بزشكيان بضيافة اربيل.. عندما تزيل “الدبلوماسية الناعمة” الأسلاك الشائكة


September 13, 2024
التقاریر
في اللحظة التي بدأ فيها الرئيس الايراني الجديد مسعود بزشكيان زيارته الخاصة الى اربيل، فإن خطوته الاستثنائية نظر اليها على انها من ثمار العمل الدبلوماسي الدؤوب الذي بذله رئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني خلال سنوات عديدة.

“الخبرة الايرانية” التي يتمتع بها الرئيس نيجيرفان بارزاني هي بالتأكيد من العناصر الاساسية التي ساهمت دوما في ترطيب الأجواء مع طهران، وردم الهوة معها، حتى عندما كانت الأجواء تتسم بالتوتر والحساسية والخلاف، وكانت الحنكة والمهارة في سياسة فتح الأبواب، تعجل في ايجاد تسويات ومهدئات لكل خلاف.

العبء الايراني ان صح التعبير، ليس تحديا عاديا، فإن من يحاول تحقيق توازن على خطوط الحراك السياسي ما بين طهران وبغداد واربيل وانقرة، يحتاج الى قدرات استثنائية، من قيادي يدرك تماما أين مفاتيح الأبواب المغلقة.

هناك ما لا يقل عن 6 زيارات للرئيس نيجيرفان بارزاني الى طهران خلال السنوات ال10 الماضية، آخرها كان للمشاركة بشكل شخصي لها دلالات كبيرة عند الايرانيين، في مراسم العزاء بالرئيس الايراني الراحل ابراهيم رئيسي في 22 ايار/مايو الماضي، وأعقبها في تموز الماضي للمشاركة في تنصيب بزشكيان.

وسبقت خطوة التعزية هذه، زيارة رسمية قام بها في 8 ايار/مايو، كانت الاولى منذ وقوع القصف الايراني في بداية العام 2024 على اربيل، وتفاقم التوتر في العلاقات، اذ ان بارزاني اختار ان يحمل ملفات الازمة والعلاقة الشائكة، ومفاتيحها، ويطرق ابواب طهران بجرأة، لمعالجة ذيول الخلافات، ففتح مرشد الجمهورية الايرانية السيد علي خامنئي الابواب على مصراعيها، ومثله فعل ابراهيم رئيسي وقتها، ووزير الخارجية الراحل حسين أمير عبداللهيان والامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي علي اكبر احمديان ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.

لطهران مكانة وتأثير خاص عند الكورد وكوردستان، كما هو الحال لنيجيرفان بارزاني التي أمضى فيها جزءا من حياته ما يمثل جزءا من سيرة ساعدته دوما في ترطيب الاجواء ومد خيوط التواصل والتفاهم مع القيادات الايرانية، ومن اجل ذلك كانت ابواب طهران دائما مشرعة له.

ولهذا، كما يقول مراقبون، فان يلبي الرئيس الايراني الجديد دعوة نيجيرفان بارزاني له لزيارة اقليم كوردستان، في اطار زيارته الخارجية الاولى منذ ان ادى اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية في 6 تموز/يوليو الماضي، تحمل الكثير من المعاني بالنسبة للاقليم والقيادة الايرانية وحتى بالنسبة الى العاصمة الاتحادية في بغداد، وذلك خصوصا ان دعوة بارزاني كانت وجهت الى الرئيس الراحل رئيسي قبل حادث تحطم طائرته.

وكان بزشكيان، ووالدته من اصول كوردية، وصل الى بغداد صباح الاربعاء تلبية لدعوة رسمية وجهها له رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني حيث التقى ايضا برئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، ورئيس مجلس النواب بالإنابة محسن المندلاوي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، بالإضافة إلى لقاء عدد من الزعماء السياسيين.

عندما ذهب بارزاني الى طهران في 8 ايار/مايو، كان يدرك، ان المبادئ المستندة على فكرة الحوار، هي التي بامكانها معالجة جذور التوتر الناشئ خصوصا بسبب الهجمات المتكررة التي شنها الحرس الثوري الايراني على مواقع في الاقليم، كان يقول انها لجماعات من المعارضة الكوردية الايرانية المسلحة، وهي زيارة وصف مسؤول ايراني وقتها استقبال المرشد خامنئي له خلالها، بانها تعكس “مكانة كورد العراق” لدى الايرانيين، في حين خاطب بارزاني مضيفه باللغة الفارسية من خلال تغريدة أكد فيها على رغبة الاقليم “بتعزيز العلاقة مع ايران على كافة الصعد”.

ويقول مراقبون ان زيارة بارزاني هذه، ساهمت في دفع الاتفاق الامني الموقع بين بغداد وطهران في العام الماضي، خصوصا فيما يتعلق بضبط الحدود وابعاد مسلحي جماعات المعارضة الكوردية الايرانية عن الحدود المشتركة، الى معسكرات بعيدة، وهي خطوة ساهمت بالتأكيد في اشاعة اجواء ثقة اكبر ما بين طهران واربيل وبغداد، وأدت ايضا الى تعزيز احساس مواطني الاقليم بالاطمئنان الى سلامتهم واستقرارهم، بينما وضع مراقبون ايرانيون زيارة نيجيرفان بارزاني في اطار “فتح صفحة جديدة” بين اربيل وطهران، بمحاولة طي خلافات الماضي.

الرئيس الايراني في اربيل، هذا ليس مشهدا عاديا في المشهد الاقليمي، وان يتمكن نيجيرفان بارزاني من تحقيقه، يؤكد على قدرته القيادية في السير بمركب الرئاسة وسط العواصف الى بر الامان. ويعتقد المراقبون ان رئيس الاقليم سيكون قادرا على نسخ خطوط علاقة طيبة مع بزشكيان الذي يوصف بانه الرئيس “الاصلاحي” الثالث في ايران، وهو الذي كرر خلال حملته الانتخابية، ثم بعد توليه الرئاسة، على سياسته الخارجية التي ستكون قائمة على الانفتاح على الجيران والاصدقاء بشكل اساسي، ومحاولة اصلاح او ترميم العلاقات مع الغرب، لمعالجة قضية الخلاف النووي.

ومن المعروف ان نيجيرفان بارزاني يتمتع بسمعة طيبة في العواصم الغربية الرئيسية، مثل باريس ولندن وواشنطن وبرلين، ويرتبط مع المسؤولين فيها بعلاقات موثوقة، وهم ما يتم التعبير عنه باهتمام هذه العواصم باستقرار وسلامة اقليم كوردستان. وبهذا المعنى، فان طرق بزشكيان ابواب اربيل كجار زائر، قد يسمع صداه الايجابي بعيدا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here