2024-06-22
استعرضت صحيفة “ذا ناشيونال” الصادرة بالإنكليزية محاولات استعادة الحياة إلى حي البتاوين البغدادي الذي كان فيما مضى يعكس الرقي والرفاهية، وكمكان لتعايش المسلمين والمسيحيين واليهود، لكنه تدهور مع الزمن والتحولات السياسية والأمنية، وأصبح مركزا للفوضى والجريمة.
ووصف التقرير حي البتاوين بأنه كان له ماض أنيق لكنه اصبح بمثابة ذكرى بعيدة، وبرغم ذلك فإن روح ذلك العصر لا تزال تظهر في الحي القديم الذي ازدهر في النصف الأول من القرن الماضي، وكان حيا راقيا ورمزا للتنوع في المجتمع العراقي، إلا أنه بدأ يتراجع في اوائل الاربعينيات، حيث أنه مع صعود نظام حكم عراقي موال لألمانيا، تزايد نفوذ النازيين، مما شكل تهديدا لليهود، حيث كان النازيون يحاولون كسر سيطرة بريطانيا في الشرق الأوسط الغني بالنفط، وهو ما قاد الى ظهور حملة “الفرهود” السيئة السمعة، حيث ارتكبت مذبحة العام 1941 ضد الجالية اليهودية في بغداد وقتل المئات منهم، ومثل بداية لهجرتهم من العراق.
وتابع التقرير أنه خلال الأعوام الثلاثين الماضية، تراجع عدد العائلات اليهودية بشكل كبير بسبب المضايقات التي كانوا يتعرضون لها، ثم مع اشتعال الحرب العراقية-الايرانية في العام 1980، انتقل إلى حي البتاوين عدد كبير من أبناء الجالية العربية، وخصوصا من السودانيين والمصريين، حيث لا يزال العديد منهم يعيشون في الحي الذي تحول في ذلك الوقت إلى منطقة تجارية تضم شركات مختلفة، وخصوصا دور الطباعة.
وبحسب التقرير، فإن الحي، وفي بداية التسعينات، تأثر بالعقوبات الدولية التي فرضتها الأمم المتحدة بعد غزو الكويت، شهد نزوحا جماعيا لسكانه الأصليين، وخصوصا من المسيحيين، كما ان اعداد اخرى غادرت الحي بعد الغزو الاميركي في العام 2003 والذي أطاح بنظام صدام حسين والذي تسبب بحرب طائفية دموية وتمرد.
ولاحظ التقرير ان الشرفات الخشبية الانيقة، المعروفة باسم الشناشيل، والتي كانت تمثل الرمز للثراء والجمال المعماري، أصبحت الآن في حالة رديئة، في حين يتفشى في الحي عالم الجريمة والإدمان على الكحول والدعارة بشكل متزايد. ولفت التقرير إلى أن الحي لا يزال يضم مقبرة يهودية قديمة وكنيسا حيث احتفل عدد قليل من اليهود بمناسباتهم الدينية حتى العام 2003.
وذكر التقرير؛ أن حي البتاوين تصدر عناوين الأخبار مؤخرا مع قيام السلطات الامنية بتطبيق اجراءات حازمة ضد المجرمين وتجار المخدرات. وهو ما مهد الطريق أمام الحكومة، من أجل مراجعة الخطط القديمة لترميم بعض المنازل اليهودية المتداعية واستعادة القليل من تراث بغداد المتلاشي.
وبحسب وزارة الداخلية، فقد جرى اعتقال المئات من المشتبه بهم والمهاجرين غير الشرعيين، كما صودرت كميات كبيرة من المخدرات والاسلحة. واضاف ان قوات الأمن تتولى حاليا حراسة المخارج والمداخل والأزقة الرئيسية، وتعمد الى اغلاق بيوت الدعارة ومتاجر المشروبات الكحولية غير القانونية.
ونقل التقرير عن المتحدث باسم البلدية محمد الربيعي، ان العملية الامنية التي بدأت أواخر نيسان/أبريل الماضي، أتاحت لبلدية بغداد دخول المنطقة للمرة الأولى منذ سنوات وتطهيرها و”تحويلها الى منطقة نابضة بالحياة بهدف التخلص من الجريمة المنظمة”.
وبحسب الربيعي، فان منازل الحي، هي على غرار ممتلكات الجالية اليهودية الاخرى، تعتبر من الأصول المجمدة منذ الخمسينيات من القرن الماضي وبالتالي ليس من الممكن استخدامها كمنازل لسكن العوائل بعد ترميمها، مضيفا ان بالامكان “ترميم العديد من المباني لتكون بيوتا تراثية لاستخدامها في الأنشطة الثقافية والتجارية”.
ولفت الربيعي الى انه بالنظر الى عدم توفر الأموال من جانب الحكومة، فان امانة بغداد تبحث امكانية التوصل الى اتفاق مع القطاع الخاص لتنفيذ عمليات الترميم في الحي، مشيرا الى ان امانة بغداد تخطط أن تقلد مبادرة مولها البنك المركزي واتحاد البنوك العراقية الخاصة لترميم شارع المتنبي في بغداد القديمة.
وتابع الربيعي قائلا إنه رغم تسجيل أكثر من 2400 منزل كمواقع تراثية في البتاوين، إلا أنه لا يمكن ترميم سوى عدد قليل منها.
واشار التقرير الى ان هذه المنال مقسمة الى ثلاث فئات، الاولى التي تتمتع بتصميم فريد لا يمكن تعديله، والثانية تلك التي يمكن تعديل بنائها من الداخل فقط وليس في واجهتها الخارجية، وثالثا تضم المنازل التي بالامكان هدمها واعادة بنائها من جديد.
ونقل التقرير عن الربيعي قوله إن “البتاوين تحديدا يمثل نسيج المجتمع العراقي لمدة 100 عام من العام 1924 إلى العام 2024 والذي كان عبارة عن خليط من المسيحيين واليهود والمسلمين والديانات الاخرى”، مضيفا ان مبانيها مميزة، ولذلك فإن الهوية المعمارية لبغداد تتمثل ففي هذه المباني.
ولفت التقرير إلى أن غالبية المنازل تتألف من طابقين، وهي مشيدة على الطراز البغدادي التقليدي المعروف بالبيت الشرقي، حيث يتواجد في وسطها فناء مفتوح على السماء، بينما تحيط به غرف عديدة ودرج يقود إلى الطابق العلوي الذي يحمل نفس الشبه مع تصميم الطابق الأرضي.
ونقل التقرير عن الموسيقار والشاعر اليهودي العراقي حزقيال صالح (95 عاما”، اشارته الى بغداد التي ازدهرت في الماضي بالتنوع والتناغم، مستعيدا ذكرياته الحية حول فترة النصف الأول من القرن الماضي عندما كان اليهود والمسلمون والمسيحيون يعيشون جنبا إلى جنب في تعايش سلمي.
وبحسب صالح الذي كان يتحدث من منزله في القدس حيث استقرت عائلته في العام 1951، فإنه “كان هناك وئام، ولم يكن هناك كراهية، وكان كل واحد يحترم دين الآخر، ونعيش مع العرب مثل الاخوة، ونتسكع معا ونأكل معا ونتبادل زيارة بعضنا البعض”، مضيفا أن كل ذلك تغير في الأربعينيات، وخصوصا عندما تأسست دولة إسرائيل.
وأشار التقرير الى أن صالح لا يزال يحتفظ بذكريات جيدة عن العائلات العربية التي حمت عائلته واستضافتها خلال فترة الفرهود، وكذلك حول حي البتاوين حيث كان يزور منزل عمه كل يوم سبت. وقال صالح إن غالبية سكان الحي كانوا من التجار العراقيين، وكانت تتمتع بهدوء كبير مع وجود البساتين المجاورة لها.
ونقل التقرير عن صالح قوله إنه برغم انه امضى اكثر من 70 عاما بعيدا عن العراق، الا ان “من يشرب ماء العراق لا يمكن أن ينسى العراق ابدا”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط