النخبة المثقفة للمعارضة العراقية، خير ضمان لمستقبل مزدهر ! – ح 5
بقلم د. رضا العطار
حينما اراد الفيلسوف الانكليزي برتراند رسل ان يمنع حكومته من مهاجمة مصر عام 1956 قرر ان يخرج الى ساحة الطرف الاغر ويجمع حوله انصاره لوقف الهجوم، لكن الهجوم لم يتوقف الا بعد ان وصلت الى سمع المسؤولين انباء الخسائر التي اوقعها المصريون بالبريطانيين. ثم وصول الانذار السوفيتي الخطير بلهجته الحاسمة بوقف العدوان، لم يكن للفيلسوف البريطاني رسل، اي اثر في ذلك.- – – لقد سمحت له الحكومة ان يحتج ويعارض ومضت هي في سياستها المرسومة غير عابثة بما يقول. – – وعندما تمتنع الحكومة عن الاصغاء الى اكبر فلاسفة العصر، فاي قيمة تبقى للمعارضة ؟
المعارضة اذن عمل قسري نضالي وليس ترفا ثقافيا من هذا الذي يعرض على الشاشة اى يكتب في الصحف. اليومية، ولا هو من باب قل كلمتك وامشي – فالكلمة لا تمشي الا وصاحبها معها – فاذا قالها ومشى، تكون كالريح يخرج من بطن المتخوم وتدخل عندئذ في باب طب الابدان – – والمثقف لا ينتظر الاذن من الدولة لكي يعارضها.
دعتني احدى القوى الكردية المتطاحنة في كردستان العراق وقالت لي :
نرحب بك تأتينا، و تشتمنا في التلفزيون ! فأجبتهم : اشتمهم باذن منهم، بل اشتمهم رغما عنهم، وبوسائلي الخاصة بي، لا بوسائلهم، انها مكيدة السلطة حين تطلب منك ان تعارضها، فتتكلم بعد ان تاخذ الاذن منها، فتكون مأذونا لا أذنا، ومكتوبا لا كاتبا، ومخلوقا لا خالقا.
المعارضة ليست عملا صحفيا او اذاعيا فقط بل هي الفكر والادب الموجه لتعميق الوعي العام وطنيا واجتماعيا، والانتاج الادبي بتفرعاته الشتى من شعر وقصة ومسرح ورواية وما اشبه – والاتجاه السائد في اوساط الثقافة عندنا هو المعارضة السياسية والايديولوجية والاجتماعية – – لكن المعارضة دخلت في الموجة السائدة – – والكثير من الادباء والمثقفين يعارضون مراعاة الموجة او ركوبها، والوجة قد تكون ضاغطة وقوية في زمن استشرائها وسيادتها – وهو زمن لا يتصنف في عداد الحدث التاريخي – لانها موجة لا ظاهرة – الامواج تتلاطم بشدة ونزول بسرعة.
ومن الموضات الجديدة عندنا اليوم الحجاب، الذي يفهمه كتابنا العلمانيون على انه دليل ردة دينية، فيلطمون الخدود ويشقون الجيوب على ما حل بنا – وما هو الا موضة حتى هذا المسمى صحوة اسلامية، لا تزيد على كونها امواجا متلاطمة تغرق فيها بعض السفن ثم سرعان ما تتلاشى ويعود البحر الى صفائه. وتعرفون انه قبل الحجاب كانت موضة المني جوب التي انخرطت فيها معظم بناتنا.
عندما نتكلم بجد عن المعارضة، نعود الى شقها الاول وهو النضال مع الجماهير – – والنضال موزع الادوار والساحات – ولكل واحد موقع فيه يتناسب مع اختصاصاته ومؤهلاته – والمطلوب لكي يكون المثقف مناضلا يجب ان يكون مع القوى الحقيقية التي تريد اصلاح الاوضاع – – والخيار الامثل مقاطعة الانظمة المستبدة في جميع المجالات وبالحدود القصوى.
من المعروف ان المثقفين في الانظمة العربية المستبدة، لا يحصلون من دولهم، المساعدة التي يحتاجون اليها. واتذكر انه عندما كنت في الصين، مررت بأزمة جواز سفر، حيث امتنعت سفارتنا من تجديده، لكنني حصلت عليه بعد ان دفعت رشوة لموظف مرتشي فيها.
وفي هذا السياق تذكر كاتب السطور انه حينما كان يدرس في المانيا في الخمسينيات، كان يسمع من زملائه العراقيين، ان بعضهم كان يقوم بتجديد جواز سفره بنفسه – بعد ان كانت السفارة العراقية في بون ترفض تجديده، لكن من حسن حظهم كانت دوائر الاقامة هناك متفهمة لمحنة الطلاب القادمين من العالم الثالث، يتساهلون في تمديد اقاماتهم بغية اكمال دراستهم، بدوافع انسانية. واغلب هؤلاء الطلاب كانوا ممتنعين من الرجوع الى الوطن خشية بطش النظام بهم، لكنهم تقاطروا على مطار بغداد مبتهجين، بعد ثورة 14 تموز عام 1958 .
* المرئي والامرئي في الادب والسياسة للمفكر هادي العلوي مع اضافة لكاتب السطور.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط