بعد ان ادمن عليه الجميع.. العالم الافتراضي يسرق اصالة تواصلنا الاجتماعي

في عالم يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا، تبدي شركة “أوبن إيه آي” مخاوفها من تأثير التفاعل مع الذكاء الاصطناعي على العلاقات الإنسانية. فالتطورات قد تدفع المستخدمين إلى تفضيل التفاعل الآلي على حساب التواصل البشري.

ولكل شيء فوائد وأضرار، فكما بات الإنترنت شريكاً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه في كل مجالات الحياة سواء العملية أو العلمية أو حتى الاجتماعية، إلا أنه في الوقت نفسه وعبر تقنياته الحديثة مثل الماسنجر والشات وفيس بوك ـ أدى إلى بعض المشكلات النفسية للشباب والفتيات الذين تحوّلوا بفعل الطفرة التكنولوجية، إلى مدمنين ما أصابهم بـ”الانطوائية”، والتمرد على الواقع، والانعزال عنه.

عزلة اسرية

تاثيرات عديدة سواءً النفسية أو الجسدية قد تؤدي إلى عزوف الكثيرين عن الواقع الافتراضي أو استخدامه، وهو واقع أو مرحلة تقنية بدت أنها التطوّر الطبيعي للأجهزة التي نقوم باستخدامها يوميًا، لكن للأسف مُخالفتها للواقع والاتجاه التقني قد يحول دون ذلك.

وللتحقق من ذلك قام علماء وفريقه بإجراء دراسة أطلقوا عليها اسم “Surfing alone” أو “تصفـُّح الإنترنت وحيدا” جمعوا فيها بيانات إحصائية سنوية من كل المقاطعات الألمانية، وقاموا فيها بإجراء مقابلات مع نفس الأشخاص في كل مرة طارحين عليهم عدة أسئلة تتعلق بأصدقائهم الذين يلتقون بهم بشكل متكرر وعن عدد مرات ذهابهم إلى المسرح والسينما وعما كانوا يقومون بأي عمل سياسي أو نشاط تطوعي، ويقول فوسمان عن هذه الدراسة: “وجدنا على الأقل أن السلوك الاجتماعي للأشخاص الراشدين لم يتغير كثيراً بالإنترنت مقارنة بالسابق”.

حيث وجدواإذن أن شبكة الإنترنت لا تؤثر على السلوك الاجتماعي بشكل سلبي بل إنها تشجع النشاط الاجتماعي. ولكن من ناحية أخرى قد يكون الأشخاص الذين يمتلكون شبكة إنترنت سريعة ذات نطاق توصيل كبير للمعلومات الرقمية أكثر نشاطا على الشبكة وبالتالي أكثر انغلاقا وانطواءً على أنفسهم اجتماعيا ما يؤدي إلى عزلتهم اجتماعيا؟

تآكل النسيج الاجتماعي

يعتبر تطور وسائل التواصل الاجتماعي من أسرع الظواهر التي نعيشها اليوم، وهذه الظاهرة حديثة جدًّا، إذ تعود بداية استخدامها إلى إطلالة القرن الحالي، وبالتحديد عند وصول أول موقع للتواصل الاجتماعي (MySpace) إلى مليون مشارك عام 2004.

أما اليوم فهناك العديد منها ويبلغ عدد مستخدميها أكثر من 4.8 مليارات مستخدم، أي ما يعادل 60% من سكان العالم، وهذا الرقم يزداد سنويًّا بما يقارب 150 مليون مستخدم، والأهم من ذلك أن معدل الوقت الذي يقضيه كل مستخدم يصل إلى حوالي ساعتين ونصف يوميًّا، بمعنى أن عدد ساعات استخدام هذه الوسائل يصل إلى حوالي 12 مليار ساعة يوميًّا.

هذه الأرقام تعطي فكرة واضحة عن انتشار هذه الوسائل، ولعل أحد أهم أسباب ذلك، هو أنها في ظاهر الأمر “مجانية”، أي أن المستخدم لا يدفع شيئًا مقابل الاستخدام، وهي فكرة خاطئة تمامًا لأن الخدمة إذا كانت مجانية فإن المستخدم هو الذي يكون البضاعة، وذلك من خلال قيام الشركات المالكة لهذه الوسائل باستخدام وقت المتابعة لتسويق البضائع، تدل على ذلك الأرباح الخيالية التي تجنيها تلك الشركات، حيث تبلغ القيمة السوقية لشركة ميتا المالكة لفيسبوك وواتس أب وإنستغرام حوالي 730 مليار دولار، وتعتبر إحدى أكبر عشر شركات في العالم.

