2024-10-06
في منتصف ليلة الثلاثاء على الأربعاء، 24-25 أيلول الماضي: وما إن أعلنت الساعة 12 ودقيقتان حتى فوجئنا بسيارات النقل البيك آب وغيرها تغزو شارع الستيني وسط أربيل، وشارع الـ100 متري وبقية الشوارع.. سيارات وعمال تزاحموا على كل متر أو أقل من مساحات الفضاءات وعلى جانبي الشارع، لتثبيت الآلاف من صور الدعايات الانتخابية، ولا ندري إن كانت هذه الفرق التي انطلقت في الدقيقة الأولى من بدء موعد الحملات الدعائية للانتخابات، قد خططت فيما بينها واتفقت على تقسيم المناطق، أم أن المسألة كلها عشوائية وقامت وفق المثل القائل “الذي سبق أكل النبق”، والفريق الشاطر هو الذي يقتحم ويتدافع من أجل الحصول على المواقع الذهبية ليثبت فيها صور المرشح الذي يدفع أكثر.
شوارع مدن وقرى وقصبات إقليم كوردستان اليوم تزدحم بصور 1190 مرشحاً موزعين ضمن ائتلافين و13 حزباً، و85 مستقلاً، إضافةً إلى 39 مرشحاً للمكونات، تشمل 139 قائمة انتخابية تطمح في الحصول على أصوات ما يقرب من 3 ملايين ناخب من أجل الفوز بمقاعد برلمان إقليم كوردستان الـ100 بدورته السادسة. ولكن هل هذه الكثافة في عدد ملصقات كل مرشح تتيح للناخب الاطلاع على صورته أو التعرف عليه وعلى الحزب أو القائمة المرشح ضمنها؟
الأكاديمي في علوم الإعلام والدعاية، عبد الرزاق أحمد، قال إن: “غالبية إن لم تكن جميع هذه الأساليب في الدعاية الانتخابية غير موفقة ولا تؤدي غايتها إن لم نقل إنها تشتغل ضد الغاية التي وجدت من أجلها، أي أنها لا تخدم المرشح ولا الحزب الذي رشحه”. مشيراً إلى أن الدعاية ومنذ سنوات طويلة علم قائم بذاته ويعمل في عدة اختصاصات، وفي مقدمتها الدعاية النفسية تماماً مثلما الحرب النفسية، وأساليب الدعايات الانتخابية سواء في عموم العراق أو إقليم كوردستان واحدة ومتأخرة ولا إبداع فيها، وهي عبارة عن تكديس آلاف الصور لملصقات تحمل صور المرشحين المحسنة بواسطة الذكاء الاصطناعي أو الفوتوشوب، مع اسم المرشح ورقم قائمته ورقمه في القائمة، حتى إنهم لم يثبتوا أي شيء من برنامجهم الانتخابي”.
وأشار إلى أن: “هذه الفوضى بأعداد الصور وأسماء المرشحين تُبعد المتلقي وتربكه، لهذا يجب التعامل مع الناخب بذكاء وهدوء وعرض عدد محدود من الصور مع استخدام أساليب دعائية أخرى مثل التلفزيون أو الإذاعة، أو الندوات الجماهيرية التي يتحدث المرشح خلالها عن برنامجه الانتخابي بلا وعود كبيرة”.
هناك دعايات انتخابية ضخمة للغاية، بل مبالغ في ضخامتها وتحجب رؤية بقية الصور والملصقات للمرشحين الآخرين، يقول مرشح من السليمانية لرووداو: “إن الأحزاب والقوائم لا تتحمل نفقات دعايتنا الانتخابية، يمكن هناك أحزاب تخصص ميزانيات متواضعة لطباعة دعايات انتخابية بمبالغ بسيطة، لكن هذه الدعايات المبالغ فيها تنفذ على نفقة المرشح ذاته معتقداً أن هذه المبالغة تضمن له الوصول إلى البرلمان”.
ونبّه إلى أن: “هذه المبالغة قد تكون نتائجها سلبية على المرشح ذاته، فالناخب يفضل التواضع ويأمل من المرشح المتواضع أن يتعاون معه ويقدم له الخدمات، بينما هؤلاء المرشحين الذين يظهرون للناخب وهم ينظرون إليهم من فوق، ومتكبرين فلا يأتمنون لهم”.
مرشحة أحد الأحزاب انسحبت من سباق الانتخابات في دهوك بسبب “عدم تخصيص ميزانية للدعاية الانتخابية” حسبما أوضحت :مفضلة عدم نشر اسمها. وقالت: “كيف لي أن أخوض السباق الانتخابي في ميدان فيه التنافس صعب للغاية بسبب الدعايات الانتخابية وتوجيه الدعوات وإقامة الولائم للناخبين في منطقتي الانتخابية، فأنا ليس عندي ما أنفقه من مالي الخاص، وأحتاج إلى نفقات وسيارة وصور دعائية حتى ولو متواضعة، وهذا لم يتحقق لي ففضلت الانسحاب”.
وأضافت أن: “على الأحزاب أن تدعم مرشحيها مادياً ومعنوياً، والعذر الذي تطلقه بعض الأحزاب مثل “إن حزبنا فقير ولا يملك الإمكانات المادية” غير مقبول، فالانتخابات معركة تنافسية سلمية وتحتاج إلى الإمكانيات لخوضها والانتصار فيها”.
ونحن نقطع شارع الستين متري المزدحم بالدعايات الانتخابية، حيث صور المرشحين تدلت حتى من جسور عبور المشاة، سألت سائق سيارة الأجرة التي كانت تقلني عن المرشح الذي استقر على منحه صوته، أو إن هذه الدعايات أرشدته لمرشح ما؟ أجاب قائلاً: “هذه الإعلانات ما تفيد.. أنا وعشيرتي سننتخب مرشحنا، أحد أبناء عشيرتنا، وغالبية الناس ستفعل هكذا، ينتخبون ابن عشيرتهم، أو إن أحزابهم يملون عليهم أسماء مرشحي الحزب”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط