النيران والجفاف.. تنهيان حياة البساتين المعمرة في ديالى


2024-08-27
ثلاثة حرائق اندلعت قبل عدة أسابيع في بساتين زراعية عمرها يزيد على قرن من الزمن، تقع أقصى شمال شرقي ديالى، أتت النيران على ما فيها من أشجار ومزروعات كانت قد جفت بمرور الزمن، قبل أن تتمكن فرق الدفاع المدني من احتوائها، ولكن بعد فوات الأوان.

ووفقا للتحقيق الرسمي بالحادث فإن أسباب الحرائق مجهولة، لكن يبدو أنها لم تكن كذلك، فبعد فترة من الزمن جرى تجريفها وتقسيمها لبيعها كأراضٍ سكنية بحسب قرار 25 وغيره من القرارات التي تنظم العقود بين وزارة الزراعة والمزارعين منذ عقود.

ويقول المزارع أبو بهاء (77 عاما)،و يسكن قرية قرب بعقوبة، خلال حديث ، إن “80 بالمئة من الحرائق التي تصيب البساتين في مراكز المدن هي بنيران صديقة بغية تحويلها إلى أراضٍ سكنية”.

ويضيف أبو بهاء، أن “سعر قطعة أرض بمساحة 100 متر مربع يتراوح بين 18 إلى 35 مليون دينار وهناك قطع أراضي يصل سعرها إلى 50 مليون دينار وأكثر، خاصة تلك التي تقع ضمن دائرة خدمات متكاملة”.

ويبين أن “الخطوة الأولى للتجريف تبدأ بإهمال البستان وتركه حتى تجف أشجاره، ثم فجأة يحدث حريق مفتعل ليلتهم كل شي وتصبح الذريعة متوفرة في التقطيع والبيع السريع، ومن ثم تتحول في غضون أشهر إلى أزقة سكنية خاصة القريبة من المدن”.

ويؤكد أبو بهاء “أمتلك سبعة دوانم ضمن الجزء الجنوبي من مدينة بعقوبة وقد رفضت عروضا مغرية لتجريفها لأنها تحمل إرث عائلي يمتد لقرابة القرن، رغم أن سعر الـ100 متر يصل حاليا إلى 30 مليون دينار، أي سأتحول إلى مليارديرا بزمن قياسي ولكنني ما زلت متمسكا برأي وهو أن قتل البساتين خطأ فادح”.

يشار إلى أن حرائق البساتين المتكررة في ديالى، تسببت بحسب الإحصاءات المتوفرة بفقدان 250 ألف دونم من الأراضي الزراعية والبساتين من مجمل 500 ألف دونم، خلال العام 2022 فقط.

بدوره، يقر قائممقام قضاء بعقوبة عبد الله الحيالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “بعض الحرائق التي تصيب البساتين مفتعلة من قبل أصحابها أو المنتفعين من تحويلها إلى قطع أراضي سكنية فيما بعد لبيعها بأسعار مرتفعة مع وجود أزمة سكن خانقة في أكبر مدن ديالى”.

ويوضح الحيالي، أن “بعقوبة على سبيل المثال فقدت من 2-3 آلاف دونم من البساتين في غضون بضع سنوات بسبب حمى التجريف وتحويلها إلى قطع سكنية لاحتواء الزيادة الكبيرة في أعداد السكان، يرافق ذلك أيضا انتقال عدد أكبر من الأسر من الأرياف باتجاه المدن للعيش والاستقرار”.

ويشير إلى أن “مديري الأقضية لا يمتلكون الصلاحيات الكافية لمواجهة تجريف البساتين وكل ما لديهم هو رفع دعاوى قضائية وهناك بالفعل أكثر من 100 قضية أمام المحاكم بانتظار صدور أحكام بحق مزارعين قاموا بتجريف البساتين”.

ويطلق على محافظة ديالى التي تقع شمال شرق العاصمة بغداد، لقب “مدينة البرتقال”، غير أن هذا اللقب بدأ يتلاشى تدريجيا مع استمرار ظاهرة تجريف بساتينها.

ويلقي مزارعون في مناطق مختلفة من هذه المحافظة، باللائمة على الحكومة بسبب قلة الدعم وشح المياه والآفات الزراعية، إضافة إلى عدم تحقق الجدوى الاقتصادية من استمرار عمل المزارعين فيها، ما دفع الكثيرين إلى تقطيع مساحات بساتينهم إلى قطع صغيرة وبيعها، ليتم بناؤها دورا سكنية.

من جانبه، يلفت الموظف أحمد رؤوف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أنه “منذ 19 عاما وأنا موظف في مؤسسات الدولة ولم أفلح لغاية الآن بامتلاك منزل طابو، لذلك اضطررت إلى شراء قطعة أرض زراعية كخيار أخير لتشييد منزل لعائلتي، وقد كلفني ذلك كل مدخراتي”.

ويستدرك رؤوف “أنا أعلم أن ما قمت به هو مغامرة وأن الدولة قد تقوم بتجريف المنطقة لأن المنازل شيدت على أرض زراعية، لكنني ما زلت متشبث بأمل أن لا يحدث ذلك بل أنني أطمح أن تقوم الدولة بتمليكنا هذه الأراضي”.

وكانت الجمعيات الفلاحية في ديالى قد سجلت في صيف العام 2022، أكثر من 100 حريق، وهي الإحصائية الأقل منذ تسع سنوات وأدت إلى تضرر قرابة 300 دونم من البساتين.

إلى ذلك، يشرح تاجر العقارات سهيل علي (49 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “15 بالمئة من سكان بعقوبة هم من سكنة الأراضي الزراعية في الوقت الحالي، أي أن أزمة السكن خلقت ظروفا صعبة دفعت آلاف الأسر لشراء أراضٍ بملايين الدنانير من أجل الهروب من حمى الإيجارات رغم أن مصير الأراضي الزراعية التي تحولت إلى سكنية غير محسوم وحتى قرار تمليكها ما يزال يراوح مكانه”.

وينبه إلى أن “أسعار القطع الزراعية تنافس الطابو بل تتفوق عليه في بعض المناطق بسبب الخدمات بالمقام الأول، أما بخصوص الحرائق فبالفعل جزء منها بفعل فاعل ولكن لا يمكن البوح بذلك تجنبا للمساءلة القانونية”.

وكانت وزارة الزراعة قد أكدت في مناسبات عدة عبر بيانات صحفية وتصريحات لمسؤولين فيها، أن عمليات تجريف البساتين والأراضي الزراعية وتحويل جنسها إلى سكني أو تجاري يعد مخالفة قانونية ولا يتم بموافقات أصولية ورسمية من الجهات المختصة.

وشددت على أن مسؤوليتها هي إبلاغ السلطات المختصة والجهات التنفيذية لمنع استمرار هذه العمليات ومحاسبة المتجاوزين وفق القانون.

من جهته، يقول النائب مضر معن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحكومة تبنت قرار تمليك الأراضي الزراعية وفق نقاط محددة في عموم المحافظات، لكن حتى اللحظة لم يجري تنفيذه فعليا، وبات من الصعب إزالة أحياء كبيرة بذريعة أنها زراعية”.

ويضيف الكروي، وهو نائب عن ديالى، أن “تجريف البساتين والأراضي الزراعية يمكن أن ينتهي بين ليلة وضحاها من خلال توفير وحدات سكنية عبر بناء مدن وإجراءات الحكومة الأخيرة بهذا الصدد صحيحة وقد تخلق تغيرات نوعية في أزمة السكن المتفاقمة منذ سنوات طويلة”.

وأقر مجلس الوزراء برئاسة محمد شياع السوداني في جلسته الاعتيادية السادسة 28 تشرين الثاني نوفمبر 2022، تمليك الأراضي التي تم تغيير استعمالها لأغراض السكن.

وتضمن القرار تعديل أمانة بغداد والمؤسسات البلدية في المحافظات، التصميم الأساس للمدن وتغيير الاستعمالات المختلفة للأراضي المشيّدة عليها وحدات سكنية بشكل عشوائي والمملوكة للدولة، والمشيدة قبل صدور هذا القرار.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here