إزالة بيوت التجاوز تهدد ملايين المواطنين.. “المدن الجديدة” تبنى للفقراء ويشتريها الأغنياء


2024-06-06
نحو 4 ملايين مواطن عراقي يسكنون في بيوت عشوائية أو ما تُعرف بـ(بيوت التجاوز)، حيث تنخفض فيها متطلبات العيش اللائق.

وتتجمع نصف تلك العشوائيات في أطراف العاصمة بغداد، والنصف الآخر في مدن البلاد، وسط دعوات لوضع حلول جذرية وعاجلة لهذه الظاهرة الخطيرة على المستوى المعاشي والصحي، حيث تنطوي عليها تحديات إنسانية واجتماعية وأمنية وصحية، إذ تشكل بؤراً للفقر وانتشار الأمراض، وتعد من أكبر المشاكل التي تواجه الدولة والتطور المجتمعي في البلاد.

وتنفذ دوائر البلدية في عموم المحافظات العراقية بين فترة وأخرى حملات لإزالة الدور المتجاوزة، وآخرها ما شرعت به بلدية البصرة، في 1 حزيران الجاري بحملة كبيرة لإزالة التجاوزات وسط مدينة البصرة مركز المحافظة، “لتبليغ أصحاب 450 داراً متجاوزة، بضرورة رفع تجاوزاتهم عن هذه المنطقة، التي كانت تعتبر منطقة خضراء ومتنفساً لأهالي البصرة”، وفق مدير البلدية، فراس الحسيني.

ويضيف الحسيني في تصريح سابق أن “الحملة اكتشفت وجود 14 داراً متجاوزة خالية من السكان، حيث تم هدمها بواسطة (الشفل)”، لافتاً إلى أن “القوات الأمنية سبقت حملة تبليغ المتجاوزين بحملة تفتيش في المنطقة، حيث عثرت على أسلحة غير مرخصة كما اعتقلت مطلوبين للقضاء”.

وبينما أشار الحسيني إلى أن “حملة التبليغ شهدت صداماً مع مواطنين متجاوزين بواسطة الحجارة (الطابوق)”، أوضح أن “الحملة تأتي في إطار وضع حد للتجاوزات على المال العام، وكذلك تهيئة الأوضاع لإجراء التعداد السكاني، حيث أن بعض دور التجاوز يشغلها مواطنون من خارج البصرة، وتم تبليغهم بضرورة ترك المكان خلال 14 يوماً، سواء بالعودة إلى محافظاتهم، أو إيجاد دار إيجار في مناطق البصرة كافة ضمن الإطار القانوني”.

وتعاني معظم المدن العراقية من ظاهرة المساكن العشوائية والتجاوز على أراضي الدولة، بسبب أزمة سكن خانقة نظراً لتزايد عدد السكان قياساً بعدد المجمعات السكنية، علاوة على عجز المواطن ذي الدخل المحدود عن بناء وحدة سكنية خاصة به بسبب غلاء الأراضي والمواد الإنشائية.

“مجبرون على السكن بالتجاوز”

ويعزو مواطنون من سكنة العشوائيات تم اللقاء بهم في وقت سابق، السبب الذي دفعهم إلى السكن في هذه المناطق إلى “الفقر والحرمان وعدم توفير السكن الملائم”.

وتقول المواطنة أم ضرغام أحد سكنة العشوائيات في محافظة كربلاء، إن “السكن في التجاوز جاء نتيجة ارتفاع أسعار السكن، فلا نستطيع شراء أرض أو منزل أو حتى الإيجار لذلك نحن مجبرون على هذا الوضع”.

وتبين السيدة ، أن “أرخص منزل بمساحة 50 متر في أطراف محافظة كربلاء هو بحدود 15 مليون دينار، أما المجمعات السكنية فحتى أصحاب الدخل المتوسط لا يستطيع السكن فيها لارتفاع أسعارها، وأرخص شقة للبيع تقدر ما بين 150 إلى 200 مليون دينار”.

وتشكو السيدة من تلقيها بين فترة وأخرى “تهديدات بضرورة المغادرة من قبل البلدية”، مطالبة “الحكومة بتوفير بديل أو اعطاء أرض ومبلغ مالي من خلال القروض للبناء عليها وحل هذه المشكلة”.

وكان المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، قال إن “هناك 4 آلاف مجمع عشوائي في عموم العراق، تضم هذه العشوائيات 522 ألف وحدة سكنية، أي أن هناك 522 ألف أُسرة تعيش في هذه العشوائيات”.

وأوضح الهنداوي في حديث سابق ، أن “حصة العاصمة بغداد من هذه العشوائية هي الربع، وبواقع 1022 عشوائية، تليها البصرة بواقع 700 مجمع عشوائي”، لافتاً إلى أن “أقل المحافظات التي تتواجد فيها العشوائيات هي محافظة كربلاء بواقع 98 مجمعاً عشوائياً والنجف 99 مجمعاً عشوائياً”.

فيما ذكر مستشار رئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن “قطاع السكن في العراق يعاني من تراكم موروث لأكثر من 3 آلاف عشوائية يسكن فيها قرابة 4 ملايين مواطن، وتنخفض فيها متطلبات العيش اللائق، وتتجمع نصف تلك العشوائيات في أطراف العاصمة بغداد، والنصف الآخر في مدن البلاد”.

ويضيف صالح في حديث سابق ، أن “هناك حاجة ضمن سياسة الإسكان الوطني التي تتبناها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى توفير 3 ملايين وحدة سكنية، وهي الشغل الشاغل للبرنامج الحكومي”.

ويتابع، أنه “استناداً إلى المهام والواجبات التي نصّ عليها نظام صندوق العراق للتنمية الذي يتشكل من 6 صناديق فرعية، أحدها سيُخصص تماماً لمشاريع الإسكان”.

ويبيّن، “إذ ستنصّ فلسفة السكن الجديدة من خلال شراء الصندوق للوحدات السكنية الجاهزة، التي سيتولى تنفيذها المستثمرون في مدن وحواضر عمرانية جديدة، لتخصص بعدها للمواطنين حسب مستويات الدخل، ويتم استيفاء أقساط مُريحة تمتد لفترات طويلة”.

ويوضح: “إذ سيشمل المشروع العمراني مُحافظات البلاد واستهداف من لا سكن له، ابتداءً من السكن اللائق الواطي الكلفة والتدرج صُعوداً”.

بناء المدن السكنية الجديدة

ويصطدم الكثير من المواطنين وخاصة من أصحاب الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بالعراقيل في سبيل الحصول على عقار سكني جراء الأسعار الخيالية، ورغم ما يتم إنشاؤه من مدن ومجمعات ووحدات سكنية في عموم المحافظات العراقية، لكن لا تزال أسعارها لا تتناسب مع قدرة الأغلبية الواسعة من السكان في العراق.

ويحتاج العراق إلى إنشاء 3 إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية للحد من الأزمة المزمنة في هذا القطاع، وفي محاولة لتقليص الفجوة باشرت الحكومة بإنشاء 52 مدينة سكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية، إلى جانب مجمعات سكنية وقروض متنوعة لبناء وترميم وشراء الوحدات السكنية، في حلول وصفت بـ”الجذرية” لحل المعضلة التي تؤرق الملايين في البلاد.

وتؤكد وزارة التخطيط العراقية، أن “العراق يشهد أزمة سكن منذ عدة عقود نتيجة عدم وجود مشاريع كبيرة تلبي حاجة المواطنين من السكن، يتزامن ذلك مع تزايد أعداد السكان بشكل ملحوظ سنوياً، فيما تُقدر الفجوة الحالية بحدود 3 ملايين وحدة سكنية”، بحسب المتحدث باسم الوزارة، عبدالزهرة الهنداوي.

ويضيف الهنداوي في حديث سابق ، أن “وزارة التخطيط من خلال خطة التنمية الخمسية 2024 – 2028، أخذت بنظر الاعتبار قطاع السكن والحاجة الموجودة في هذا القطاع، وسيتم ترجمة ما خطط له إلى مشاريع وسياسات وإجراءات من خلال إنشاء مدن سكنية جديدة في كل المحافظات، وتم البدء في هذه المشاريع في العاصمة بغداد وبعض المحافظات الأخرى”.

ويعرب الهنداوي عن أمله بأن “تستمر سياسة معالجة السكن من خلال إنشاء مدن سكنية جديدة في كل المحافظات التي ستخفف وستسهم بمعالجة جانب كبير من أزمة السكن، وفي الوقت نفسه فتح آفاق استثمارية جيدة في قطاع السكن لاستقطاب الشركات الاستثمارية التي تستثمر في هذا القطاع من خلال إنشاء المجمعات السكنية في مختلف المحافظات العراقية”.

وعن ارتفاع أسعار العقارات، يوضح الهنداوي، أن “ارتفاع الأسعار يرتبط بالوحدات السكنية التي سيتم إنجازها، بمعنى أن الأسعار تخضع لنظرية العرض والطلب، فكلما كانت هناك زيادة في المعروض من الوحدات السكنية كلما انخفضت الأسعار، والعكس صحيح، فكلما قلّ المعروض كلما ارتفعت الأسعار”.

ويؤكد، “لكن في ظل السياسة الجدية التي انتجتها الحكومة ضمن خطط التنمية المتمثلة ببناء مدن سكنية، فهذه ستسهم في خلق حالة من استقرار الأسعار وتلبي الطلب الموجود في العراق”.

وتحاول السلطات جاهدة منذ نحو 5 سنوات لمعالجة أزمة الإسكان عبر إطلاق خطط تتلاءم مع التعداد السكاني الذي يتجاوز 43 مليون نسمة، إضافة إلى الاعتماد على إجراءات لتسهيل حصول المواطنين على القروض بفوائد مقبولة.

52 مدينة سكنية جديدة

وفي محاولة منها للحد من أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات في العراق، كشفت وزارة الإعمار والإسكان العراقية عن اتخاذها عدة إجراءات لخفض الأسعار، من خلال إنشاء 52 مدينة سكنية جديدة في عموم أنحاء البلاد.

وبيّن المتحدث باسم الوزارة، استبرق صباح، في تصريح سابق ، أن “هناك قرابة 190 ألف وحدة سكنية في مدن (الجواهري وعلي الوردي والغزلاني) فقط، أما عند احتساب عشرات المدن الأخرى في باقي المحافظات الوسطى والجنوبية فإنها سوف تحد من أزمة السكن”.

ما أن الحد من أزمة السكن لا يقتصر على المدن السكنية، بحسب صباح، بل هناك مجمعات سكنية تقوم بها دائرة الإسكان، وهناك آلاف القروض للبناء والترميم التي يصرفها صندوق الإسكان العقاري شهرياً، بالإضافة إلى آلاف القروض التي تُطلق من المصرف العقاري التابع لوزارة المالية شهرياً لشراء الوحدات السكنية.

“لذلك، أن هذه القروض إلى جانب صندوق الإسكان والمجمعات التي تقوم ببنائها دائرة الإسكان، إضافة إلى المدن السكنية الجديدة، جميعها تعد حلولاً جذرية على أرض الواقع تُساهم وبشكل فعّال في تقليص الفجوة السكنية بالعراق البالغة بحدود 3 ملايين إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية، بحسب التقديرات”، وفق المتحدث باسم وزارة الإعمار.

لكن لا ينبغي تجاهل النمو السكاني الذي يزداد باستمرار، وفق صباح، “ففي ظل الحاجة إلى إنشاء أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية، فإن النمو السكاني يزداد مليون إلى مليون و200 ألف نسمة سنوياً، وهذا عند تقسيمه على حجم الأسرة يظهر إضافة نحو 160 ألف وحدة سكنية هي احتياج سنوي للرصيد السكني”.

قانون معالجة التجاوزات السكنية

وكان مجلس النواب أنهى في 8 تشرين الأول 2022، “القراءة الأولى لمشروع قانون معالجة التجاوزات السكنية والمقدم من لجان الخدمات والإعمار والقانونية والمالية لمعالجة التجاوزات السكنية على أراضي مملوكة للدولة، أو البلديات ضمن حدود التصاميم الاساسية قبل تاريخ نفاذ هذا القانون”، بحسب بيان للدائرة الإعلامية لمجلس النواب.

ودعا البيان إلى “تصحيح الوضع القانوني للمتجاوزين بتأجيرهم الأراضي التي تجاوزوا عليها بإنشاء دور سكنية ولغرض منع التجاوزات على العقارات العائدة للدولة والبلديات ضمن حدود التصاميم الأساسية للمدن، وإزالة التجاوزات التي حصلت عليها وتأسيس صندوق لتمويل مشاريع تطوير تجمعات العمل العشوائي المشمولة بالتطوير”.

وفي هذا السياق، يقول عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية، محما خليل، إن “قانون العشوائيات من القوانين المهمة المؤجلة منذ دورات سابقة، ويهدف القانون إلى تكييف وضعهم وأن لا يكون فيه لا ضرر ولا ضرار، أما التجاوز على المال العام والأراضي المتميزة ومحرمات الطرق وعقارات الدولة والمساحات الخضراء فلن نقبل به”.

ويضيف خليل ، أن “الحكومة سحبت مشروع القانون لإجراء التعديلات عليه، لكن يجب إيجاد البديل للمتجاوزين من خلال الاطلاع على التجارب المحلية والعالمية والاستفادة منها في حل هذا الملف الذي يستغل عند كل انتخابات، لكن وفي ظل وضع مجلس النواب الحالي من المستبعد تشريع هذا القانون خلال هذه الدورة”.

أما الخبير القانوني علي التميمي، فقد أوضح أن “اسم القانون (معالجة التجاوزات السكنية) يحتاج إلى استبدال كأن يكون (تمليك العقارات المتجاوز عليها)”.

ويسجل التميمي مجموعة ملاحظات على القانون خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، مبيناً أن “القانون فرق بين الذين أنشأوا دوراً سكنية تجاوزاً على أراضي الدولة أو دوائر الدولة قبل 31/12/2016 وما بعد هذا التاريخ، فالقانون يسري على الشاغلين قبل 2016 ولا يشمل ما بعدها وفق البرنامج الوطني من وزارة التخطيط، وهذا التمايز لم يكن له ما يبرره لوجود الأعداد الكثيرة بعد عام 2016 من العشوائيات التي تحتاج إلى المعالجة”.

ويلفت إلى أن “القانون أوجب وجود لجنة متخصصة تشكل من الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة وهي تبت في الطلبات وهي تقدر بدلات الإيجار حسب الأسعار لمثيلاتها، وهذا صعب على شاغلي العقارات أن يدفعوا مثل هذه المبالغ، وعند عدم التسديد من شاغلي العقار يتم إزالة البناء دون تعويض، وكان الأولى تعويض الشغالين بقيمة المشيدات مستحقة القلع، كما كان الأفضل أن تكون هذه اللجنة التي تتابع الطلبات للتمليك برئاسة قاضي في كل منطقة استئناف”.

ويشير إلى أن “مادة 11 من هذا القانون تقول إن (شاغل العقار بعد انتهاء مدة الـ25 سنة وهو يدفع الإيجار فيها أن يتملك العقار بقيمته وقت التملك وتحتسب من ثمنه ما تم دفعه من إيجار)، لكن ماذا في حال كانت مبالغ الإيجار أكثر من قيمة العقار؟”.

ويتابع، “أما العقارات المشغولة بعد 31/12/2016 فهذه يطبق عليها قرار مجلس الثورة 154 خالياً من عقوبة الحبس، ومنها ضرورة الإخلاء وإزالة التجاوزات رغم أن مشروع القانون ألغى القرار أعلاه لكنه أبقى على إجراءاته، كما أعطى القانون لمجلس الوزراء فرض الغرامات على المخالفين، ولا أدري لماذا لم يحددها القانون”.

ويوضح، أن “القانون يتكون من 23 مادة وهو يحتاج إلى تفاصيل كثيرة، وأن يبين لنا ماذا عن أملاك الدولة من العمارات والعقارات المستأجرة بأثمان بخسة، وهذه قابلة للمعالجة في القراءة الثانية”.

وأكد، أن “هذه الإجراءات صعبة على الشاغلين من الفقراء خصوصاً لشاغليها بعد 31/12/2016، وأرى أنه يحتاج إلى التأني في تشريعه في هذه المرحلة ويحتاج إلى التأجيل، فلا يوجد مبرر وضرورة لتشريع هذا القانون في هذه المرحلة الصعبة اقتصادياً وسياسياً وسيؤثر كثيراً على الفقراء وسيكون له انعكاس سلبي على الأوضاع العامة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here