انخفاض أسعار النفط: نعمة للمستهلكين أم عبء جديد على الفئات الهشة؟

شهدت أسعار النفط العالمية انخفاضاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، مما أثار جدلاً واسعاً حول تداعيات هذا التراجع على مختلف الطبقات المجتمعية.

ويُعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل، منها زيادة الإنتاج العالمي وضعف الطلب، فضلاً عن تقلبات الأسواق الاقتصادية والسياسية.

وفي حين قد يبدو تراجع أسعار النفط إيجابياً للمستهلكين من حيث انخفاض تكاليف الوقود والطاقة، إلا أن له تأثيرات سلبية على الطبقات الأكثر ضعفاً في المجتمعات، ولا سيما في الدول التي تعتمد اقتصاداتها إلى حد بعيد على عائدات النفط.

والطبقات العاملة والمتوسطة قد تواجه ضغوط متزايدة نتيجة تقليص النفقات الحكومية، التي غالباً ما تعتمد على إيرادات النفط لتمويل المشاريع العامة والبرامج الاجتماعية. ثم إنَّ تراجع أسعار النفط يمكن أن يؤدي إلى فقدان وظائف في قطاعات النفط والغاز، ما يزيد من معدلات البطالة، ويعمق الفجوة الاجتماعية.

وفي المقابل، قد تستفيد الطبقات المستهلكة من انخفاض تكاليف الطاقة والمنتجات المشتقة من النفط، ولكن التأثير العام للانخفاض يعتمد إلى حد بعيد على طبيعة الاقتصاد المحلي ومدى اعتماده على الموارد النفطية.

وتعتمد الحكومة العراقية، على ارتفاع أسعار النفط فوق الـ70 دولاراً للبرميل من أجل تغطية العجز الفعلي في الموازنة، الذي يبلغ 64 تريليون دينار، بالوقت الذي تراجعت أسعار النفط إلى أقل من 70 دولارا للبرميل، في ظل توقعات متشائمة حول مستقبل النفط وأسعاره.

وبحسب وثائق الموازنة التي نشرها الموقع الرسمي للبرلمان، تبلغ قيمة الموازنة 211 تريليون دينار عراقي (نحو 161 مليار دولار أمريكي) فيما يبلغ العجز نحو 64 تريليون دينار (49 مليار دولار).

وأشارت الوثائق إلى أن ارتفاع أسعار النفط من 70 دولارا في موازنة عام 2023 إلى 80 دولارا 2024 والقروض الخارجية والداخلية وبنود أخرى من شأنها تغطية عجز الموازنة.

ويشير مظهر محمد صالح، المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، إلى الدعم الذي تقدمه الدولة، ويؤكد أنه “يشكل دخلا حقيقيا غير مباشر للأسر عموما والأسر المحدودة الدخل على وجه الخصوص، ومنها ما تقدمه الحكومة من مواد في السلة الغذائية فضلاً عن الوقود المدعوم والأدوية المجانية للأمراض المزمنة وشبه المجانية الأخرى في العيادات الشعبية والمستشفيات وغيرها، يرافق ذلك فقرات مجانية حكومية كثيرة، وتسمى بالسلع العامة”.

ويبين، إن “هذا الدعم يشكل وحده اليوم نسبة تقدر بنحو 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للعراق أو قرابة 25٪ من الإنفاق السنوي الكلي في الموازنة العامة الاتحادية، وهذا ما يجعل العراق من ضمن بلدان المسماة بنظم الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية”.

وتابع المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، إنه “قدر تعلق الأمر بالعراق الذي ما زالت الموازنة العامة الاتحادية الصادرة بالقانون رقم 13 لسنة 2023 (الموازنة الثلاثية) تتحوط بعجز افتراضي سنوي يقارب 64 تريليون دينار وسعر برميل نفط لأغراض تقييم عوائد النفط في الموازنة خلال العام المنصرم بنحو 70 دولاراً للبرميل (كمتوسط للسنة المالية)، لذا فإن السياسة المالية تتولى تفعيل الإجراءات الاحترازية اللازمة لاستدامة النفقات، وعلى وفق الأولويات والمبادئ التي خطها قانون الموازنة العامة الاتحادية نفسه سواء في تمويل العجز عند الضرورة أو في ترتيب أولويات الإنفاق العام”.

ويقلل صالح، من خطورة تأثر رواتب الموظفين بانخفاض سعر النفط.”

ويقول، إنه “لا توجد أزمة رواتب إطلاقاً في العراق عبر أولويات تنفيذ السياسة المالية العراقية، فهي مجرد شائعات أو تكهنات تطلق بين الحين والآخر ليس إلا، وتُبنى على التقلبات الراهنة في أسعار النفط”، مبيناً أن “الرواتب والمعاشات والرعاية الاجتماعية هي أولوية أولى في النفقات العامة لكونها تمس الحياة المعيشية لشريحة واسعة جدا من الشعب العراقي”.

وأضاف، إنه “وفق نظام العائلة فإن الرواتب والمعاشات وتخصيصات الرعاية الاجتماعية تشكل (قرابة 70٪ من النفقات التشغيلية) في الموازنة العامة السنوية، ولها الأولوية في الإنفاق”، موضحا أن “الرواتب أو المعاش التقاعدي أو مخصصات الرعاية الاجتماعية تمس حياة الأسرة العراقية بشكل أو بآخر، لذلك فهي ضمان جوهري من الدولة للفرد العراقي في توفير سبل العيش”.

من جهته، يقول عضو المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، إن “الموازنة مبنية بنسبة 90% على الإيرادات النفطية، وكلما تغير سعر النفط سيكون هناك تأثير مباشر في الموازنة، ولذلك كلما انخفضت أسعار النفط العالمية سيكون هناك عجزا في نسبة الإنجاز للموازنة”.

ويردف الكرعاوي، إن “الرواتب لن تتأثر لأن سقف الرواتب أقل بكثير من هذا السقف المعمول به في الموازنة، ولكن تتأثر الموازنة الاستثمارية بكل مباشر، وكذلك الموازنة التشغيلية للقضايا السلعية والخدمية بحسب الأولويات التي وضعتها الحكومة، وكذلك الحركة الاقتصادية بوجهٍ عام في البلاد، أما الرواتب فهي آخر ما سوف يتأثر”.

إلى ذلك، يشرح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي ، في تدوينة له على مواقع التواصل، إن “انخفاض أسعار النفط إلى 70 دولاراً مع انخفاض الصادرات العراقية النفطية إلى 3.3 مليون برميل يوميا سيؤدي إلى تراجع الإيرادات النفطية الشهرية إلى 9 تريليونات دينار يذهب منها تريليون دينار لتغطية نفقات شركات التراخيص النفطية، ويبقى 8 تريليونات دينار، وهي تكفي فقط لتمويل الرواتب بأشكالها المختلفة التي تبلغ 7.5 تريليون دينار شهريا، فيما سيخصص نصف تريليون دينار لتمويل مفردات البطاقة التموينية”.

ويضيف أن “أما باقي النفقات التشغيلية والاستثمارية فيجري تمويلها من الإيرادات غير النفطية الشحيحة، ومن الاقتراض الداخلي والاقتراض الخارجي”.

ويتابع، أن “الضرائب والرسوم سترتفع، وتتعاظم الديون، ويبدأ المسار التنازلي للاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي العراقي لأنه حائط الصد الأول والأخير في ضوء غياب أي صندوق سيادي في العراق”.

وعن الآلية التي تعتمد عليها وزارة النفط في تسعيرة النفط العراقي، يقول المتحدث باسم الوزارة، عاصم جهاد، إنه “قبل نهاية كل شهر تجتمع كوادر الوزارة لاستعراض تطورات السوق النفطية، وفي ضوء ذلك يتم تسعير النفط العراقي حسب النوعية والكثافة والأسواق، لذلك هي تسعيرة شهرية، وليست يومية، وتبرم عقود تسويق النفط إلى الشركات العالمية وفق هذه الآلية”.

ويوضح جهاد، إن “تطورات السوق النفطية إيجاباً أو سلباً لا تصيب العراق فقط بل الدول المنتجة والسوق النفطية التي دائماً ما تتعرض لتحديات وظروف جيوسياسية واقتصادية وصحية وأمنية وغير ذلك من التحديات التي تنعكس على أسعار النفط”.

ويكمل المتحدث باسم وزارة النفط حديثه بالقول، “لكن اتفاق أوبك بلس يهدف إلى تحقيق التوازن واستقرار الأسواق النفطية العالمية، وهذا ما تعمل عليه، حيث تصدت أوبك بلس للكثير من التحديات والظروف الصعبة التي واجهت الأسواق النفطية العالمية عن طريق اتخاذ مجموعة إجراءات بقرار جماعي لمواجهة هذه التحديات وإعادة العافية للسوق النفطية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here