التضاد المتناقض بين جمال الشعر المبهر و بين مديح الجلاد

التضاد المتناقض بين جمال الشعر المبهر و بين مديح الجلاد *
بالأحرى : الصانع الأمهر ــ حسب وصف الشاعر توماس ستيرنس إليوت ــ للشاعر الأمريكي عزرا باوند الذي تركوه و شأنه بعد وفاته احتراما لحرمة الموتى** ..
بقلم مهدي قاسم
الشعر الجميل و الرقيق الشفاف ، في مقابل القسوة الوحشية والدموية للسلطات الشمولية والفاشية ..
برزخان لا يلتقيان أبدا ..
مهما بدا هذا الشعر مزوّقا لفظا ومعنى .. وشاعره مقتدرا و متمكنا .. ومن أي طرف كان أو إلى جهة ينتمي *..
فالشعر الإبداعي الأصيل …………………..
كحالة اكتشاف دائمة للجمال الروحي الثري و الزاخر ، سواء غّما مثقلا أو تجليا عظيما ..
وكذلك كشفا عظيما لسحر الطبيعة الخلابة لحد الدهشة ، و التي في منتهى الجمال خلقا إبداعيا متفوقا دوما حتى على الإبداع البشري نفسه …
فضلا …..
عن السعي المضيء نحو كشف غموض الأكوان خطوة بعد خطوة ، ليبدو أكثر انبهارا و ذهولا ..
هذا الشعر الجميل والأصيل الذي كان دوما صنوا ورفيقا طيبا أو أنيسا مواسيا للإنسانية المعذبة ..
والذي تغنى دوما بأناشيد حب وعشق جياشة منذ الأزل وحتى نهاية الأبد ..
فلا يمكنه أن يكون صنوا لسلطة أو عقيدة همجية تزهق أرواح بشر كما لو كانوا ذبابا أو بعوضا .. من ثم بعد ذلك .. كأن شيئا لم يكن !!..
فجمال الشعر الأصيل لا يمكن أن يلتقي مع غلاظة و خشونة القسوة والوحشية أبدا أبدا ..
إذن …………………………….
فلا يدع أحد ما عاطفته الضيقة والمسطحة تسيطر أحيانا على قيمه الجمالية الراقية والإنسانية الحقة ..
هذا .. أن وُجدت إطلاقا ..
فأنا مثلا ــ عذرا لكلمة أنا قد تبدو متضخمة ــ لا يمكن أن يغريني أي وهم إبداع ” جمالي ” متواطأ أو ضليع مع قتلة وجلادين ، من هذا الصنف والقبيل ذات قسوة وحشية ساحقة..
** لم يغفروا لعزرا باوند تعاطفه مع الفاشية الإيطالية حينما كان على قيد الحياة ..
رغم أنه كان يُعد من أشهر الشعراء المجددين في أمريكا على الإطلاق ..
إلى درجة كان الشاعر الإنكليزي ــ الأمريكي سابقا ــ ت س إليوت قد أطلق عليه صفة ” الصانع الأعظم ” بعدما نقحّ له عزرا باوند و شذب مجموعته الشعرية المعروفة والشهيرة ب” أرض الخراب ” ذات الصيت المنتشر و الواسع بين قراء الشعر في العالم ..
ولكن رغم ذلك فأن سلوكه السياسي المشين و انحداره إلى مستوى التعاطف والتماثل البائس مع الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية وعمله في إذاعتها و إشادته بالأعمال الإجرامية الشنيعة والرهيبة للفاشيين الإيطاليين ، قد أدت إلى نبذه و ازدرائه ..
فضلا عن معاقبته بالحبس لعدة سنوات في أمريكا بعد انهيار النازية الألمانية والفاشية الإيطالية..
ثم تركوه و شأنه بعد وفاته دون أن يسيء إليه أحد ما بفضل إدراك قومه أنه للموتى حرمتهم التي يجب أن تُصان !..
خطرت على بالي هذه السطور و أنا أقرأ بين فترة و أخرى نبشا لأرواح شعراء عراقيين قد توفوا منذ فترة طويلة ، ومن خلال هذا ” النبش ” يأخذ بعض المعلقين أيضا رماح الإساءة بهدف الطعن بأرواح هؤلاء الشعراء الموتى !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here