ولطالما استند سبب وجود منصات وسائل التواصل الاجتماعي على فكرة جعل العالم أكثر انفتاحا وإنسانية من خلال تعزيز التواصل. وفي الحياة الواقعية، يجعلنا لقاء أشخاص مختلفين منفتحين ويعطينا رؤية أكثر وضوحا عن الآخرين. لذلك، من المفهوم أن يعتقد الكثيرون أنه يمكن تطبيق المبدأ نفسه على الإنترنت.

ولكن اتضح أن جوهر التواصل عبر الإنترنت لا يحقق هذا الهدف. فعلى الإنترنت، غالبا ما نكره الأشخاص المختلفين، وهذه الكراهية تشكل سياستنا بشكل متزايد.

وتآكل النسيج الاجتماعي الذي تسببت فيه منصة فيسبوك وغيرها ليس من الآثار الجانبية لسوء الإدارة السيئة أو عيب في التصميم، وإنما يدخل في جوهر وسائل التواصل الاجتماعي في حد ذاتها، يقول التقرير.

ادمان

في عام 1996م، عرضت السيكولوجية الأميركية “كيمبرلي يونج” دراسة متخصصة بعنوان “إدمان الإنترنت.. ظهور اضطراب عيادي جديد”، وخلصت خلالها إلى أن أفراد العينة من مستخدمي الإنترنت كانوا يعانون من الأعراض ذاتها المصاحبة للّعِب المَرَضي للقمار، فتقول إنه باستخدام هذه المقارنة بين اللعب المَرَضي للقمار وإدمان الإنترنت، فإن الأخير يمكن تحديده بأنه حالة “اضطراب التحكم في الاندفاعية” التي لا تطلب موادَّ مُسْكِرة.

فيما شكا المراهقون الذين يقضون الكثير من الوقت في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي من أنّهم لا يستطيعون إيلاء الاهتمام بأشياء أكثر أهمية، مثل الواجبات المنزلية، أو قضاء الوقت مع أحبائهم.

ومن المحتمل أنّ دراسة جديدة نظرت للأمر بشكلٍ موضوعي، فهي وجدت أنّه بالنسبة للمراهقين الذين يُشخَّصون بإدمان الإنترنت، تعطلت الإشارة بين مناطق الدماغ المهمة للتحكم في الانتباه، والذاكرة العاملة، والمزيد.

والنتائج مأخوذة من مراجعة نُشرت الثلاثاء الماضي في مجلة “PLOS Mental Health”، نظرت لـ 12 دراسة خاصة بالتصوير العصبي لبضع مئات من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عامًا بين عامي 2013 و2022.

وكتب مؤلفو الدراسة: “أصبح الإدمان السلوكي الناجم عن الاستخدام المفرط للإنترنت مصدرًا للقلق بشكلٍ متزايد منذ العقد الماضي”.

وتضمنت معايير التشخيص السريري لإدمان الإنترنت في الدراسات المشمولة التالي: “انشغال الشخص المستمر بالإنترنت، وظهور أعراض الانسحاب عند الابتعاد عن الإنترنت، والتضحية بالعلاقات (من أجل) الوقت الذي يتم قضائه على الإنترنت على مدى فترة طويلة من الزمن (12 شهرًا مثلاً)”.

وقال المؤلف الأول للدراسة ومدير التوعية في مؤسسة “Peninsula Family Service” غير الربحية بسان فرانسيسكو، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، ماكس تشانغ: “إنّ نمط السلوك هذا يؤدي إلى خلل أو ضيق كبير في حياة الفرد”.

ونظرًا للحالة المتغيرة لأدمغة المراهقين مقارنةً بالبالغين، شعر المؤلفون أنّ فهم تأثيرات إدمان الإنترنت على أدمغة المشاركين المراهقين أمر مهم.

وعندما شارك أفراد تم تشخيصهم بإدمان الإنترنت سريريًا في أنشطة تحكمها شبكة الوظائف التنفيذية للدماغ، أي السلوكيات التي تتطلب الانتباه، والتخطيط، وصنع القرار، والتحكم في الدوافع، أظهرت مناطق الدماغ هذه اضطرابًا كبيرًا في قدرتها على العمل معًا، مقارنةً بتلك الموجودة لدى أقرانهم الذين لا يعانون من إدمان الإنترنت.

ويرى مؤلفو الدراسة أنّ مثل هذه التغييرات في الإشارات قد تشير إلى أنّ أداء هذه السلوكيات قد يصبح أكثر صعوبة، ما قد يؤثر على تطور الشخص ورفاهيته.

وقبل ايام وثق مقطع فيديو لحظة حمل عدد من الأطفال الصينيين بالقوة وإرسالهم إلى مراكز لعلاج إدمان الإنترنت، والذي يطلق عليه اسم “معسكرات التدريب”.

وأبان الفيديو عدد من الآباء والأمهات وهم يسلمون أطفالهم لعدد من الأشخاص المنتمين للمعسكر، فيما كان الأطفال يرفضون الذهاب معهم ويصرخون بشكل هستيري.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here