الانفتاح الفكري والانزلاق السياسي – ح 4 * بقلم د. رضا العطار
يواصل العلوي حديثه قائلا بان العقائديون يمارسون مبدأ النص المقدس بهدف حمايتها من الزيغ، لذلك خاف الماويون والستاليون من نظرية الانتاج الاسيوي لكارل ماركس – مثلما يخاف الاصوليون المسلمين من الآية 34 من سورة التوبة تنتهك حرمة الزكاة. (1)
وعندما يتقدم الانفتاحيون لاخراج الناس من ظلمات العقيدة الى ضياء العقل – فهم يخرجونهم اولا من ثوابتهم النضالية – فيكون الانفتاح الفكري استسلاما للعدو الطبقي. المتمثل في الراسمالية الوطنية والاستعمار. وفي هذا المجرى مشى الانفتاح الصيني مع الانفتاح الروسي وفيه تجري (الخاتمية)
احدث ما طرحه الخاتميون الايرانيون هو استفتاء الشعب حول الحوار مع الولايات المتحدة – ويمكن للشعب الايراني ان يقول نعم للحوار كما قالها الشعب الروسي من قبل لبوريس يلتسن وشعب الصين من قبل دنغ، – لان الشعب الايراني مخير الان بين الظلامية الوطنية والتنوير الامريكي وهو سيختار التنوير الامريكي ليس فقد للخروج من الظلام الديني بل وعلى امل الحصول على وجبة همبركر تدغدغ احلام الجائعين الذين عجزت العقائد عن توفير الطعام لهم. والمعروف على اي حال ان الهمبركر بعد ان وصل الى الصين وروسيا، تقاسمت المواقع مع المزابل – – فعلى مقربة من فرع ماكدونالد في شارع وانغ فو جين في العاصمة بيجينغ حيث يدخل الاغنياء الجدد ليستمتعوا بأكلة همبركر وارتشاف كاسة كوكا كولا، يقف صينيون آخرون حول حاوية قمامة للبحث فيها عن اشياء تصلح لللأكل – – اما في روسيا، فالمزابل مصدر شعبي للطعام.
يتساوى الشعب في الحرمان في ظل العقائديين وينقسم في ظل الانفتاحيين الى مكدونالدي ومزابلي، ولا شك في ان هذا ما يريده السيد محمد خاتمي للشعب الايراني – – لا ادري ان كان محمد خاتمي يعرف شيئا عن المجتمع الامريكي وسلبياته العديدة او عن طبيعة الراسمالية الامريكية، المتحكمة في البيت الابيض – واعتقد انه غير معني بهذه المعرفة بل هو بدلا من التوغل في تاريخ الولايات المتحدة لاستخلاص العبر منه، يذهب الى تاريخ الاسلام فيهاجمه ويحمله المسؤولية عما حل بالمسلمين.
نحن نعيش اليوم على اكداس من تجارب المعارضة والمشاعية ومبادئ الحكم الشعبي، تركتها لنا نخبة المفكرين الاحرار الذين وضعوا اعمق البصمات على تراثنا وتاريخنا في جميع مفاصله ومراحله. وبالانتقاد المغرض فقط يصادر هذا التاريخ المتنوع والمترامي الاطراف لحساب رغبة مخطط لها سلفا.
يريد خاتمي كما اراد من قبله الرئيس الروسي والرئيس الصيني ان يقول للامريكان : كل ما عندكم صحيح وكل ما عندنا غلط – – – ووراء هذه العبارة التي نطق بها الزعيم الروسي والزعيم الصيني تقف حاويات القمامة التي يأكل منها الشعبان الروسي والصيني. ودور البغاء التي تتاجر ببنات تولستوي، كاتب روسيا العملاق، ناهيك عن ارتال الشحاذين الذين يقفون في ظل الفنادق السياحية في موسكو وبيجينغ – والجريمة المنظمة التي تجعل من المستحيل على المواطن ان يخاطر بالخروج من منزله بعد الساعة العاشرة ليلا. حيث تتحول الشوارع الى ساحات حرب من النمط الشائع في عواضم الرأسمالية الأم.
ان الخاتمية هي الثمرة المرة للعقائد الخمينية – – ومثلما يتحمل ستالين مسؤولية غورباتشوف في روسيا، وماوتسي تنغ مسؤولية دنغ في الصين، يتحمل الخميني مسؤولية خاتمي في ايران – – فالانظمة العقائدية تنتج الثمار المرة مهما اختلفت في نصوصها المقدسة، سواء كانت من مصدر سمائي او ارضي. من اصل ديني او من اصل فلسفي – فللعقائد طبيعتها الخاصة، تتصرف بطريقة واحدة بصرف النظر عن صنف الايمان المؤكد عليه من منابرها الكثيرة – – – ولا يملكون الخمينيون ما يوجهونه به غير كلمة الله اكبر التي يطلب من الشعب ان يرددها عدة مرات في اليوم.
يخبرنا ابو حيان التوحيدي في (البصائر والذخائر) ان رجلا يدعى ابن سيابه، شكا من الفقر فقالوا له : احمد ربك الذي رزقك الاسلام والعافية. فقال : نعم ولكن بينهما جوع يقرقر الكبد !
(1) توضيح الآية 34 في سورة التوبة :
(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) – – ( يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى به جباههم و جنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35)
الى الحلقة التالية والاخيرة !
· المرئي واللامرئي في الادب والسياسة للفيلسوف هادي العلوي.
احفظني !
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط