بافاروتي تركيا : المغني المدهش إبراهيم تاتليس !
بقلم مهدي قاسم
أعترف بأني لم أسمع باسم المغني التركي الكبير إبراهيم تاتليس إلا في السنوات العشرة الأخيرة وذلك بفضل إنترنت ..
علما أنه يغني منذ الثمانينات من القرن الماضي وكل هذا فأنا لم اسمع به ..
علما أنا أفهم اللغة التركية لكوني ولدت في بيئة تركمانية ، لتصبح اللهجة التركمانية بالنسبة لي ، لغة الأم الوحيدة آنذاك قبل دخول المدرسة باللغة العربية حصريا ، لذا فأ ذاكرتي لا زالت زاخرة بكل ما هو محمل بتراث غنائي تركماني جميل ، , و أيضا بنفس الموروث الفني للأغاني العراقية الشعبية بكل أطوارها ، طبعا والعربية في آن واحد ..
و أتذكر في هذا الصدد جيدا عندما كنتُ لا زلت صبيا ، معجبا بصوت المطرب التركماني الكركولي ” أكرم دوزي ” الذي عرف و اشتهر بصوته الساحر الرخيم في منتهى العذوبة والرقة ، والتي كنت أحرص على سماعها كلما أتيحت لي فرصة مناسبة في أيام الصبا المبكرة ..
وعودة إلى المغني إبراهيم تاتليس فقد سمعتُ مصادفة إحدى أغانيه ، فقد أذهلتني طبقات صوته المتعددة والمنطلقة في فضاء مساحة كبيرة وواسعة، ولكن بالأخص تلك النبرة الأوبرالية المتصاعدة الساحرة و المديدة بتموجات منطلقة ، كما أجنحة طليقة على هواها بين مدارج الرياح ، ثم نزولا متأنيا بخفقات خلابة ، وصولا نحو القفلة الرخيمة المدهشة بشحن مشاعر من شجن محسوس ، تدفع المستمع إلى إطلاق آهات عميقة من شدة تأثر ، و زحمة ذكريات دفينة آسرة ، منها حلوة وعذبة ، و حزينة برقة تستدعي دموعا حارة ! أحيانا أخرى .. و خاصة نحن الشرقيين ــ عموما ــ نميل نحو حزن شفيف بسبب كثرة الخيبة والمعاناة ..
وبما أنا أعد نفسي من المعجبين ، منذ وقت طويل ، بالمغني الأوبرالي الإيطالي المدهش لوتشانو بافاروتي ، فسرعان ما ذكرتني أغاني ابراهيم تاتليس به ، ربما لظني وتصوري بوجود تشابه بين طبقات الصوت الأوبرالية المماثلة بين صوتي المغنيين ، حتى قلت مع نفسي أنه ــ أي إبراهيم تاتليس يستحق عن جدارة ” لقب بافاروتي تركيا “! …
ويبقى أن نضيف إلى أن المغني إبراهيم تاتليس نهل ــ بشكل بارع ــ من الموروث الفني للألحان و الأغاني الشرقية بمختلف أطوارها ، وخاصة من الموروث الكوردي ــ التركي ــ الفارسي ــ العربي ذات قواسم لحنية مشتركة ، معطّما ألحانه وأغانيه بنكهة من كل هذا المزيج الرائع ــ وأحيانا بابتكار بديع ـ منطلق من حسه الفني العميق ـ بكل نجاح وقدرة فنية متمكنة ومميزة في تقديم أغنيات في منتهى الروعة و الإبداع الفني الجميل ..
و إذا عرفنا أن والده عربي ووالدته كردية. فيجب أن لا نستغرب خلفيته الفنية الثرية الزاخرة التي يغرف منها لتطوير وتنويع وتجديد أغانيه و ألحانه لتأخذ بعدا فنيا مبهرا ..
مثلما نجح المغني والملحن المصري محمد عبدالوهاب ، وكذلك الأخوان الرحباني ــ مثلا ــ في الاقتباس المبتكر والمتجدد من أنغام أغان و وسمفونيات غربية لتقديم أغان في منتهى الروعة لا زالت مرغوبة ومحبوبة من قبل المستمع العربي حتى الآن ..
ولكن ما يدعو إلى مؤسف و أسى حقا : هو تعرض المغني إبراهيم تاتليس لعملية قتل متعمدة من قبل أحد المتعصبين بإطلاقه رصاصة نحو رأسه ، الأمر الذي جعله نصف مشلول ..
كأنما مكافأة على ما خلقه و يخلقه لملايين الناس ــ، طبعا عبر أغانيه المذهلة بعذوبة سحرها و رقتها ــ من أفراح و متعة فنية و وأوقات تنفيس مريحة عن ضغوط الحياة الخانقة ..
https://www.facebook.com/reel/753229516961820