علاء كرم الله
لم تكن مصادفة عابرة أن يتم أستشهاد الأمام الحسين عليه أفضل السلام في مدينة كربلاء! ، فهي أرادة الله عز وعلا أن تكون كربلاء مقرا لمثواه ولجسده الطاهر الشريف ، وبالتالي أنه لشرف كبير لهذه المدينة ، أن تتوسد أرضها ذلك الجسد الذي حمل كبرياء الرسالة المحمدية بكل عليائها ، رسالة جده النبي العظيم محمد عليه أفضل السلام ، وأن تتطهر مدينة كربلاء بوجود قبر سيد شهداء أهل الجنة عليه أفضل السلام ، فهل عرف أهل كربلاء وسكانها بكل مدنهم وأقضيتهم ونواحيهم وقصباتهم ، ماذا يعني ذلك بالنسبة لهم؟ وما حجم تلك المكرمة الألهية التي أختارها الله أن تكون لكربلاء ولأهلها وليس لغيرها؟ وما هي القيمة التاريخية والأنسانية لمدينتهم؟ . أرى ومن وجهة نظري البسيطة أن كربلاء وأهلها ، يحملون على أكتافهم مسؤولية أخلاقية كبيرة من حيث يعلمون أو لا يعلمون؟!، فمدينتهم مادامت تحتظن الجسد الطاهر للامام الحسين عليه أفضل السلام ، فهي أصبحت المدينة الفاضلة ، التي لا يأتيها الباطل لا من يمين او شمال! ، والتي يعيش فيها المواطن آمنا مطمنئا على حياته وعلى عيشه ورزقه ورزق عياله ، لا تسمع فيها لغوا ولا نفاقا ولا كذبا ، ولا تعرف فيها مشكلة ولا أزمة في أي شيء ، يحكمها العدل ، وتحوطها اسوار العدل والنزاهة والمساواة ، هكذا يجب أن تكون كربلاء ، بكل شيء بكل التفاصيل اليومية لحياة أهلها وناسها! وعندما أقول كربلاء فأنا أقصد كل كربلاء بأقضيتها ونواحيها فكلهم يعيشون في ظل مدينتهم الفاضلة وفي كنف الامام الحسين شهيد القيم والمباديء والحق والعدل والمساواة ، وهل كبير عليها أن تكون المدينة الفاضلة بكل شيء؟ ، أليست هي مدينة سبط الرسول وريحانته؟. ومن باب الطرافة عندما كنت صغيرا وأسمع عن الامام الحسين عليه السلام وقصة أستشهاده بكل ما فيها من بطولات ومعاني وقيم ، وأرى مشاهد عن ذلك في ( التشابيه!) ، وأسمع أحاديث الناس الذين يذهبون الى كربلاء من أجل هذا الطقس الحسيني العظيم بكل ما يحمل من جلالة وأكرام ، كنت أعتقد ان أهل كربلاء لا يشبهوننا!! ، فهم مطهرون من كل شي ومن كل الخطايا والأثام!، لأنهم وحسب أعتقادي الطفولي عن المدينة وأهلها ولأنها مدينة الأمام الحسين عليه السلام ، فأهلها لا يكذبون ولا يسرقون ولا يغتبون بعضهم البعض ، ويساعدون بعضهم البعض ، ولا يوجد فيها فقير ولا مسكين ولا صاحب حاجة بينهم ! ، والحياة تسير فيها بشكل آخر يختلف عن حياتنا تماما!! بسبب قدسيتها التي أخذتها من قدسية الأمام الحسين عليه السلام ، بأختصار (كنت أتصور أن الحياة في هذه المدينة ، هو مثل بداية الدعوة الأسلامية في فيلم // ظهور الأسلام!// الذي كان يعرض في كل مناسبة دينية! ويذهب بي خيال الطفولة الى بدايات الأسلام والمسلمين ، بعد نشره الدعوة الأسلامية!! وكيف كان أهلها يتعاملون ، وكيف كانوا يقضون يومهم ، تصورات بريئة ، في عقل طفل في مرحلة الأبتدائية!. ولكن عندما كبرت كبر معي السؤال وألح علي : هل كربلاء المدينة الفاضلة فعلا؟ ، وهل أن أهلها في كل تفاصيل حياتهم يختلفون عن بقية محافظات ومدن العراق؟ ، ولماذا لا تكون المدينة الفاضلة ، بكل ما تحمل هذه الكلمة من وصف وتوصيف؟ ، فوجود جسد الأمام الحسين عليه السلام فيها هو من يفرض عليها ذلك ، والذي صار أستشهاده عنوانا كبيرا للتضحية من اجل المباديء والقيم الأنسانية السامية ومن أجل الناس جميعا ، ومحاربة الظلم وعدم السكوت عليه ، بعد أن نذر نفسه وأهله والقلة القليلة من معه من أصحابه للموت ، من أجل أعلاء كلمة الحق ، وأقامة العدل والمساواة ، وإعادة المسار الصحيح لرسالة جده العظيم محمد عليه أفضل السلام ، تلك التضحيات من اجل القيم والمباديء التي تصب في صالح الناس جميعا ، وبعد ان أرادت قوى الباطل حرفها عن مسارها الصحيح ، رغم كل التحديات والتحذيرات والنصائح بمنعه من ذلك بسبب السلطة الغاشمة التي كانت تحكم أمور البلاد والعباد ، والتي لديها الأستعداد أن تقتله تحت أي ظرف ومكان وزمان ، أن أراد تصحيح ماهم عليه من باطل! ، ألا أنه أصّر على تحدي الباطل وانتهى التحدي بملحمة بطولية أصبحت عنوانا كبيرا في تاريخ البشرية ، لأنها أنتهت بانتصار الدم على السيف، وأنتصار المباديء وتصحيح المسارالديني لرسالىة الأسلام ، رغم أستشهاد الأمام ومن معه!؟ وتلك ميزة ملحمة واقعة الطف الأليمة . وبعد كل هذا الأعتقاد الذي داعب مخيلة عقل طفولي بريء ، بأن تكون هذه المدينة هي المدينة الفاضلة الذي يسودها العدل والمساواة ، ألا أن الواقع كان غير ذلك تماما! ، وبالتالي كانت الصدمة أكثر واكبر . فحقيقة أتألم كثيرا عندما أرى وأسمع وأقرأ ، وعبر وعن طريق وسائل الأعلام والفضائيات ، أن مشاكل هذه المدينة الحسينية ، لا تختلف عن بقية محافظات ومدن العراق بكل شيء!! ، فخدماتها بائسة ومنظرها العام لا يوحي الى أي شيء من التقدم والرقي والنظام والزهد والنقاء والطهر! ، ففيها الكثير من العاطلين ، وفيها فقراء ومعوزين وفيها ما فيها من مشاكل وأزمات ومصائب ، حتى أكثر من باقي المحافظات!!؟ ، أما اخلاق أهلها وناسها وطباعهم ، فقد تغيرت كثيرا من بعد الأحتلال الأمريكي البريطاني للعراق في 2003!! ، وكأنهم لا ينتمون الى هذا الأمام الكبيرالذي نذر نفسه من أجل الأنسانية!؟ ، فيأخذني العجب عما أسمع عن مشاكل هذه المدينة ، التي أفترضتها أن تكون المدينة الفاضلة عندما كنت صغيرا وعندما كبرت!؟ ، فيلح علي سؤال وبتعجب ، كيف تحدث سرقات في هذه المدينة ، وكيف تقع فيها جرائم قتل ونهب وتسليب وسرقات ونصب واحتيال وقتال بين العشائر ، وكيف يقوم أهلها ، بأي فعل حرام لا يرضاه الله؟، وكيف ومن يمتلك الجرأة عن االقيام بأي فعل شائن ومعيب؟ ، وهو على بعد أمتار من ضريح سبط النبي الأكرم الأعظم الذي ختمت به الرسالات السماوية! ، فكنت أعتقد ولازلت رغم كل شيء أن روح الأمام الحسين بكل عظمتها وكبريائها تطوف على المدينة وأهلها ، فتمنعهم بالقيام بأي فعل معيب ، بل وتزرع وتقوي فيهم كل معاني القيم والمباديء الأنسانية والأخلاقية ، أليس هذا ما يفترض ويكون؟؟ . لا أدري أكان أعتقادي وتصوري في محله! بأن هذه المدينة يجب أن تكون هي وأهلها المدينة الفاضلة في كل شيء ، لأنها تحتظن جسد الأمام الحسين عليه أفضل السلام ، ويجب أن يخافه ويهابه الجميع ، وعليهم أن يتعضوا ويتعلموا منه ومن رسالته ومن قصة أستشهاده بكل ما فيها من عظمة ودروس في القيم والمباديء ، وبكل مافيها من قوة وعدم الخنوع للباطل وأغراء المال! . المؤلم في الأمر هو اني أكتشفت بأني كنت على وهم! ، فيما كنت أعتقده وأتصوره وأتمناه حتى لهذه المدينة!؟ ، لأن المحتل الأمريكي والبريطاني ومن تعاونوا معهم قلبوا حياة العراقيين وفي كل مدنهم ومحافظاتهم ، رأسا على عقب ، وأفسدوا حياتهم بكل تفاصيلها ، بعد أن ألبسوا الباطل ثوب الحق!!؟ ، فألتبست الأمور وأختلطت على الناس ، ومعها ضاع الأعتقاد بل وضاع الحلم ، أن تكون هذه المدينة الحسينية بالمدينة الفاضلة!؟.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط