2024-07-04
سجلت المحافظة العراقية خلال هذا الأسبوع أكثر من 6 حالات انتحار للطلبة، وجاءت بغداد في الصدارة بتسجيل 4 حالات انتحار توزعت بالتساوي بين الذكور والإناث، تلتها كركوك بحالتي انتحار ذكور، وكان من بين حالات الانتحار في بغداد ما شهدته مدينة الصدر الاثنين الماضي بانتحار طالب بعد رسوبه في الامتحانات النهائية، بحسب مصادر أمنية أبلغت بذلك.
وتسليط الضوء على حالات الانتحار بين الطلبة التي بدأت تزداد بشكل مقلق في الفترة الأخيرة، والظروف المحيطة بهم وما كانوا يعانوه والأسباب التي دفعتهم لاتخاذ قرار إنهاء حياتهم، أجرت الوكالة حواراً مع أحد أقرباء الطالب المتوفي في مدينة الصدر الذي روى بألم حال عائلته بعد انتحار ابنهم البِكر، فوالده أصيب بأزمة نفسية نقل على إثرها إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية “الشماعية” أمس الأربعاء، فيما لا تزال والدته في حالة الصدمة، فقد كان الأكبر بين إخوته.
يقول سيف وهو ابن عم الطالب المتوفي، إن “الراحل كان يبلغ 17 عاماً، وكانت هذه السنة هي الثانية له، وكان لديه آمال بالنجاح للتعيين في وزارة الداخلية، لكن نتيجة رسوبه للمرة الثانية فقد الأمل بالتعيين لوجود شرط العمر، لذلك تضايق بشدة ومن ثم أقدم على الانتحار في غرفته”.
حالة أخرى ترويها والدة طالبة حاولت الانتحار في محافظة بابل بعد رسوبها في مرحلة الثالث المتوسط، تقول إم زهراء: “ابنتي رسبت بكل المواد رغم توفير كل الأجواء المناسبة لها من تكييف في غرفتها ومدرسين خصوصي وغير ذلك، لكن يبدو أن هناك تكاسل عند بعض الطلبة وعدم الرغبة في الدراسة والاجتهاد، في حين كنا في السابق ننجح وبتفوق رغم عدم وجود عوامل مساعدة، منها الكهرباء، فقد كنا ندرس على الفانوس واللالة، ولم نفكر يوماً في الانتحار”.
وعن محاولة انتحار ابنتها، توضح السيدة لوكالة ، أن “ابنتي حاولت الانتحار بتناول جرعة كبيرة من حبوب الدواء لكن تم نقلها إلى المستشفى بسرعة وتماثلت للشفاء، وبعدها تحدثت معها بأسلوب جميل بأن تلك الطريقة خطأ وهي تفهمت ومضت الحادثة على خير، وأدعو الأهل ممن لديهم طالب بمتابعته ومحاولة معالجة المشاكل التي يعاني منها”.
غزو ثقافي
من جهته، يرى الخبير التربوي، حيدر الموسوي، أن “هناك الكثير من الأسباب وراء انتحار الطلبة، على اعتبار نوع المجتمع بدأ يتغير، فبعض الشباب اليوم ضعيفي الشخصية يختلفون عن شباب الأمس الذين تعرضوا للكثير من الصدمات والمسؤولية منذ الصغر، وهذا يعود للغزو الثقافي الذي يحاول التقليل من شخصية الشاب العراقي والزرع بداخله هذا الضعف، وبدأ يحاول أن يظهر له أن هذه التصرفات هي عادية”.
ويضيف الموسوي ، “كما أن مواقع التواصل ساهمت في إبعاد هؤلاء الشباب عن الدين، فهم لا يعلمون أن هذا التصرف هو محرم في الشريعة الإسلامية وله عواقب كبيرة، فضلاً عن انتشار المخدرات التي تدفع بالشباب عند التعاطي إلى تصرفات غير محسوبة وغير مدروسة، وعند أي ضغط أسري أو مجتمعي يقدم الشاب على قتل غيره أو قتل نفسه وغيرها الكثير من الجرائم التي تحدث في الوقت الراهن”.
ويشير الخبير التربوي، إلى أن “تعنيف الأهل ليس سبباً رئيسياً بحالات الانتحار، فالجميع تعرض للتعنيف من قبل أهله، وفي السابق كنا نتعرض للتعنيف من قبل المدرس عند الرسوب فضلاً عن الأب والأم، ولم تحصل حالات انتحار، بل كان ذلك دافعاً لنا للإصرار والنجاح، لذلك الضغط الأسري لا يولد هكذا حالات، لكن ما يحصل هو مرافقة هذا الضغط الأسري للغزو الثقافي الذي بدأ يعطي ثقافة الانتحار والتمرد على الأسرة والأهل ويصفها بالحرية الشخصية، وإيصال فكرة أن الانتحار عملية سهلة للتخلص من الضغوط”.
اضطرابات نفسية
بدورها، تشرح اختصاصية الطب النفسي، الدكتورة بتول عيسى، الاضطرابات النفسية المؤدية إلى الانتحار، بالقول إن “70 بالمائة من المصابين باضطراب الاكتئاب يعمدون إلى الانتحار، و10 بالمائة من المصابين بالذهان ينتحرون، و5 بالمائة ممن لديهم مشاكل في التعاطي والإدمان ينتحرون”.
وتضيف عيسى ، “لكن هناك عوامل أخرى برزت في الفترة الأخيرة، حيث يلاحظ أن الأهالي والأستاذة والمدرسين أيضاً جميعهم يضغطون على الطلبة، لمحاولة حصولهم على الدرجة العالية للقبول في الطب، حيث يظنون أن الأطباء هم الشريحة الناجحة الوحيدة في المجتمع، في حين أن المجتمع يحتاج إلى جميع الناس وجميع الفئات العلمية والأدبية”.
