2024-08-29
بغداد
ملفات عديدة دعت الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، لوضع العراق على رأس وجهاته الخارجية، ويؤكد مراقبون للشأن السياسي أن أبرز هذه الملفات ما يتعلق بالجانب الاقتصادي.
ويرى المراقبون أن سياسة بزشكيان والعلاقة بالفصائل العراقية لا تميل نحو التصعيد العسكري ضد الوجود الأمريكي، في وقت شددوا على ضرورة أن تفاوض بغداد طهران، على ملف الفصائل وتهريب الأموال والمخدرات والماء والطاقة.
وحول اختيار بزشكيان العراق كوجهة أولى لزياراته، يقول المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث ، إن “الرئيس الإيراني لا يملك خيارات عدة ليفضل أحدها على غيرها في وجهات زياراته الخارجية، فكما نعرف أن حلفاء إيران المقربين سوريا ولبنان واليمن دول ضعيفة، ليس من الحكمة أن يقع اختياره عليها، كما أن بين طهران والدول الإقليمية مطبات سياسية ودبلوماسية كثيرة لم تسمح له أن يختر أياً منها، لذا أن العراق هو خياره الوحيد المتاح”.
ويعتقد حيدر أن “زيارة الرئيس الإيراني المرتقبة إلى بغداد تتعلق بشكل كبير بالملف الاقتصادي، فالعراق هو الرئة الاقتصادية الأهم بالنسبة إلى بلاده، سواء على مستوى الصادرات التي تجاوزت 3 مليارات دولار خلال الربع الثاني فقط من هذا العام، أو على مستوى الغاز والكهرباء، فضلاً عن ملف تهريب العملة وغسيل الأموال الذي مازال العراق متورطا به الى حد كبير وتعتبر طهران احد المستفيدين الأساسيين منه”.
وحول سياسة الرئيس الجديد في العلاقة مع الفصائل العراقية، يرى أن “طهران قررت تبني سياسة خفض التصعيد في المنطقة لأسباب عدة منها داخلية وخارجية، وقد تجلى هذا الخيار منذ قبول المرشد الإيراني ترشح الرئيس الحالي الإصلاحي لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت بعد مقتل الرئيس الإيراني السابق في حادث تحطم الطائرة”.
ويشير إلى أن “أحدا لا يشك في أن الفصائل المسلحة في العراق وكلاء طهران التي توظفها في علاقاتها المتأزمة مع الولايات المتحدة الأَميركيَّة، فإذا كان قرار طهران هو الالتزام بسياسة خفض التصعيد فان نشاط الولاء سينخرط في هذه السياسة كجزء لا يتجزأ منها، فالفصائل، كما هو معروف، لا تمتلك قرارها وإنما يملى عليها من خارج الحدود”.
ويعرب المحلل السياسي عن أمله في “أن تضع بغداد كل الملفات المعقدة على طاولة المفاوضات مع الضيف الإيراني، وعلى رأسها؛ ملف دعم الفصائل المسلحة التي تنشط خارج سلطة الدولة وملف تهريب العملة وتهريب المخدرات وملف المياه والكهرباء والغاز”.
وأكد السفير الإيراني لدى العراق محمد كاظم آل صادق، أمس الأربعاء، بحسب إرنا الإيرانية الرسمية، إنّ “بزشكيان سيزور العراق على رأس وفد رفيع المستوى قريباً، تلبية لدعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني”، مشيراً إلى أن “الزيارة ستتم بعد نحو أسبوعين، والهدف منها هو توسيع العلاقات وتعميقها في مختلف المجالات، وإبرام اتفاقيات كان من المقرر أن يوقع عليها الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي”.
ووجه السوداني، في شهر تموز يوليو الماضي، دعوة رسمية إلى الرئيس الإيراني بزشكيان لزيارة العراق.
وكان بزشكيان قد أكد أن بلاده تولي اهتماماً كبيراً للعراق، وذلك خلال اتصال هاتفي مع رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، حسبما أعلنته وسائل إعلام إيرانية رسمية في مطلع شهر تموز يوليو الماضي.
من جهته، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زيارة الرئيس الإيراني أمر طبيعي، فعلاقات العراق مع إيران الدولة في إطار ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ عدم تدخل إيران في الشؤون السيادية للعراق وبناء العلاقات على أساس المصالح المتبادلة ستبقى ذات أهمية، خصوصا أن معدل العلاقات التجارية ارتفع لأكثر من 11 مليار دولار سنويا، ومازال العراق يعتمد على الغاز الإيراني بنسبة كثيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية إضافة إلى العديد من الملفات”.
ويضيف فيصل أن “المشكلة تكمن في العلاقة بين العراق وإيران الثورة، التي تتجسد بالعلاقة الوثيقة بين الحرس الثوري الإيراني مع الفصائل المسلحة العابرة للحدود سواء في أفغانستان أو باكستان أو العراق وسوريا ولبنان واليمن”.
ويتابع أن “هذه الإستراتيجية لبناء نظام إسلامي عالمي لا تمثل عناصر إيجابية في العلاقة بين الدولتين لأن هذا المنظور الأممي للحرس الثوري يأتي في إطار عدم الاعتراف بالحدود بين الدول وعدم اعتراف بالدول أصلا، إذ يسهم في تفكيك نموذج الدول الوضعية وبناء جمهوريات إسلامية من خلال تصدير الحرس الثوري للثورة بفرض أنموذج مسلح، وهذه واحدة من المشكلات المعقدة التي تواجه إيران وعلاقاتها الخارجية”.
وتلتزم بغداد وطهران باتفاقات وتفاهمات مشتركة، أمنية وسياسية واقتصادية، وتسعى حكومتا البلدين إلى تعزيز تلك العلاقات، حيث يهتم الجانبان العراقي والإيراني بملفات مشتركة عدّة،
من بينها الوضع الإقليمي في ظل أحداث متسارعة في المنطقة، خصوصاً حرب غزة والرد الإيراني المحتمل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.
ومن الملفات المشتركة التي يحرص عليها العراق وإيران ضبط الحدود المشتركة وتأمينها، وملف الاتفاقية الأمنية بين بغداد وطهران التي نصت على إبعاد المعارضة الإيرانية عن مناطق إقليم كردستان القريبة من إيران وتجريدها من سلاحها.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك ملفات عدة مهمة تربط العراق بإيران، وزيارة الرئيس الإيراني إلى العراق تأتي باعتبار الأخير محورا مهما في المنطقة وبدأ يؤدي دورا محوريا ويكون حلقة وصل بين العديد من الدول والمحاور، وزيارة السوداني إلى مصر وتونس الأخيرة خير دليل”.
ويضيف جودة، أن “الرئيس الإيراني يحمل ملفات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية مهمة لاسيما في ظل حصار اقتصادي تعيشه إيران، إضافة إلى الملفات التي تتعلق بالحرب الدائرة في غزة”.
وبشأن الفرق بين سياسة الرئيس الإيراني السابق والحالي، يتابع أن “إبراهيم رئيسي كان مرشحا لخلافة المرشد الإيراني الأعلى وهو يسير بناء على إستراتيجية الثورة الإسلامية في إيران، بينما بزشكيان رجل إصلاحي يميل إلى التهدئة لا إلى التصعيد، ويريد أن يمنح بلاده فترة استراحة للتخفيف من الحصار الاقتصادي الذي أنهكها”.
يذكر أن إيران، سبق وأن أعلنت عدم صلتها بالفصائل العراقية، وذلك عبر ممثليها في الأمم المتحدة، ونفت بشكل قاطع أي صلة بها، على عكس حزب الله اللبناني، الذي يعتبر الذراع الأبرز لإيران في المنطقة العربية.
وتنقسم إيران داخليا، بين جهاز المخابرات “الإطلاعات الإيرانية” والحرس الثوري، ويمثل الجناح الأول المحافظين، الذي ينتمي لهم الرئيس الجديد، فيما كان الرئيس السابق مقربا من الحرس الثوري، وهو الجهاز الذي ترتبط به معظم الفصائل المسلحة العراقية.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط