عهد جديد أم ربيع وهمي؟.. التقارب العراقي التركي وتحديات جغرافية الشرق الأوسط


2024-08-23
اعتبر موقع “نشرة أوراسيا” الأوروبي أن اجتماع العراق وتركيا وتطوير مشاريعهما المشتركة وتقاسم مواردهما وقدراتهما أمر “أكثر من طبيعي”، لكنه أشار إلى أن المصالح التجارية بين البلدين لا يمكن التقدم بها من دون مراعاة الأبعاد الأمنية في جغرافية الشرق الأوسط الحافلة بالحروب والصراعات والتطرف.

وذكر الموقع في تقرير مترجم ، أن العراق يعتبر خامس أغنى دولة في العالم من حيث الموارد النفطية حيث لديه نحو 10% من الاحتياطيات العالمية، ونحو 5% من إنتاج النفط العالمي، ما يجعله لاعباً محورياً في سوق الطاقة العالمية، إلى جانب امتلاكه 2% من احتياطيات الغاز في العالم.

تركيا وموارد الطاقة

وبرغم ذلك، قال التقرير إن العراق يعتبر أحد أكثر اقتصادات العالم اعتماداً على النفط، حيث تشكل عائداته 85% من ميزانية الدولة، وما يقرب من نصف إنتاجه المحلي الإجمالي، كما أن العراق برغم كل ثروته النفطية هذه، إلا أنه يكافح من أجل خلق فرص عمل لسكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة، ونحو 60% منهم تحت سن الـ25.

وفي الوقت نفسه، قال التقرير إن تركيا لا تتمتع بنفس حظ جارها الجنوبي الشرقي فيما يتعلق بموارد الطاقة، مضيفاً أنه برغم أن تركيا ظلت بين أكبر 20 اقتصاداً في العالم، بعدد سكان يصل إلى 85 مليون نسمة، فإن مواردها المحدودة في الطاقة، تمثل عقبة رئيسية أمام استمرار نموها اقتصادياً.

ولهذا، أكد التقرير أنه “لا يمكن أن يكون هناك شيء أكثر طبيعية لهذين البلدين، اللذين عاشا معاً على الأراضي العثمانية منذ منتصف القرن السابع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانا جارين منذ ما يقرب من 100 عام، من أن يجتمعا ويطورا مشاريع مشتركة تسمح لهم بتقاسم مواردهما وقدراتهما”.

إلا أن التقرير اعتبر أنه من المستحيل في ظل جغرافية الشرق الأوسط، إنجاز المشاريع التجارية دون مراعاة للبعد الأمني، مضيفاً أن التطورات الأخيرة بين العراق وتركيا تشير أيضاً إلى وجود عملية يتم فيها العمل على كلا البعدين معا.

المذكرة “التاريخية”

وذكرّ التقرير بالمحادثات التي جرت في أنقرة الأسبوع الماضي والتي ترأسها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، والتي تضمنت الأبعاد الأمنية، من خلال “مذكرة التفاهم حول التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب”، وهي مذكرة وصفت بـ”التاريخية” وتتضمن إقامة مراكز أمنية مشتركة في الأراضي العراقية وبذل جهود لمكافحة الإرهاب، خصوصاً ضد حزب العمال الكوردستاني.

وتابع التقرير أنه بينما تتواصل المحادثات المتعلقة بالأمن، فإنه يتم أيضاً تنفيذ العمل في مشروع “طريق التنمية” الذي يستهدف ربط ميناء الفاو، أحد أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ العراق، بتركيا عبر طريق سريع وسكك حديدية، ونقل البضائع من دول الخليج وآسيا إلى أوروبا، حيث سيشمل المشروع طريقاً سريعاً بطول 1130 كيلومتراً وخط سكة حديد بطول 1200 كيلومتر.

ولفت التقرير إلى أنه من المتوقع أن يقلل المشروع من الوقت الذي يتطلبه نقل البضائع بين ميناء شنغهاي الصيني وميناء روتردام الهولندي من 33 يوماً إلى 15 يوماً من خلال خلق طريق بديل لقناة السويس.

وتابع أن المشروع حقق تقدماً من خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى بغداد في نيسان/ أبريل الماضي، حيث جرى التوقيع على مذكرة تفاهم بين العراق وتركيا وقطر والإمارات.

وتحدث التقرير عن وجود أمال كبيرة لهذا المشروع، حيث أن الحكومة العراقية ترى أنه إلى جانب نقل النفط والغاز، فإن هذا الطريق سوف يقلل بشكل كبير من كلفة التبادل التجاري بين جنوب شرق آسيا، وخاصة الصين، وأوروبا، مما يقود إلى خلق من الفرص الاقتصادية.

وتابع التقرير أن بغداد وإيماناً منها بأن هذا المشروع يمكن أن يحل أيضاً أوجه الضعف في البنية التحتية في العراق، فأنها تحاول توسيع تعاونها مع تركيا، مضيفاً أن تدشين خط نقل الكهرباء بين العراق وتركيا في تموز/ يوليو الماضي يمثل شهادة على هذه الشراكة المتنامية.

ورأى التقرير أن هذا الخط الجديد يعكس الديناميكيات الجيوسياسية المتحولة في المنطقة، حيث أن بغداد تتجه أكثر نحو تركيا بينما تحاول تقليل اعتمادها على الكهرباء الإيرانية.

حزب العمال الكوردستاني

وبشكل مشابه، قال التقرير إنه بالإمكان النظر إلى قرار بغداد بإدراج حزب العمال الكوردستاني كمنظمة محظورة بناء على طلب تركيا وحظر أنشطة ثلاثة أحزاب مرتبطة بهذا الحزب، في هذا السياق نفسه، مضيفاً أنه يبدو أن حكومة بغداد تقبلت أيضاً أنه من أجل إنجاز هذا المشروع، فإنه يتحتم تطهير شمال العراق من حزب العمال الكوردستاني.

وبعد الإشارة إلى قرار إلغاء التأشيرات للمواطنين العراقيين الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً وأكثر من 50 عاماً، قال التقرير الأوروبي أنه بالنظر إلى كل هذه الأمور، يمكن القول ربما إن عهداً جديداً قد بدأ بين العراق وتركيا.

وتابع التقرير قائلا إنه “بعد سنوات من الخلافات حول موارد الماء، والنفط، ووجود حزب العمال الكوردستاني، فهل يبدأ عهد جديد بين هذين الجارين؟ أم أنه ربيع وهمي جديد في الشرق الأوسط، حيث يمكن حتى لأكثر المشاريع طموحاً أن تنهار بكبسة زر واحدة؟”.

طريق التنمية

وحذر التقرير من أنه لا يمكن القول إن مشروع “طريق التنمية” سيتحقق السهولة، حيث أنه يواجه منافسة حادة من قبل العديد من المبادرات الجيوسياسية والجيواقتصادية الواسعة، من بينها “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، و”الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) ” المدعوم من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى خطط إيران لتحويل موانئها إلى نقاط مركزية للتجارة بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.

واعتبر التقرير أنه “من المستبعد أن يقف هؤلاء المنافسون على جنب لترك مشروع طريق التنمية ينجح دون اعتراضه”.

وفي حين لا يحتل العراق مكاناً أساسياً في خطط الطرق الصينية حيث أن الطريق الذي تقترحه بكين يمر عبر آسيا الوسطى وتركيا، وليس العراق، قال التقرير إن أولوية أنقرة هي أن تكون ممراً رئيسياً مباشراً بين الصين وأوروبا، ولهذا، فإن المرجح هو أن تعتبر تركيا أن “طريق التنمية” يشكل فرصة لتعزيز التجارة مع الخليج والشرق الأوسط بدلاً من آسيا، ومن المحتمل أن تواجه اختلافاً في الهدف مع العراق في هذا المجال.

وأوضح التقرير أن احتمال أن يؤدي مشروع “طريق التنمية” إلى إضعاف سياسة إيران في الشرق الأوسط ونفوذها الإقليمي بشكل كبير، إلى جانب التأثير السلبي على التجارة مع دول الخليج، يزيد من تعقيدات الوضع.

وختم التقرير بالقول إن فكرة تطوير روابط اقتصادية وتجارية جديدة بين الدول وحتى القارات، اكتسبت دفعاً كبيراً في السنوات الماضية، حيث أن فكرة التعايش بسلام في عالم مترابط بالطرق تمثل فكرة شديدة الجاذبية، إلا أنه يجب ألا ننسى أنه في ظل الشرق الأوسط، حيث الأعمال العدائية والتوترات لا تنتهي أبداً، فإن مثل هذه المشاريع تثير إمكانية تأجيج المنافسة والصراعات والكشف عن التوترات الخفية، بدلاً من تعزيز رفاهية المجتمعات.

وخلص التقرير إلى القول إنه في ظل هذه “الجغرافيا الحافلة بالحروب والصراعات والتطرف والإرهاب، وحيث تنخرط القوى العظمى في صراع جيوسياسي، قد لا يكون التعايش السلمي مرغوباً للجميع”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, , ,
Read our Privacy Policy by clicking here