وتتابع، “كما أن بعض الأهل يمنعون أبناءهم الطلبة من ممارسة هواياتهم مثل عزف الموسيقى والرسم أو ممارسة الرياضات كالسباحة وركوب الدراجة الهوائية وغيرها، بداعي أنها مضيعة للوقت وليس لها فائدة ويجب التفرغ للدراسة فقط، لكنهم لا يعلمون أن ممارسة هذه الهوايات هي رياضة للدماغ وتؤدي إلى الراحة النفسية للطالب، بدل هذا الضغط المولد للاكتئاب”.
وتوضح عيسى، “كما أن بعض الأهالي في وقت الامتحانات لا يستقبلون الضيوف ولا يخرجون ابنهم الطالب حتى من البيت، لذلك يصبح الطالب منعزلاً وممنوع عليه ممارسة هواياته مع الضغط الكبير عليه بالدروس، حيث هناك دروس تقوية ودروس خصوصية فضلاً عن الدروس التي يتلقاها في المدرسة”.
وتكمل حديثها: “ولا يقتصر الضغط على الطلب من أهله فقط، بل أن الأستاذة أيضاً يضغطون عليه، وقد تصدر منهم ألفاظاً نابية وإهانات وتعليقات سلبية توجه ضد الطالب، فضلاً عن تمييز الطالب المجتهد في المدرسة والثناء عليه دون غيره من أصحاب المستوى المتوسط أو دون المتوسط، إلى جانب المنافسة بين الطلبة أنفسهم والغيرة، لذلك يواجه الطلبة ضغوطات من الأهل والأساتذة فضلاً عن رهبة مرحلة السادس الاعدادي نفسها”.
وتشير إلى أن “محاولة الانتحار هي بذاتها يحصل اقتداء فيها عند نشرها في مواقع التواصل، وهذا ما يحصل بتقليد طالب لانتحار طالب آخر، لذلك مواقع التواصل الاجتماعي تروج بصورة مباشرة أو غير مباشرة لهذه الأفعال عن طريق الأخبار والكلام المتناقل عنها ما يزيد من حالات الانتحار”.
وتنوه اختصاصية الطب النفسي، إلى أن “ظروف المناخ من ارتفاع درجات الحرارة بالتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي يولد ضغطاً على الطالب الذي يريد الدراسة والراحة والنوم، لكن عند إنطفاء الكهرباء في ظل ارتفاع درجات الحرارة فهذا يزيد من حالات الانتحار عموماً وليس بين الطلبة فقط”.
وتشدد عيسى، أن “على الأهل احتواء الطالب واعطائه فسحة بالمشاركة في المناسبات الاجتماعية والخروج من البيت للترفيه عن نفسه، وكذلك السماح له بممارسة نشاطاته وهواياته وتحديد وقت معين لها، وكذلك تخصيص مصروف له وتهيئة الظروف المناسبة له داخل البيت بتجنب المشاكل والصراخ والعنف داخل البيت”.
وتختم عيسى حديثها بالقول، أن “على الأهل إخبار ابنهم بأنهم يحبونه مهما كانت الدرجة التي سوف يحققها، وكذلك تجنب إعطاء سقف عالي للتوقعات لابنهم بل إخباره بأن عليه فعل ما يستطيع فقط، واعطاء الثقة بنفسه وضرورة احتوائه عاطفياً وعائلياً، فكل هذا ضروري للطالب”.
مئات الحالات خلال 3 سنوات
يذكر أن رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، أفاد الأربعاء الماضي، أن العام 2023 و2024 شهدا انخفاضاً في معدلات الانتحار عن العام 2022.
وقال الغراوي في بيان، ان السنوات الثلاث الاخيرة شهدت تسجيل أكثر من 2000 حالة ومحاولة انتحار حيث شهد العام 2022 تسجيل 1073 حالات ومحاولات انتحار في حين شهد العام 2023 تسجيل 700 حالة انتحار في حين شهدت الأشهر الستة الأولى من العام 2024 تسجيل 300 حالة ومحاولة انتحار.
واضاف ان الاعوام 2016 _ 2021 شهدت تسجيل (3063 ) حالة ومحاولة انتحار إذ شهد عام ( 2016 تسجيل 343 حالة انتحار، وفي 2017 بلغت 449 حالة، وفي 2018 بلغت 519 حالة، وفي 2019 بلغت 588 حالة، وفي 2020 بلغت 644 حالة، وفي 2021 بلغت 863).
كما أشار الغراوي إلى أن الانتحار ظاهرة عالمية تتسبب في وفاة 800 ألف شخص سنوياً وبمعدل شخص كل 40 ثانية، ويمثل رابع أسباب الوفاة عالمياً للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 – 29 عاماً حسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
ونوه رئيس المركزي إلى أن، أكثر الطرق المستخدمة في حالات السلوك الانتحاري هي الشنق والحرق واستخدام الأعيرة النارية اضافة الى الغرق وتناول السموم.
وأكد أن أسباب حالات ومحاولات الانتحار المستندة الى احصائيات (مجلس القضاء ووزارة الصحة ووزارة الداخلية).
وعزا الغراوي حالات الانتحار لأسباب نفسية بنسبة 43%، وأسباب عائلية بنسبة 35%، أما الاقتصادية بنسبة 15%، وأسباب أخرى بنسبة 8% ووفقا لهذه المعدلات فان العراق مازال أقل من المعدلات العالمية في موضوع الانتحار.
رئيس المركزي طالب بتفعيل الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار ومعالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تؤدي للانتحار، داعيا الى ايجاد مصحات معالجة نفسية للأشخاص الذين يحاولون الانتحار.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط