2024-10-07
طرح مراقبون للشأن العراقي “خارطة طريق” لتجنب تداعيات الحرب في غزة وجنوب لبنان، تتضمن التحرك دبلوماسياً واستخدام التأثير السياسي لتقديم مقاربات لحل الأزمات، ويتزامن التحرك الخارجي مع إجراءات داخلية أبرزها حصر السلاح بيد الدولة.
وتأتي تلك الخطوات بعد رسالة التحذير التي وجهها رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى الرئيس الأمريكي جو بايدن ودول الاتحاد الأوروبي، بأن “المنطقة تقف على أعتاب منزلق خطير قد يجرّها والعالم لحروب مستمرة”.
خطوات لتجنب تداعيات الحرب
ويؤكد أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، الدكتور إحسان الشمري، أن “خروج العراق من الصراعات التي يمر بها الشرق الأوسط يكون بالالتزام بمبدأ التوازن الذي سارت عليه الحكومات العراقية، لكن المشكلة أن هذا المبدأ كُسر في حكومة السوداني، لأنها مشكلة مما يعرف بالفصائل المسلحة (فصائل المقاومة) وكانوا قد أعلنوا في بداية تشكيلها أن هذه الحكومة هي (حكومة مقاومة)”.
ويضيف الشمري ، “لذلك واحدة من أهم الخطوات، هي أن يعلن السوداني رسمياً تخليه عن هذا الوصف والعودة إلى مبدأ التوازن في علاقات العراق الخارجية، واعتماد خطاب خارجي يتسم بالحياد الشديد، وعدم استفزاز الأطراف العربية والدولية، وكذلك عدم إظهار العراق على أنه دولة جسرية أو مجرد ناقل للرسائل، حيث إن العراق لديه الإمكانية ليكون صاحب مبادرة في الكثير من القضايا، لكنه الآن فقد زمام المبادرة”.
ويشدد الشمري، على “أهمية أن تتحرك الحكومة دبلوماسياً باتجاه إيران والدول العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن لا تبقى قابعة في المكاتب بانتظار السفراء وإنما التحرك إلى تلك البلدان، لتعطي رسالة بأن العراق يقدم مقاربة لحل الأزمات الموجودة، واستخدام التأثير والصداقات التي يمتلكها العراق ليتجنب تداعيات الحرب في غزة وجنوب لبنان”.
وعن الخطوات في الداخل العراقي، يلفت الشمري إلى أن “الحكومة رغم أنها في الربع الأخير ولم يتبقَ لها سوى أشهر معدودة، لكن لتجنب العراق الحرب، عليها المباشرة بنزع سلاح الفصائل المسلحة، ويكون حصر السلاح بيد الدولة ليس شعاراً بقدر التحرك بهذا الخصوص”.
ويتابع، “ورغم أن الحكومة تقول إننا لسنا طرفاً في الحرب، لكن لا يزال العراق جغرافيا لاستهداف القواعد الأمريكية وحتى إسرائيل، لذا يجب عليها التحرك أمنياً بعد فشل الحوار مع هذه الفصائل”.
ويؤكد الشمري في نهاية حديثه، أن “العراق أصبح جزءاً من الصراع السياسي والعسكري من طبيعة الضربات والهجمات، وبسقوط قتلى إسرائيليين جعل العراق في دائرة الخطر، وهو الآن ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية حتى وإن تأجل الموضوع، لأن العراق حسب تصنيف نتنياهو ضمن محور الشر، وهذا لا يشمل الفصائل والحكومة وإنما النظام السياسي، لذلك العراق سيواجه منعطفات كبيرة بسبب إخفاق هذه المعادلة السياسية”.
بين قرار الدولة وقرار الفصائل
ويتفق مع ما طرحه إحسان الشمري، الخبير الأمني، مخلد الدرب، الذي أكد أن “بعد استهداف فصائل المقاومة قوة تابعة للكيان الصهيوني في مرتفعات الجولان وقتل اثنين وإصابة 24 آخرين والإعلان عنه رسمياً، جعل العراق ضمن بنك أهداف الكيان الصهيوني”.
ويشير الدرب خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن “الاستهداف من الداخل العراقي لمناطق خارج الحدود سيكون له تداعيات قد تظهر قريباً عبر استهداف أهداف استراتيجية داخل العراق أو استهداف شخصيات قيادية ضمن فصائل المقاومة”.
وينوّه إلى أن “المشكلة في العراق، هناك قرار الدولة وقرار الفصائل، أما الأولى في تحاول النأي بنفسها عن أي صراع في المنطقة وتحييد العراق عن أي استهدافات، لكن عمليات فصائل المقاومة تدحض كل ما تقوم به الحكومة وحتى بياناتها لا تجعل الكيان يتوانى عن استهداف الفصائل الذي هو حالياً في مواجهة مع محور المقاومة”.
ويرى الدرب، أن “ما يشهده لبنان هو استهداف لمحور المقاومة وليس للبنان الدولة، حيث إن الكيان يعتبر لبنان بلداً سيادياً ولا يمكن الوصول إليه ضمن عمليات الاستهداف خاصة المواقع السيادية والبنى التحتية، بخلاف استهداف فصائل المقاومة (حزب الله)، وهذا الحال سينطبق مع العراق، باستهداف فصائل المقاومة وليس العراق الدولة”.
السوداني و”المعادلة الصعبة”
من جهته، يقول الخبير العسكري والأمني، اللواء الركن الدكتور جمال الحلبوسي، إن “تصريح السوداني الأخير يضع العراق في معادلة صعبة فيها حدود متغيرة وأخرى ثابتة، وهذه المعادلة السياسية أصعب معادلة يمر بها بلد من ناحية وضعه الإقليم والعربي والدولي”.
ويبين الحلبوسي خلال حديثه، أن “العراق معروف بسياسة عدم الانحياز أو عدم الانجرار، حيث إن موقعه الجغرافي يحتم عليه أن يكون نقطة التقاء لكل السياسات، ورغم إرسال الحكومة رسائل اطمئنان للسفارات الأمريكية والغربية بأنها ضد أي تصعيد عسكري أو توسيع للحرب، لكن على أرض الواقع هناك قيادات لبعض القوى والميليشيات يجعلها في حرج”.
“خاصة وأن إسرائيل لديها القدرة على الاستمكان، وهو ما يخلق تخوفاً من الجانب العراقي، لذلك يحاول السوداني جاهداً العبور إلى بر الأمان من خلال معادلة وسطية معتدلة، والسيطرة على كل القوى بما فيها الفصائل المسلحة”، يقول الحلبوسي.
“نقف على أعتاب منزلق خطير”
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قال في رسالة وجهها الى الرئيس الأمريكي جو بايدن ودول الاتحاد الأوروبي، أمس الأحد، إن المنطقة تقف على أعتاب منزلق خطير قد يجرّها والعالم لحروب مستمرة.
وأضاف السوداني في بيان ، “مع مرور عام على اندلاع أحداث 7 أكتوبر 2023، واستمرار العدوان الصهيوني على غزة، وامتداده إلى لبنان الشقيق، وتهديد المنطقة بأسرها، يذكر العراق بموقفه المبكر، الذي حذر فيه من مغبة سعي الكيان الغاصب إلى توسعة الحرب والصراع ونتائج تركه يتمادى في ارتكاب الجرائم، وسط عجز المجتمع الدولي عن القيام بدوره”.
وتابع، “اليوم، في ظل التداعيات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، نوجه رسالتنا إلى كل الأصدقاء، وبالخصوص الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن، ودول الاتحاد الأوروبي بأننا نقف على أعتاب منزلق خطير قد يجرّ المنطقة والعالم إلى حروب مستمرة. ويهز الاقتصاد العالمي، ويعرّض التنمية إلى انتكاسة كبرى، لاسيما أن منطقتنا تمثل الرئة التي يتنفس منها العالم بالطاقة، وهنا لا بد لنا من أن نثمن الموقف المهم للرئيس الفرنسي السيد إيمانويل ماكرون، الذي دعا فيه لوقف توريد السلاح للكيان الغاصب، والعمل على إنهاء الحرب، لأنه موقف ينبع من تقدير حقيقي الخطورة الأوضاع في المنطقة”.
وقال السوداني، “لقد عملت حكومتنا بجهد كبير لتجنيب العراق آثار هذا التصعيد، ونجحنا في ذلك بمعيتكم وبالتعاون مع جميع الأصدقاء في العالم، وتتطلب المرحلة الراهنة مضاعفة جهودنا، وأن يكون على رأس أولوياتنا إيقاف استهداف المدنيين، وإنقاذ المنطقة من شرور حرب لا تبقي ولا تذر، ولن يكون فيها رابح سوى منطق القتل والتخريب والدمار، كما نؤكد أن العراق سيواصل جهوده ومساعيه مع الدول الصديقة والشقيقة، والعمل المشترك من أجل التهدئة، وعدم اتساع الصراع الذي يؤثر على أمن المنطقة والعالم”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط