25 يونيو/ حزيران 2024
عبدالمنعم حلاوة
ارتفعت وتيرة انقطاع الكهرباء في مصر خلال الأيام الأخيرة لتصل إلى أكثر من خمس ساعات في بعض المناطق، في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة، وخرجت الحكومة عن صمتها، يوم الثلاثاء، وقدم رئيس الوزراء مصطفى متولى اعتذارا للشعب المصري عن انقطع الكهرباء بشكل مكثف خلال اليومين الماضيين، لكنه حمل بشرى غير سارة باستمرار زيادة معدلات انقطاع الكهرباء حتى نهاية الشهر.
وما إن بدأت في كتابة هذا التقرير عن انقطاع الكهرباء في مصر، حتى جاءني الرد سريعا بمفاجأة غير سارة وإن كانت متوقعة، أظلم المكان من حولي وتوقف مصدر الهواء الوحيد في الغرفة وارتفعت درجة الحرارة بسرعة. أيقنت عندها أن دعواتي، التي ظللت أرددها بأن تصمد الكهرباء حتى أنتهي من كتابة التقرير، لم تفلح، ويجب أن أخوض التجربة بصبر وثبات.
لأكثر من ساعتين ونصف والمعاناة مستمرة، أصوات الآلات توقفت بالكامل تقريبا، وليس هناك سوى العرق الذي يتصبب والحر الذي ينهش الجسد ويُثقل الروح. الساعة كانت الثانية ظهراً تقريبا، ودرجة الحرارة لامست حاجز 41 درجة في إحدى المدن الجديدة شرق القاهرة، وسرعان ما انهارت حالة الثبات والهدوء وبدأت مرحلة الهلاوس السمعية والبصرية لا سيما مع انقطاع الماء أيضا.
وفي دولة أعلنت في وقت سابق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وإنفاق مليارات الجنيهات على تطوير شبكات الكهرباء، بل وتصديرها للخارج أيضا، كان الأمر مثار تساؤل وسخرية على نطاق واسع، حول حقيقة ما يجري وكيف سيكون هذا الصيف الساخن جداً بحسب التوقعات الرسمية.
وتوقع مدبولي أن يستمر انقطاع التيار الكهربائي بواقع ثلاث ساعات حتى نهاية الشهر الجاري على أن يتم تخفيض الانقطاع بداية من يوليو/ تموز المقبل، وحتى الأسبوع الثالث من نفس الشهر حين يتم انجاز الخطة المعلن عنها بتوفير إمدادات الوقود كاملة لمحطات توليد الكهرباء.
وأوضح رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة جديدة، أن قرار قطع الكهرباء لساعات أطول جاء بسبب تعطل أحد حقول الغاز بدولة مجاورة لم يسمها.
وكانت وزارتي الكهرباء والبترول قد أعلنتا يوم الأحد، زيادة فترة تخفيف الأحمال بمعدلات أعلى من الأيام السابقة لمدة يومين فقط، لكن كان هناك توقعات بزيادة هذه المدة واستمرار انقطاع الكهرباء لساعات أطول لعدة أيام مقبلة.
وكشف رئيس الوزراء الثلاثاء، النقاب عن خطة ستنفذها حكومته بتكلفة مليار دولار، لتوفير المنتجات البترولية المطلوبة لتشغيل المحطات خلال شهور الصيف الجاري لمعالجة مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لاسيما مع توقعات بموجات أشد من الحرارة العالية هذا العام.
كما قررت الحكومة تخصيص 180 مليون دولار على نحو عاجل لشراء 300 ألف طن مازوت لضمان مواجهة أي أزمة طارئة في المدى القريب.
وكان مجلس الوزراء المصري قد نشر على صفحته الرسمية يوم الاثنين، أن هذه الخطة جاءت “من أجل الحفاظ على الكفاءة التشغيلية للشبكة القومية لنقل الكهرباء والشبكة القومية للغازات الطبيعية، نظراً لتزامن بعض إجراءات الصيانة الوقائية في جزء من شبكات تداول الغاز الإقليمية مع زيادة معدلات الاستهلاك المحلي من الكهرباء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ما يستدعي زيادة فترة تخفيف الأحمال”.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحالة من الاستياء والسخرية من زيادة معدلات انقطاع الكهرباء، خاصة أنها بلغت ست ساعات وقت الذروة مع ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة، على عكس ما أعلنته الحكومة بأنها ستكون ثلاث ساعات فقط، فضلاً عن غياب أي توضيح رسمي من الحكومة أو وزارة الكهرباء التي أعلنت عن خبر تخفيف الأحمال بشكل مقتضب، وكان الأمر بمثابة مفاجأة للمصريين الذين يبحثون عن أي تفسير.
وتترافق تلك الخطوات مع خطة حكومية لترشيد الاستهلاك، سيتم خلالها إغلاق المحال التجارية في العاشرة مساء يوميا، عدا المطاعم والصيدليات ومحال البقالة الصغيرة وما شابه في الواحدة صباحا بغية تخفيف الضغط على شبكات الكهرباء، بحسب ما أعلن مدبولي.
وتشهد مصر أزمة كبيرة منذ صيف العام الماضي في إتاحة الكهرباء على مدار الساعة لعدد من المناطق، وتنفذ منذ ذلك الحين ما يُعرف بخطة تخفيف للأحمال، تنقطع خلالها الكهرباء بواقع ساعة يوميا قبل أن تمددها الحكومة لساعتين ثم لثلاثة مؤخرا.
تغريدات السيسي
وتصدر وسم (هاشتاغ) الكهرباء وأيضا وسم تخفيف الأحمال، وكذلك عبارات (خمس ساعات، وكم ساعة النهارده)، مواقع التواصل الاجتماعي، وغرد آلاف المصريين على هذه الوسوم وباستخدام هذه العبارات، إما للتساؤل عن أسباب انقطاع الكهرباء، أو الاستغاثة من انقطاعها لساعات طويلة في ظل حرارة مرتفعة، أو حتى للسخرية من الحكومة والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذا الانقطاع.
وأعلن مجلس الوزراء المصري أن زيادة معدلات انقطاع الكهرباء يأتي بسبب أعمال صيانة في الشبكة مع تزايد معدلات الاستهلاك، إلا أن هذه المبررات زادت من الانتقادات، نظراً لتوقيتها مع ارتفاع الحرارة.
ونشر العديد من المستخدمين تغريدات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كان قد كتبها قبل سنوات على مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث فيها عن إنجازات حكومته في قطاع الكهرباء والتي قال إنها عملت على تطوير شبكة إنتاج الكهرباء ما أنقذ البلاد من “الانهيار”.
ومنها تغريدة في 2018، تحدث فيها السيسي عن استمرار تطوير قطاع الكهرباء، حتى يتم القضاء على انقطاعها تماما، وهو ما قال المستخدمون إنه لم يحدث حتى الآن.
ونشر مستخدمون عدة تغريدات أخرى مجمعة للسيسي يتحدث فيها عن فاتورة إصلاح قطاع الكهرباء، ومنها تغريدة في 2017، قال فيها إن “الدولة أنفقت 450 مليار جنيه حتى الآن على قطاع الكهرباء”، وتساءل المستخدمون أين ذهبت هذه الأموال؟ ولماذا تستمر الكهرباء في الانقطاع؟
وتحدث مستخدمون آخرون عن أن الحكومة المصرية تصدّر الكهرباء والغاز للخارج لتوفير العملة الأجنبية، إذ تعاني مصر من نقص حاد في عائدات الدولار خلال الفترة الحالية، واضطرت الحكومة مؤخراً لخفض قيمة الجنيه أمام الدولار فضلا عن الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي.
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد نفى في يوليو/تموز العام الماضي، تصدير مصر للغاز الطبيعي بدلاً من توجيهه لمحطات توليد الكهرباء المحلية، مما تسبب في نقص الغاز اللازم لتشغيلها.
واستشهد مغردون بأخبار عن توقيع اتفاقيات مع دول أوروبية وعربية لتصدير الكهرباء من مصر.
كما انتقد مغردون أيضاً تواجد ملايين اللاجئين في مصر، مما يؤثر على الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين.
وقدرت تقارير للأمم المتحدة وجود حوالي عشرة ملايين لاجئ على أرض مصر، من سوريا وفلسطين والسودان واليمن وغيرها من الدول.
وطالب بعض المغردين الحكومة بالتعامل بقوة مع ملف اللاجئين وترحيلهم خارج مصر، نظرا لأنهم “أحد أسباب انقطاع الكهرباء وضعف الخدمات الأخرى”.
بينما نفى آخرون أن يكون اللاجئون أو المقيمون في مصر من جنسيات أجنبية هم سبب الأزمة، وأكدوا أنها بسبب فشل حكومي، إذ كانت الكهرباء “تقطع قبل تدفق المقيمين سواء من السودان أو قطاع غزة”.
الثانوية العامة
كما يأتي انقطاع الكهرباء في ظل وقت حرج بالنسبة لملايين العائلات المصرية، إذ بدأت في البلاد امتحانات الثانوية العامة، أهم وأصعب المراحل التعليمية وأكثرها إثارة للجدل واستنزافاً لأموال المصريين.
وبحسب الإحصاءات الرسمية يؤدي حوالي سبعة ملايين ونصف المليون طالب، امتحانات الثانوية العامة هذا العام، ومن خلفهم ملايين الأسر التي تنتظر حصد ثمار عام شاق وطويل من التعب والإرهاق والإنفاق على أبنائهم.
وفي وقت يثير فيه تعامل الحكومة مع ملف الثانوية العامة جدلاً كبيراً من حيث تغيير نظام الامتحانات وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي تستنزف أموال المصريين، يأتي انقطاع الكهرباء “في وقت احتياج الطلاب إلى التركيز والمذاكرة”.
كما يأتي انقطاع الكهرباء في ظل وقت حرج بالنسبة لملايين العائلات المصرية، إذ بدأت في البلاد امتحانات الثانوية العامة، أهم وأصعب المراحل التعليمية وأكثرها إثارة للجدل واستنزافاً لأموال المصريين.
وبحسب الإحصاءات الرسمية يؤدي حوالي سبعة ملايين ونصف المليون طالب، امتحانات الثانوية العامة هذا العام، ومن خلفهم ملايين الأسر التي تنتظر حصد ثمار عام شاق وطويل من التعب والإرهاق والإنفاق على أبنائهم.
وفي وقت يثير فيه تعامل الحكومة مع ملف الثانوية العامة جدلاً كبيراً من حيث تغيير نظام الامتحانات وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي تستنزف أموال المصريين، يأتي انقطاع الكهرباء “في وقت احتياج الطلاب إلى التركيز والمذاكرة”.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من الانتقادات للحكومة بسبب توقيت قطع الكهرباء أثناء الامتحانات، والذين يعتبرون أن قطعها يهدد مستقبل الطلاب ويحرمهم من التركيز بسبب الحرارة الشديدة، وحاجتهم إلى أجهزة للمذاكرة من خلالها.
“فوائد انقطاع الكهرباء”
وكعادة المصريين في التعامل مع بعض الأزمات كان هناك سخرية من انقطاع الكهرباء، وسط توقعاتهم بأن زيادة تخفيف الأحمال سيستمر لفترة أطول وليس ليومين فقط.
إذ يقول بعض المغردين من باب السخرية، إن من فوائد انقطاع الكهرباء، أنها سوف تساعد المواطنين على فقدان الوزن لأنهم لن يستخدموا الأسانسير ولن يجلسوا لمشاهدة التليفزيون أو استخدام الإنترنت.
كما أن من فوائدها أيضا أنها ستساعد على تجفيف لشعر والملابس سريعا لأن انقطاع الكهرباء سيجعل المنازل مثل الشارع.
ووصلت السخرية من انقطاع الكهرباء في مصر إلى خارج الحدود، إذ يقول بعض المصريين المقيمين في بعض الدول التي شهدت انقطاعات في الكهرباء الفترة الماضية أن “الحكومة تقطع الكهرباء عنهم للمساواة بينهم وبين المواطنين في مصر”، ونشر أحد المغردين تغريدة قال فيها إنه “يعيش في أمريكا والكهرباء مقطوعة عنده فقط”.