2024-06-21
يوم بعد آخر تظهر أزمة جديدة سببها مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها السلبية على الأطفال والمراهقين من كلا الجنسين ومختلف الفئات العمرية، فبعد أن توصلت العديد من الدراسات والطروحات إلى أن إشراف أولياء الأمور على استخدام أبنائهم وبناتهم عند استخدام الهاتف المحمول، أو حرمانهم منه للحفاظ عليهم من “الانحراف”، ظهرت مشكلة أشد تعقيداً بعد تفشي وباء كورونا تتعلق بالدراسة.
وفي ذروة انتشار وباء كورونا وتحديداً في العام 2020، لجأت وزارة التربية العراقية إلى اعتماد الدراسة عن بعد وكانت تطبيقات “تلغرام” والواتساب” هي الوسيلة لمواصلة الدراسة، في محاولة للحد من الإصابات بكورونا.
لكن وبعد تراجع خطورة كورونا وانتهائها، لم تنتهِ الحاجة إلى الهاتف المحمول، حيث في السنوات اللاحقة استمرت الاستعانة بالتطبيقات المذكورة في نشر الواجبات المدرسية وغير ذلك من متطلبات الدراسة، ما جعل الاستغناء عن الهاتف أمر غير قابل للتطبيق، وبالتالي ما زال الخطر قائماً على الأطفال والمراهقين من التأثر بالظواهر السلبية والمحتوى “الهابط”.
ولمواجهة هذه المخاطر التي تواجه البناء الأسري والنسيج الاجتماعي، يبين مجلس النواب العراقي دوره بهذا الصدد ويؤكد الحاجة لتشريع قانوني لمواجهة المحتوى “الهابط” وعدم منع أجهزة الهاتف المحمول عن الأولاد بقدر تنظيم استخدامه، فيما يدعو باحثون إلى “تربية الآباء” قبل الأولاد بهذا الشأن.
وتنتشر على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوية أو جلسات بث مباشر يكون فيها الحوار “ذو إيحاءات جنسية” ومنافٍ للآداب العامة حيث يهدف أصحاب هذا المحتوى إلى تحقيق مردودات مادية حيث كلما ازداد عدد المتابعين زادت فرص الحصول على المكاسب.
وهناك أيضاً ظاهرة استغلال الأطفال من قبل ذويهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدر ربحاً من خلال البث المباشر وعدد المشاهدات.
تقرير ماكرون “شديد اللهجة”
ووفق إحصاءات سابقة لمنظمة “يونيسف” فإن أكثر من 175 ألف طفل يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى في كل يوم يمر، أي بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية.
وحذرت المنظمة المعنية بالأطفال من أنه على الرغم من الفرص والفوائد العديدة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي للأطفال، إلا أنها في الوقت نفسه تعرضهم لجملة مخاطر و أضرار، بما في ذلك الوصول إلى محتويات مؤذية، والاستغلال والإساءات الجنسية، والتنمّر الإلكتروني، وإساءة استخدام معلوماتهم الشخصية.
كما كشف تقرير، نشر في الأول من آيار/ مايو 2024، أعده خبراء بتكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن ضرورة عدم السماح للأطفال باستخدام الهواتف الذكية حتى يبلغوا 13 عاماً. بل يجب منعهم من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية مثل “تيك توك” و”إنستغرام” و”سناب تشات” حتى يبلغوا 18 عاماً.
وأضاف التقرير “شديد اللهجة”، أن الأطفال بحاجة إلى الحماية من “إستراتيجية صناعة التكنولوجيا التي تهدف إلى الربح لجذب انتباه الأطفال، واستخدام جميع أشكال التحيز المعرفي لإبعاد الأطفال عن اهتماماتهم والسيطرة عليهم، وإعادة إشراكهم وتحقيق الدخل منهم”.
كذلك قال التقرير إن الأطفال أصبحوا “سلعة” في سوق التكنولوجيا الجديدة، بحسب ما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وأوضح التقرير أن الأطفال دون سن الثالثة يجب ألا يتعرضوا للشاشات، بما في ذلك التلفزيون، ولا ينبغي أن يكون لدى أي طفل هاتف قبل سن 11 عاماً، كما بيّن إن أي هاتف يُمنح لطفل يتراوح عمره بين 11 و13 عاماً يجب أن يكون هاتفاً لا يمكنه الوصول إلى الإنترنت.
وأشار التقرير إلى أن الصبي البالغ من العمر 15 عاماً يجب أن يكون قادراً فقط على الوصول إلى ما وصفه بوسائل التواصل الاجتماعي “الأخلاقية”، مثل Mastodon.
فيما لفت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية التي يتم تسويقها على نطاق واسع والتي تهدف إلى الربح، مثل “تيك توك” و”إنستغرام” و”سناب تشات”، لا ينبغي أن تكون متاحة للمراهقين حتى يبلغوا 18 عاماً.
الأهالي يتخوفون
توضح الموظفة أم علي (40 عاماً)، رفضت ذكر اسمها، أنها تتخوف على أولادها الثلاثة (ولد وفتاتان) من “المحتوى الهابط الذي بات يلاحق الجميع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وليس له مكان محدد”، بحسب وصفها.
وتضيف خلال حديثها “أولادي بعمر المراهقة ومتقاربون في السن، ورغم تربيتي الصحيحة لهم إلا أن ذلك لا يمنعني من الخوف عليهم نتيجة ما أشاهده من مقاطع ومواقع مسيئة”.
وتتابع “على نحو عام لا أستطيع منع أولادي من امتلاك أجهزة الموبايل، فهم لا يخطئون ولا أريد معاقبتهم بذنب غيرهم، والأولى محاسبة من يسيء وليس العكس، ولكن يبقى الخوف بداخلي على أولادي حاضراً فأنا أمٌّ، وهذا من حقي”.
“بطريقة أو بأخرى نحاول إيجاد مخرج لعدم زعزعة ثقة أولادنا بأنفسهم”، هكذا يتكلم هشام حسن (35 عاماً)، وهو كاسب، عن تعامله مع ولديّه.
ويؤكد خلال حديثه ، أن “الطريقة الأسلم هي صداقة الأولاد ومعرفة ما يفكرون به ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي التي يتعرضون لها ومحاولة توجيههم نحو المواقع المفيدة أو التي تنفعهم دراسياً وغيرها عبر الاطلاع على ثقافات وعادات الشعوب وغيرها”.
بينما كانت زوجته أكثر حدة، حيث أنها تطالب زوجها باستمرار بحجب المواقع المسيئة، ومنع أولادها من التعرض لها، غير أن الزوج يعارض ذلك بالقول إن “هذه المقاطع الفيديوية موجودة بكل مكان والحجب لا ينفع، والحل الأفضل هو المتابعة المستمرة والدقيقة للأولاد”.
الموبايل والدراسة
سامي محمد (39 عاماً)، يشرح ما وصفها بـ”المعاناة” من مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها السلبية على الأطفال، بالقول “ابنتي عمرها 13 عاماً، أي أنها في مرحلة خطرة من العمر حيث يبدأ الفضول بالتعرف على محيطها وما يجري حولها وبالتالي تأثرها به”.
ويضيف خلال حديثه “كنت مقيماً خارج العراق سبع سنوات والعام الماضي عدت وسكنت إقليم كوردستان، بالتالي ابنتي ليس لديها صديقات كما أن عامل اللغة يؤدي دوراً هو الآخر في تكوين العلاقات الاجتماعية، لذلك ليست لديها وسيلة للتواصل مع العالم والتسلية سوى الموبايل، ما يعني أن حرمانها منه هو حرمان من طفولتها”.
ويلفت إلى أن “الأمر لا يتعلق فقط بالاطلاع والتواصل مع الآخرين والتسلية بل أنه بات مرتبطاً بالدراسة أيضاً، فبعض الدروس والواجبات المدرسية تأتي عبر (كَروب) خاص بمدرستها على تطبيق (تلغرام)، بالتالي المشكلة معقدة ولا أجد لها حلاً”.
ويردف محمد “أشاهد مقاطع صادمة لفتيات بسن المراهقة، أحد المقاطع كان لطالبات في مرحلة الإعدادية داخل الصف وهنّ يتبادلن ألفاظاً نابية أنا كرجل أخجل من التلفظ بها بشكل علني، كما أن إحداهن تقوم بحركات جنسية مع زميلاتها، وابنتي بهذا العمر عندما تشاهد وتسمع هكذا أمور ستعتقد أنها طبيعية وربما تقلدها، فماذا أفعل هل أحرمها من الموبايل أم أترك عملي والتزاماتي واراقبها على مدار الساعة؟”.
الحاجة لتشريع قانوني
من جهتها، تقول عضو لجنة المرأة والطفل النيابية، سروة عبد الواحد، خلال حديثها، إن “هناك أعماراً معينة كالأطفال والمراهقين يجب ألا يتعرضوا لمواقع المحتوى الهابط، كذلك الدولة ملزمة حتى في الأنظمة الديمقراطية بحجب هذه الأمور الضارة بالأعمار الأقل من 16 عاماً، لكن للأسف في العراق كل شيء مباح”.
وتضيف “هناك قيادات وشخصيات كبيرة معروفة يدعمون هذا المحتوى عبر دعم ما يعرف بـ(البلوغرات والفاشنستات)، أو حتى من قبل أناس مبتزين يمتلكون منصات أو قنوات، إذ يقوم هؤلاء المبتزون بنشر المحتوى الهابط والابتزاز عبره والإساءة للمجتمع”.
وتتابع عبد الواحد “أننا بحاجة لتشريع قانون لمواجهة المحتوى الهابط وينظم إمكانية استخدام الأجهزة والاطلاع على الانترنت لا يحد من الحريات وينظم العمل عبر الانترنت على نحو عام، لكن لحد هذه اللحظة لا يوجد أي قانون ينظم ذلك”.
وتؤكد “أنا ضد تحديد سن معين لاستخدام جهاز الموبايل، ولكنني مع حجب الأمور التي تصل لهكذا فئات، مثلاً في أمريكا فإن 60% من المحتوى الذي كان في موقع (تيك توك) قبل حظره كان محجوباً على الأطفال، فهذا الذي يجب أن يكون في العراق”.
التربية جزء من الحل
وتقول الباحثة الاجتماعية ابتسام الشمري، في حديث ، إن “الانترنت مهم جداً وضروري للإنسان للإفادة منه، ولكن مقاطع الفيديو الضارة التي يتعرض لها المستخدم سواء كان شاباً أم فتاة أصبحت تظهر بشكل مفاجئ وتلقائي لنا تقريباً، سواء للمهتمين أو غير المهتمين بذلك”.
وتضيف “المنظومة الأخلاقية هي من تحكم التعرض لهذه المواقع عبر التربية الصحيحة للأسر وتحصين أولادها وبناتها، لكن هذا لا يحل إلا جزءاً من المشكلة وليس كلها”.
تربية الآباء
فيما يرى الباحث الأكاديمي أحمد الذهبي في حديث ، أن “هناك حاجة فعلية لتربية الآباء قبل تربية الأبناء، لأن كثيراً من الآباء والأمهات عندما يقومون بمنع أولادهم من الجلوس لساعات طويلة على الانترنت أو منعهم من مشاهدة الأمور الفاضحة، يقومون هم بالمقابل بقضاء أوقات طويلة في التصفح على هذه الأجهزة أمام أبنائهم”.
ويبين أن “الأبناء عندما يشاهدون والديهم يفرطون في استخدام الانترنت فهذا سيكون حجة لهم من أجل الاستمرار بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت على نحو عام والتعرض للمواقع الخاطئة”.
ويضيف الذهبي أن “هناك شروطاً ينبغي للآباء وضعها لمنع الأبناء من التعرض الدائم للانترنت ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي المسيئة، ومنها وضع جدول زمني لتشغيل الانترنت وإطفائه وعدم السماح ببقائه مفتوحاً على نحو دائم، لأن هناك الكثير من الأبناء يغافلون آبائهم ويسهرون حتى ساعات الصباح على الانترنت، كذلك حجب المواقع الإباحية والبرامج الضارة عبر التحكم بها من خلال برامج تُقيّد البث وتحد من أضراره، فضلاً عن ضرورة التواصل المستمر بين الآباء والأبناء والاستماع لأفكارهم ليتم ترسيخ القيم التربوية الصحيحة”.
ويشدد على أن “هناك طلبة تتوافر لديهم الهواتف المحمولة من أجل الدراسة، لكنهم للأسف يستخدمون الأجهزة اللوحية والموبايلات من أجل متابعة مواقع أفسدت المجتمع، وهو ما يعود على الطالب نفسه سلباً بتراجع مستواه الدراسي، فالإدمان على الانترنت والمواقع الضارة أكثر خطورة من المخدرات لأنها تتلف العقول وذلك بحسب دراسات أكاديمية في علم النفس”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط