2024-09-17
علي كريم
أعلن العراق خلال مشاركته في مؤتمر الأطراف العالمي حول المناخ (كوب 28) بمدينة دبي عام 2023، عن تأسيس “البنك الأخضر للتنمية” بغية تطوير المشاريع الصديقة للبيئة. وقدّر المسؤولون العراقيون أثناء افتتاحه، رأسمال البنك بـ400 مليار دينار، مشيرين إلى أن البنك يهدف الى استثمار 250 مليار دينار في السنوات القادمة.
وكما صرح القائمون على المصرف الذي وصف كأول مشروع أخضر من نوعه في المنطقة، فإن تأسيسه جاء لإدارة المشاريع والاستثمار فيها وليس لمنح القروض. أي أن المؤسسة الاقتصادية المعنية بالبيئة والإدارة المناخية تستلم الأفكار الخاصة بالمشاريع البيئية، وتتولى شركات في القطاع الخاص إدارتها وتقوم المؤسسة بوضع رأسمال المشروع في المصرف وسبل استثماره.
بحسب المعلومات المتوفرة، فإن نظام البنك الإداري يتشكل من مفوضية عليا مؤلفة من خبراء، ستحال اليه جميع المشاريع، وهي بدورها ستقرر فيما إن كانت تتناسب مع معايير المصرف أم لا، وهل المشروع صديق للبيئة ويؤدي إلى تقليل تأثيرات تغير المناخ. وللمصرف ثلاثة فروع رئيسية في العاصمة بغداد ومدن اخرى في شمال وجنوب العراق.
بعد مرور ما يقارب العام على إعلان المصرف الأخضر، لا زال الغموض يكتنف أعماله ومشاريعه ويمتنع القائمون عليه عن توفير المعلومات والبيانات، مبررين امتناعهم بأنهم يعلنون عن أعمال المصرف في وقت لم يحدد بعد. وقد بذل معد هذه التقرير جهوداً للحصول على معلومات حول مشاريع المصرف منذ الإعلان عن تأسيسه عام 2023، إنما دون نتيجة تذكر.
وبما أن العراق يعد من بين البلدان المتأثرة جداً بآثار تغير المناخ وجاء الإعلان عن المصرف كجزء من سياسات البلد الاقتصادية لمكافحة تلك الآثار وتقليل خسائرها عبر فرص عمل ومشاريع خضراء، تتجه الأنظار لما قدمه المصرف خلال الفترة الماضية وما سيقدمه لاحقاً.
في تصريحات تم الاطلاع عليها قال علي العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي خلال مراسيم افتتاح المصرف، إن “تأثيرات التغير المناخي شاملة وتؤثر على جميع سكان العراق، نفتخر بأن لدينا وزارة البيئة ويمكننا من خلالها مجابهة تأثيرات تغير المناخ. غالباً ما يوجهون إلينا أقاويل مختلفة بخصوص هذا المجال، لكننا بدعمنا للمصرف الأخضر العراقي الذي يعتبر فريداً من نوعه في الشرق الأوسط نثبت التزامنا بتقليل تأثيرات تغير المناخ”.
واوضح محافظ البنك المركزي بأن “المشاكل البيئية تؤثر بصورة مباشرة على التنمية الاقتصادية، في النهاية سيكون لهذا تأثير على استقرار سعر العملات ونسبة التضخم الذي نعمل عليها بشكل مباشر وهدفنا ضمان استقرارها. في الفترة الماضية، خصص البنك المركزي 1.3 ترليون دينار لتطوير مصادر الطاقة المتجددة وسنواصل دعمنا لهذا المجال”.
وعلى الرغم من محاولات عديدة، لم يستطع معد التقرير الذي تنشره “العالم الجديد” حصريا، الحصول على البيانات والمعلومات حول المصرف وآليات أعماله، ويعود سبب ذلك الى أن المصرف يفتقر الى مقر وعنوان ثابت في العاصمة بغداد وأية مدينة اخرى في العراق. بخصوص وسائل الاتصال، باستثناء رقم هاتف مدير المصرف، لا يوجد أية وسيلة اخرى للاتصال بالقائمين على المؤسسة، بما ذلك البريد الإلكتروني، بغية الحصول على المعلومات.
وقد بذل معد التقرير جهودا كثيرة مع رئيس مجلس الإدارة محمد شاكر، إلا أن الأخير امتنع عن التصريح وتوفير أية معلومات في الوقت الحالي، طالباً العودة اليه بعد شهرين مقبلين دون ذكر سبب لذلك. وعلى الرغم من المحاولة الحثيثة بغية الحصول على تصريح منه حول الأمور التأسيسية الأولى إلا أن رفض ذلك، ما دفعه الى اللجوء للبنك المركزي العراقي، حيث قال مصدر اشترط عدم الإفصاح عن هويته بأن “تأسيس (البنك الأخضر) خلال العام الماضي جاء كخطوة في محاربة التطرف المناخي. لكن البيروقراطية وعدم الجدية الحكومية تأتي في مقدمة الأسباب التي تقف عائقاً أمام التنفيذ الفعلي لمشاريع المصرف”.
وأشار المصدر الى أن كل شيء يعلن عنه في بداية الأمر في البلاد “يكون مُجَمّلاً وبراقًا لكن سرعان ما يصطدم بالإجراءات البيروقراطية والمحسوبية والضغط الحزبي، ناهيك ببحث كل طرف من الأطراف السياسية عن حصصه المالية في المشاريع الاقتصادية، لأنه وكما تعرفون يعود عدم نجاح الاستثمار المحلي والأجنبي للأسباب المذكورة أنفًا”، كما يقول.
وبحسب مصدر آخر في البنك المركزي اشترط أيضاً عدم الكشف عن هوتيه، ان أزمة المناخ التي يواجهها العراق مدفوعة بمجموعة عوامل كبيرة مما يحول دون تقدم البلد من جهة الحوكمة المناخية، حيث يقول المصدر، “انعدام الثقة المتزايد بين المواطنين بسياسات الدولة، الفساد، الآثار الاجتماعية والبيئية لعقود من الحرب، الولاءات الحزبية، الجماعات المسلحة التي تعمل دون عقاب والتدخل الإقليمي، تقف كل هذه العوامل أمام الجهود المناخية، وإذا لم يتم التصدي لها فإن آثار تغير المناخ وفي مقدمتها ندرة المياه والحرارة القياسية، قد تقوض جميع الجهود الطموحة التي يبذلها العراق من أجل التنمية”.
من جانبه، يشير مسؤول فريق التغيير المناخي في رئاسة الوزراء بمحافظة ميسان، أحمد جودة، إلى أن التغيرات المناخية هي ملف عالمي، وليست ملفا محليا فقط، وبالتالي يقتضي التعامل معها التنسيق مع الدول المجاورة والعالمية، أي أن الحلول تستوجب سياسة شاملة وليست حلولا محلية فقط.
على مستوى الحلول المحلية يقول جودة، إن “هناك بعض الحلول والاجراءات تتمثل بالتكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية كالأحزمة الخضراء حول المدن وأيضًا اتباع سياسات التحول من الطاقة التقليدية كالوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، حيث يقلل من الانبعاثات الكاربونية“. ومن شأن مثل هذه السياسات ان تؤدي الى تقليل التدهور البيئي الحاصل في العراق برأيه.
ملف المناخ بحسب جودة من المفاصل المهمة في الوقت الحالي وهنالك العديد من التوجهات في هذا المجال، إنما تحتاج إلى جدية أكثر من خلال مشاريع إعادة التدوير وإجبار الفلاحين على استخدام تقنيات الري الحديثة وزيادة مستوى التشجير، مشيراً الى أهمية إدخال مواضيع التغير المناخي إلى المناهج التعليمية أو على الأقل تنفيذ أنشطة مدرسية بهذا الخصوص إضافة الى المشاريع الاستراتيجية مثل استثمار الغاز المصاحب وتقليل الانبعاثات الكربونية.
وتُعد معالجة نقص المياه من الضرورات الملحة الآن، وذلك من خلال “خطط وسياسات لترشيد استهلاك المياه عبر استخدام طرق الري الحديثة ويمكن الاعتماد ايضا على الطرق الذكية في استخدام الطاقة الحديثة وغيرها كما يجب أيضًا زيادة الوعي بالسلوكيات المجتمعية حول التغيرات المناخية واثارها، كما يقول.
من جهته، يرى رئيس لجنة أزمة التصحر والجفاف حيدر سعدي، بأن أي نجاح يحققه المصرف الأخضر مرهون “ذلك مرهون بتعزيز الثقافة البيئية لدى المواطن العراقي، كون اهم اعمال البنك الأخضر هو تمويل المشاريع التي تساهم بالحد من التطرف المناخي ومعالجة التلوث البيئي”.
ويأمل سعدي، بأن يبدأ المسؤولون في البلاد بتعزيز هذه الثقافة، مشيراً إلى أن العراق قد بدأ منذ فترة قليلة بخطوات من شأنها أن تعزز الوعي البيئي وحماية البيئة بتشريعه بعض القوانين والمحددات والبرامج لمواكبة التطور في هذا المجال.
ويرى سعدي، بأن العراق يواجه تحديات بيئية خطيرة ناجمة عن التغيّر المناخي والجفاف والتراجع في الحصص المائية وتدهور الأراضي والتصحر والعواصف الترابية.
ويوضح أن هذه التحديات باتت تهدد الأمن الغذائي والصحي والبيئي والمجتمعي وتغيير الثقافة العامة، وأن هناك الكثير من المساحات والأراضي الخصبة قد جفت تماما.
ويضيف أن المياه الواصلة إلى الكثير من القرى والمناطق التي تعاني من الشح هي مياه ملوثة ومالحة، ولا تصلح حتى للاستخدامات البشرية والزراعية، وهناك ارتفاع في نسب تلوث المياه ما يشكل تهديداً على صحة المواطنين في تلك المناطق.
ويكشف عن رفض عدد من المحافظات كالنجف وكربلاء استقبال النازحين، وامتنعت عن منحهم الرُخص الأمنية الخاصة بالنزوح.
ويردف أن كل ذلك بروز مشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى خطيرة، بما في ذلك النزاعات العشائرية وارتفاع معدلات البطالة والتنافس على فرص العمل، وفيما يحذر من تداعيات وانعكاسات أمنية ناجمة عن الاكتظاظ والانفجار السكاني، يبين أن الأحياء السكنية أخذت تتوسع بصورة كبيرة، حيث أصبحت المنطقة المكونة من منطقتين أو ثلاثة تضم الآن أكثر من 10 مناطق سكنية تفتقر إلى الخدمات البلدية.
ويعد العراق من بين البلدان الأكثر تضرراً وهشاشة جراء أمام تغير المناخ وآثاره المتعددة، حيث تشهد البلاد انخفاضاً في إمدادات المياه وتسارع التصحر، مما يؤدي إلى فقدان ما يصل إلى 60 ألف فدان من الأراضي الصالحة للزراعة كل عام، وفقاً لمصادر الحكومة العراقية والأمم المتحدة. ويعد التلوث من بين تلك الآثار التي تهدد الصحة العامة والاقتصاد في البلد.
وتقول الخبيرة في المجال البيئي بأن الجزائري في هذا السياق، إن “التلوث البيئي في العراق تفاقم على نحو متزايد خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك جراء عوامل مختلفة في مقدمتها الاضطرابات والحرب والنزاعات السياسية، ما أدى إلى أضرار في البنية التحتية، وتسارع النشاط الصناعي غير المخطط، في استخراج وتكرير النفط والغاز وتوليد الطاقة الكهربائية”.
وتشير بأن الجزائري، إلى أن العراق فقد التربية البيئية أو الزراعية خلال الـ40 سنة الماضية، إذ أصبح المجتمع خاليا من إحدى أهم الثقافات التي تتعلق بحياة الإنسان والكائنات الأخرى، في وقت تهدد هذه الآثار الناجمة عن تغير المناخ سبل عيش وأمن سكان العراق البالغ عددهم 43 مليون نسمة، مما يخلق ظروفاً للنزوح وعدم الاستقرار وتدهور التماسك الاجتماعي.
وقد تفاقمت أزمة المياه حسب قولها، “بشكل مطرد وسط الجفاف الشديد جراء بناء السدود على الأنهر الدولية في كل من تركيا وإيران، ناهيك بزيادة الاستهلاك المحلي داخل حدود العراق”.
بناءً على بيانات محلية وعالمية، إن تأثير تغير المناخ يتزايد مع كل عام يمر، وكذلك عدد سكان العراق -الذي من المتوقع أن يصل إلى 80 مليونًا بحلول عام 2050– بينما تتناقص موارد البلاد. ترتفع درجات الحرارة في العراق أسرع بنحو سبع مرات من المتوسط العالمي، مما يقلل من مستويات المياه من خلال التبخر.
وبحلول نهاية القرن، من المرجح أن تنخفض مستويات المياه في نهري دجلة والفرات بنسبة لا تقل عن 30 في المئة وحتى 70 في المئة، مما يستلزم التخطيط بعيد المدى لإدارة الموارد، وخاصة في المناطق الزراعية.
لقد أدى فقدان سبل العيش الزراعية في المناطق التي تعاني من ندرة المياه بالفعل إلى تسريع الهجرة عبر المحافظات الجنوبية والوسطى في العراق وأثار نزاعات على المستوى المحلي حول تقاسم المياه. اعتبارًا من أيلول سبتمبر 2023، قدرت المنظمة الدولية للهجرة أن 130788 فردًا ظلوا نازحين بسبب عوامل تتعلق بظروف الجفاف وندرة المياه الحادة.
في الوقت الحالي، لا يزال تأثير تغير المناخ على العراق يتطلب المزيد من الإحصاءات والوثائق القائمة على الأدلة الموثوقة. ومع ذلك، توجد أعراضه، مثل زيادة في درجة الحرارة أسرع مرتين إلى سبع مرات من الارتفاع العالمي (Salman et al.، 2017)، ويقدر التصحر بأنه يتجاوز 92 بالمئة من إجمالي مساحة سطح البلاد (Haktanir et al.، 2004)، وانخفاض في هطول الأمطار بنسبة 50 بالمئة تقريبا على العراق والمنطقة المحيطة به، وانخفاض في الغطاء النباتي بنحو 62 بالمئة منذ عام 2008 (الفرج والدباغ، 2015). بشكل جماعي، على مستوى الدولة، يجب على العراق إدارة المقايضة التالية: التخفيف من التأثير المضاعف للتدهور البيئي الجانبي مع الحفاظ على النظام الاجتماعي والاقتصادي في نفس الوقت.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط