بركات العيسى
يعيش المجتمع الأيزيدي حالة من الفوضى والغموض لم تسبق لها مثيل منذ الثالث من اب عام ٢٠١٤ ، بعد غزوة الدولة الاسلامية لمناطقهم وتحديدا في سنجار التي نالت النصيب الأكبر من الضحايا والدمار . هذه الفوضى هي بطبيعة الحال وليدة مشتركات كثيرة بين حكومتي المركز والإقليم ، وعلى اعلى المستويات تارة في ظل ما سميت ب ” اتفاقية سنجار ” والتي تصارع عليها طرفي المبادرة منذ اكتوبر عام ٢٠٢٠ دون ان تدخل اية بنود منها حيز التنفيذ . الصراع الادنى منه هو صراع وزارة الهجرة والمهجرين وأطراف تمتلك ميليشيات من جهة ، في مواجهة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، نزولا إلى صراع أفراد على المستوى الشخصي من الطرفين ، والتي أنتجت عن عائدين من النزوح دون ضمانات وتعويض يناسب حجم الضحايا ، وغير عائدين من جهة اخرى قد يكونوا ضحايا بقائهم واتخاذهم أوامر البقاء لربما ، ويحرموا من معونات العودة . بينما المتضرر الأكبر من هذا الصراع الحكومي ، والحزبي ، والشخصي هم في الأساس القاطنين بالدرجة الأساس في جنوب الجبل ، من قرية كوجو والتي غالبية سكانها من الرجال رموا بالرصاص في يوم ١٥.٨.٢٠١٤ والغالبية الأخرى من نساء القرية وأطفالها وقعوا في أسر التنظيم وصاروا ملك يمين لعناصر التنظيم ، بينما الخراب فيها وفي مجمعي تلبنات وتل قصب جنوب الشرق ، والقحطانية بمجمعيها سيبا شيخ خدر وكرزرك في جنوب الغرب تبقيها كوجه الابادة الحقيقي ، إلا ان سكانها ومنذ ما يقارب العشرة أعوام هم الاقل استفادة من معونات الدولة والمنظمات والدول المانحة . بينما أهالي ضحايا الابادة الجماعية في شنكال وغالبية سكانها من الايزيديين يستحضرون للذكرى العاشرة من الابادة ، كان البرلمان العراقي في يوم ٢٤.٧.٢٠٢٤ يناقش مسودة العفو العام بحسب المادة ٣ من الدستور ، أي قبل اسبوع فقط من الذكرى العاشرة لابادة الايزيديين ، الامر الذي دعا ثلاث نواب ايزيديين الانسحاب من الجلسة وهم من توجهات حزبية وأيديولوجية مختلفة ، اجتمعوا اخيرا على أمر واحد ، وهو الضد من مناقشة العفو العام ، والذي بامكانه فتح أبواب السجون لافراد من داعش ، كانوا سببا فيما لحق بالايزيدييت ومناطقهم من ويلات وكوارث . مناقشة البرلمان العراقي لهكذا قرار وفي هكذا ظروف لم تلاقي أصوات شعبية شاجبة ، ومن الايزيديين انفسهم باستثناء بعض الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي ، وذلك بسبب الأوضاع الفوضوية التي يعيشها الايزيدي في المخيمات ، والعائدين منهم ، وانشغالهم بمعونات الحكومة المخجلة ، وتحضير أعداد هائلة منهم لغلق ملف النزوح ، بينما انشغال الآخرين في شنكال ، بترميم ما دمرته داعش . يبدو ان الصراع الذي نتحدث عنه لا يقتصر على الماكينات الحكومية والحزبية ، والتي وقفت على شكل عائق امام مستقبل عشرات الآلاف من الايزيديين ، الامر الذي اضطرّ بسببه إلى توجه شريحة لا بأس بها من الايزيديين إلى التوجه نحو الحدود والهجرة إلى دول اوربا كبديل للعيش ، بينما يعيش اخرون في صراع محتدم من اجل كسب مبالغ مالية تصلهم إلى ايدي المهربين من اجل الخروج الأبدي . هذا الصراع بين بغداد واربيل والذي ابقى الايزيدي في بلده على شفى فوضى ، خلق صراعات داخلية بين الايزيديين ، ليكون صراعا على الهوية الاثنية والقومية بين الايزيديين انفسهم ، وانقسامهم إلى ايزيديين كورد وقفوا في صف الإقليم ، وايزيديين غير كورد اختاروا بغداد واجهة لهم . في حين الصراع الاقل تكلفة منه ، والأكثر ضررا هو الصراع داخل العشيرة في شنكال ، او بين العشائر في ظروف معينة ، بسبب هوية الأراضي غير المسجلة ، فعلا سبيل المثال وفي مجمع سيبا شيخ خدر وقبل ايام من كتابة هذا المقال تم رفض مشروع ماء السكينية ، وهو المشروع الذي سيكلف ابناء القرية ومجمع سيبا شيخ خدر الكثير بسبب العطش الذي سوف يلاحقهم نتيجة رفض المشروع ، وسببه هو خلاف عشائري بين ابناء القبيلة الواحدة ،وهو صراع محتدم منذ عشرات السنين والذي على خلفيته رفضت عشرات المشاريع في المجمع والقرى التابع له . قد يبدوا وجه الصراع بين الايزيديين على الهوية القومية هو من اكثر الوجوه السوداء التي قد تلاحق الايزيديين بعد داعش ، إلا انه سوف لن يكون الوجه الأسود الأخير ، والذي على راحتيه سقطت الأرقام ، وعلى راحتيه ولدت ارقام متصارعة اخرى ، هذا الوجه ، والخلاف الذي لا يعلوا صوتا على صوته وتحديدا بين أيزيدية سنجار هو سبب ونتاج في ان واحد للفوضى الامنية الانية في القضاء ؛ فوجود هذا العدد الهائل من الرايات ، والفصائل ، والجيوش ، والقوى الامنية المختلفة ، والمتصارعة ؛ سببه هو الصراع الايزيدي الداخلي وصراع الهوية بوجه الخصوص ، والذي على ظهره تكالبت وتكاثرت كل أوجه الخلاف . وعلى الرغم ان الحدود الغربية والجنوبية لقضاء سنجار لا تزال تشكل خطورة على الوضع ، ومخاوف الايزيديين في سنجار لاتزال على حالها ، وهي البوابتين اللتين دخلت من خلالها جحافل الدواعش ، لارتكاب أبشع الجرائم بحق الايزيديين ؛ إلا ان صراع القوى المتواجدة على الارض وبأيديولوجيات مختلفة يتبع جميعها عدد لا بأس به من الايزيديين ، وأخذ كل طرف منه حشد من العشائر والمدنيين ، وخرطت في صفوفها ، واعطت صنوفها لبعض آخر ، لتكون سنجار بعد الابادة خليطا ايديولوجيا ، ومحطة صراع دولية ، واقليمية ، وداخلية وعلى جميع الأصعدة . في ظل كل هذه التحديات والصراعات على سنجار ، يبدو ان ملف الاسرى والذي يبلغ تعدادهم بحسب الاحصائيات الرسمية ما يقارب ٣٠٠٠ اسيرة واسير ، وكذلك ملف المقابر الجماعية التي تجاوزت ال ٩٠ مقبرة جماعية ، هي الاقل تكلفة على الأطراف المتصارعة ، ومن بين مجموع المقابر الجماعية ، هنالك مئات الجنائز المعلقة ، منها التي علقت كعظام تحت الارض ، بسياج بادر به الأهالي ، ومنهم من طوقت عليه أطراف حكومية سياج ، وتركته ليوم غير موعود ، في المقابل رفات اخرون في رفوف الطب العدلي بوزارة الصحة دون ان تكتمل إجراءات النقل ، وتسليمها لذويهم ، لينعموا اخيرا بالراحة الابدية . الأطراف الحكومية والتي تتحدث عما يقارب ٣٠ مقبرة لاتزال على حالها ، في المقابل هالك مقابر فردية بالعشرات ، والتي ربما الكثير منها لم تعثر عليها بعد. هذا الملف بحد ذاته سؤال اجاب عليه الايزيدي اخيرا ، ان داعش انتهى رسميا ، بينما النساء الايزيديات الأسيرات لا يزال مصيرهن مجهول ، والمقابر حتى وان فتحت ذات يوم فعلى ذوي الرفات ان يشتروا على حسابهم أخشاب التابوت .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط