ما ذكرت مجلة الإيكونوميست البريطانية التي أشارت إلى “فشل وسطاء غربيين في إنهاء الصراع المحتدم منذ نحو عام في السودان”.
وفي حديث لبي بي سي، قالت أليس وايريمو نديريتو مستشارة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمنع الإبادة الجماعية إن “المدنيين في الفاشر يتعرضون للاستهداف على أساس انتماءاتهم العرقية، ما يغذّي المخاوف من احتمال وقوع عملية تطهيرعرقي”.
يشار هنا إلى أن إقليم دارفور شهد في عام 2003 عملية إبادة جماعية، حين استعان نظام عمر البشير بميليشيا الجنجويد (قوات الدعم السريع حاليا) للقضاء على تمرّد حركات مسلحة في الإقليم، ما أسفر عن سقوط نحو 300 ألف قتيل فضلا عن تشريد أكثر من مليونين آخرين بحسب الأمم المتحدة.
صبي يجلس على تل يشرف على مخيم للاجئين بين الحدود السودانية- التشادية.
وترى الإيكونوميست أن وضع رقم دقيق لأعداد القتلى جراء الصراع المحتدم في السودان منذ أبريل/نيسان عام 2023 يعد مهمة شبه مستحيلة، مشيرة إلى تقديرات مركز أبحاث “أكليد” المعني بمناطق الصراع بأن العدد يزيد على 17 ألف قتيل، بينهم 10 آلاف على الأقل قُتلوا بسبب انتماءاتهم العرقية في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.
وأشارت المجلة إلى أن العنف في السودان أجبر ملايين السودانيين على النزوح من ديارهم، حتى بات السودان وحده يضم نحو ثُمن أعداد المشردين داخليا حول العالم كله.
أكبر تحالف في مواجهة الحرب
في غضون ذلك، وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان عام 2023، اجتمع أكثر من 600 سوداني يمثلون أحزابا سياسية ونقابات ولجان مقاومة، بينهم نساء ورجال دين وناشطون للمطالبة بوقف الحرب.
ويستهدف الاجتماع تدشين أكبر تحالف ممكن في مواجهة الحرب المحتدمة بين الجيش من جهة والدعم السريع من جهة أخرى، والدفع بالبلاد على صعيد التحوّل الديمقراطي.
ومن بين المشاركين، رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والهادي إدريس عضو مجلس السيادة السوداني السابق ورئيس حركة تحرير السودان.
أطلال سوق في مدينة الفاشر.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط