أشياء من هذا القبيل : رسائل إلكترونية من مقبرة نموذجية
بقلم مهدي قاسم
من الأب الميت إلى أبنه الحّي !
السلام عليكم من المقبرة النموذجية الجميلة و المُريحة حقا .. بحكم وجود إنارة و خدمة كهرباء بشكل دائم ، ليلا و نهارا.. بلا توقف .. فضلا عن ورود .. جزرات من أعشاب نضرة .. صنابير المياه دائمة تدفق ..فضلا عن دروب فرعية و مبلطة بشكل جيد والحق يُقال ..
و كما ترى .. فهؤلاء الحكام يحبون أن يروننا موتى ، لكي يقدموا لنا خدمات جيدة .
ولكن قبل كل شيء .. أحب أن أقول شكرا لله و للحظ و الصدفة المباركة التي جعلتكم تنسون لابتوب بين طيات كفني .. وأكثر حظا من كل هذا هو : إن مدة الاشتراك في الإنترنت لم تُنفد بعد ..
و أما بعد :
فأقول لك بصراحة : أنا لستُ باسف على موتي المبكر هذا ، لما قاسيته قهرا من شدة المعاناة والعذابات اليومية التي لم نر لها نهاية قريبة .. مما يعني بكل وضوح .. تخلصتُ من هذه الشرذمة الظالمة الجشعة ، عديمة الضمير والرحمة التي تسلطت على رقابنا كمجموعة عصابات خطيرة .. مرمرت و جزعت حياتنا و جعلتها بائسة ورثة ، طيلة كل هذه الأعوام الطويلة من القهر و الإحباط ، خاصة إن الخدمات التي يقدمونها لنا ــ نحن الموتى ــ في هذه المقبرة النموذجية حقا تضاهي خدمات فنادق خمس نجوم عندكم في بغداد ، و لا سيما ــ مثلما أسلفت قبل قليل ــ من ناحية وجود التيار الكهربائي طيلة الوقت ..
لذا فأرجو أن تكفوا بكاء و حزنا على رحيلي .. لإنني في نهاية المطاف قد ارتحت من كل المتاعب والقلق و الشعور بالقهر و الإحباط ، بل أنا نفسي قلق و حزين عليكم .. بسبب مرارة العيش و جحيم الأوضاع التي لا زلتم تعيشونها تحت سطوة هؤلاء الهمج المنفلتين غلوا و استهتارا ..
بالمناسبة تعرفتُ بين الموتى على جارنا الثالث الذي قضى في عملية انتحارية ، غالبا ما نخرج عصرا في نزهة طويلة ، نتحدث عن أيامنا الحلوة السابقة ، حينما كان لكل شيء قيمة واعتبارا و شرفا وأمانة و هيبة ، و نتفق إن موتنا المبكر ، ليس أمرا سيئا في بلد جعلوا منه جحيما لا يُطاق ..
تحياتي لأفراد العائلة فردا فردا متنيا لكم كل التوفيق ..
******
الرسالة الجوابية ، والدي العزيز :
فرحتُ كثيرا برسالتك .. بقدر ما فوجئتُ حقا .. فرحتُ أكثر حينما عرفتُ أنك مرتاح في وسط خدمات كاملة من خدمات كهربائية متوفرة طوال الوقت .. وهي النعمة التي نحن الأحياء ، لا زلنا محرومين منها .. ليس هذا فقط ، إنما مما زاد الطين بلة ، هو شحة المياه الصالحة للشرب يوما بعد يوم أو شهرا بعد آخر ! .. تصور هذا يحدث في بلد عُرف ــ على مدى التاريخ القديم و الحديث ــ ب” بلاد ما بين النهرين ” إلى حد حتى أوشكنا أن نكون أبناء بلد ما بين صحراوين ههه .. عفوا !.. وهي ضحكة مريرة كما تعلم والدي الحبيب !..
سأزورك حتما في يوم الجمعة .. مع باقي أفراد العائلة .. بل سأنصب خيمة عند محاذاة قبرك..لأعيش بقرب منك إلى أبد الآبدين ..
سلامنا ومحبتنا جميعا والدي العزيز !..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط