لعنة الحدود

حميد كشكولي

“لو كان هناك آخرون كثيرون يشمئزون من الحدود بين البلدان كما أشمئزّ أنا، لما بقي من أثر للحروب والمعوقات منذ زمن. فما من شيء على الارض أخسّ وأدعى إلى الغثيان من الحدود. أنها أشبه بالمدافع، أشبه بالجنرالات: مادام السلام والمحبة قائمين وعامين فما ثمة من يعيرهم اي انتباه- ولكن ما إن تنشب الحروب ويتسيد الخبل، حتى يغدو وجودهم ملحّا ومقدسا. وأشد ما كانوا يمثلون لنا الألم والسجن، نحن الجوالين، أيام الحربُ مشتعلة. فليأخذهم الشيطان!”
هيرمان هیسە – تجوال

يركز هذا المقطع على الرفض القوي للكاتب لمفهوم الحدود بين الدول، حيث يعتبرها رمزًا للحروب والصراعات، وسببًا رئيسيًا للتعاسة والمعاناة البشرية. يربط هيرمان هيسه بصورة مباشرة بين الحدود والحروب، معتقدًا أن وجود الحدود يشعل الصراعات. كما يصف الحدود بأنها “سجن” للأفراد الأحرار، خاصة المسافرين والمتجولين، معبراً عن اشمئزازه منها لأنها تزرع الكراهية والعداء بين الشعوب. يدعو الكاتب إلى تعزيز السلام والمحبة بين الأمم، ويرى أن هذه القيم هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الحروب والحدود. يستخدم هيرمان هيسه لغة شاعرية قوية للتعبير عن مشاعره تعبيرا مباشرا وعاطفياً، ويستخدم التشبيهات والمجازات لوصف الحدود ولغة قوية للتعبير عن رفضه للحدود. كما يستخدم هنا السخرية للتعبير عن رأيه في الحدود، ويصفها بأنها “أشبه بالمدافع” و”أشبه بالجنرالات”.

السياق التاريخي: كتب هيرمان هيسه هذا النص ضمن عمله الشهير “تجوال” في فترة تاريخية عاصرت العديد من الحروب والصراعات، مما يمنح آراءه حول مفهوم الحدود أهمية خاصة. يعكس هذا المقطع رؤية عميقة فيما يتعلق بالمشاكل التي تثيرها الحدود، ويدعو إلى التفكير الجدي في كيفية بناء عالم أكثر سلاماً وتسامحاً. تتسق رؤية هيسه مع وجهات نظر العديد من الأفراد الذين يعتبرون الحدود أدوات لإشعال الحروب، وهو موقف أثبت صحته من خلال التجارب المأساوية كالحرب العراقية الإيرانية وحرب الكويت، والعديد من الصراعات الأخرى. يعتقد هيسه أن الحدود تعمل كخطوط فاصلة بين الشعوب، مما يرسخ الشعور بالانفصال ويعزز الهويات القومية الضيقة. غالباً ما تكون الحدود مصدراً للمنافسة على الموارد والمناطق الجغرافية، مما قد يؤدي إلى نشوب الصراعات.
الحدود تعيق حركة الأشخاص والأفكار والسلع، مما يقلل من التفاعل بين الشعوب ويزيد من سوء الفهم والعداء. كما تستخدم الأنظمة، لا سيما الشمولية منها، الحدود أدوات للسيطرة على شعوبها ومنع الثورات أو الهجرات. لا تقتصر الحدود على الجوانب الجغرافية والسياسية فحسب، بل تمتد لتشمل أيضاً الحدود الثقافية والدينية والاجتماعية، والتي غالباً ما تكون أكثر تعقيداً وصعوبة في تجاوزها والتغلب على عراقيلها. عبر التاريخ، كانت الحدود تلعب دوراً محورياً وهاماً في تشكيل هوية الدول وتطور الحضارات، فقد عملت كحواجز حامية لكل مجتمع وثقافته الخاصة، ولكنها في الوقت ذاته كانت نقطة ساخنة للكثير من الحروب والنزاعات المدمرة التي دمرت أجيالاً عدة. ومع انتشار العولمة وزيادة الترابط الاقتصادي والثقافي بين الدول في زمننا الحالي، أصبح مفهوم الحدود أكثر تشابكاً وتعقيداً، حيث تتباين الأهداف؛ فبينما تسعى بعض القوى العالمية إلى تعزيز وتقوية الحدود لحماية مصالحها الوطنية وأمنها الداخلي، يسعى البعض الآخر إلى تقويض هذه الحدود بغية تعزيز التواصل والتعاون الدولي وفتح آفاق جديدة للتبادل والتفاعل الثقافي والاقتصادي.
وعلى الرغم من أهمية هذه الفكرة، إلا أن تطبيقها في الواقع يواجه تحديات كبيرة، مثل:
o التاريخ: الحدود السياسية الحالية هي نتاج تاريخ طويل من الصراعات والتغيرات السياسية، مما يجعل تغييرها أمرًا صعبًا.
o المصالح الاقتصادية: الحدود تلعب دورًا هامًا في الاقتصاد، حيث تحمي الدول منتجاتها المحلية وتفرض رسومًا جمركية على الواردات.
o الأمن القومي: تستخدم بعض الدول الحدود لحماية أمنها القومي ومنع التسلل والهجرة غير الشرعية.
لتحقيق هذا الهدف النبيل، يمكننا اقتراح بعض الحلول:
تشجيع التعاون الاقتصادي والثقافي بين الدول، وتكوين كتل اقتصادية إقليمية.
• تسهيل حركة الأفراد والبضائع: تبسيط إجراءات الحصول على التأشيرات وتخفيف القيود على التجارة.
• بناء البنية التحتية: إنشاء طرق وسكك حديد وشبكات اتصالات تربط بين الدول.
• تعزيز التعليم الثقافي: تشجيع تبادل الطلاب والأساتذة، وتدريس الثقافات الأخرى في المدارس.
• الحوار بين الثقافات: تنظيم المؤتمرات والندوات والفعاليات الثقافية التي تجمع بين ممثلي مختلف الثقافات.

أرى أن تحقيق عالم بلا حدود سياسية هدف نبيل يسعى إليه الكثيرون. ولكن هذا يتطلب جهدًا مشتركًا من قبل الحكومات والشعوب بقيادة نخبة واعية لا تحسب للحدود القومية والوطنية أي حساب، وملتزمين بالقيم الإنسانية المشتركة.

بعض البدائل المحتملة:
أؤمن بأن الحدود ينبغي أن تكون وظيفتها إدارية فقط، في حين يجب أن تتدفق الثقافة دون عوائق. أرى هذه الفكرة كمثال يسعى لتعزيز الوحدة الإنسانية وتشجيع التبادل الثقافي. الحدود الإدارية تخدم الهدف الأساسي المتمثل في تنظيم الشؤون الداخلية للدولة، مثل تسهيل تقديم الخدمات العامة وتقسيم المهام الإدارية. وتعتبر أقل تسبباً للنزاعات من الحدود السياسية التي غالباً ما ترتبط بالتاريخ والهوية الوطنية. الثقافة تعد إرثاً مشتركاً للبشرية، واحتجازها خلف حدود سياسية يؤدي إلى تفقير المجتمعات وتقييد الإبداع. إن التبادل الثقافي الحر يسهم في تعزيز التفاهم المتبادل بين الأمم ويقوي الروابط الإنسانية.

من الإجراءات التي تقلل من سلطة الحدود:

المناطق الحرة والتكامل الاقتصادي
: تُعَد المناطق الجغرافية التي تتيح حرية حركة التجارة والاستثمار بين الدول المجاورة أداة فعّالة لتعزيز التعاون الاقتصادي وتقليل الحاجة إلى تطبيق الحدود الجمركية الصارمة. إذ تسهم المناطق التجارية المشتركة في إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء، مما يؤدي إلى زيادة حجم التبادل التجاري وتوحيد القواعد الجمركية. إضافةً إلى ذلك، يمكّن إنشاء سوق موحّد يغطي عدة دول من تعزيز حرية حركة السلع والخدمات ورأس المال بشكل أكبر

. التعاون الأمني المشترك:
تطوير نظام أمني شامل مبني على التعاون بين الدول يعزز حرية الحركة مع ضمان الأمن.
تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول من أجل مكافحة الجريمة والإرهاب بشكل أكثر فعالية.
قوات أمنية مشتركة: تشكيل قوات أمنية موحدة مسؤولة عن حماية الحدود وتأمين المناطق الحساسة بكفاءة. الحوكمة العالمية: تقوية المنظمات الدولية: تعزيز دور الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة في حل النزاعات وتسوية الخلافات بين الدول. القانون الدولي: تطوير وتطبيق قوانين دولية فعّالة تعنى بحماية حقوق الإنسان والمحافظة على السلام والأمن العالميين.
المواطنة العالمية: تحفيز الشعور بالانتماء إلى المجتمع الدولي وتبني قيم التسامح والاحترام المتبادل.

التحديات المتعلقة بهذه البدائل تشمل:

• السيادة الوطنية: بعض الدول قد تكون قلقة من فقدان جزء من سيادتها الوطنية عند الانخراط في التعاون الدولي.

• الأمن القومي: بعض الدول قد تخشى من أن تؤدي الحدود المفتوحة إلى تصاعد معدلات الجريمة والإرهاب.

• الاختلافات الثقافية: التغلب على التباينات الثقافية والقيمية بين الشعوب قد يمثل تحدياً كبيراً.

إن السعي إلى إزالة الحدود بالكامل هو هدف طموح ويمكن تحقيقه، ولكنه يتطلب مجهوداً مشتركاً من كافة الأطراف المعنية وتبني تغيير شامل في النهج تجاه مفهوم الدولة والأمن والقومية. تلعب التربية والثقافة دوراً أساسياً في بناء جسور التواصل بين الشعوب وتجاوز العقبات التي تفرضها الحدود السياسية والجغرافية. من المهم أن تركز المناهج الدراسية على تعليم القيم الإنسانية المشتركة مثل التسامح والاحترام والتعاون، وغرس روح المواطنة العالمية في نفوس الشباب لتعزيز إحساسهم بالانتماء إلى المجتمع الدولي.
من المهم التركيز على دراسة التاريخ المشترك بين الشعوب لتبرز الروابط الثقافية والتاريخية التي تجمع بينهم. يجب على النخب أن تتجنب الروايات التاريخية التي تتناول الصراعات من منظور واحد فقط، وبدلاً من ذلك تسلط الضوء على الجوانب الإيجابية للتفاعل بين الشعوب.

من التحديات التي تعترض سبيل تحقيق هذا الهدف وجود التعصب والعنصرية في بعض المجتمعات، مما يعوق بناء جسور التواصل. تسلك بعض الحكومات سياسات تهدف إلى تقسيم الشعوب وتعزيز الهويات القومية الضيقة، كما يمكن أن تستخدم وسائل الإعلام لتأجيج الصراعات ونشر الكراهية. يلعب التعليم والثقافة دوراً بالغ الأهمية في بناء مجتمعات أكثر تسامحاً وسلاماً. من خلال تعزيز التبادل الثقافي وإقامة حوارات بناءة وتدريس القيم الإنسانية المشتركة، يمكننا التغلب على الانقسامات التي تخلقها الحدود والعمل نحو بناء عالم أكثر عدلاً ومساواة.

مقارنة بين الحدود السياسية والشرعية

يمكن المقارنة بين بين الحدود السياسية والشرعية، وتحديداً من حيث القسوة والتكفير والإجرام، وهي مقارنة عميقة وتستحق التمعن. فكلا النوعين من الحدود يمكن أن يتحول إلى نظام متصلب وغير مرن، يرفض الحوار والتغيير، ويهيمن عليه التفكير الثنائي (صديق/عدو). وقد يؤدي التشدد في تطبيق القوانين والأنظمة سواء السياسية أو الشرعية إلى تكفير وتجريم الآخر المختلف، مما يؤدي إلى الصراع والعنف. كما يمكن استغلال كلا النوعين من الحدود لأغراض سياسية، مثل تعزيز السلطة والحفاظ على النظام القائم، حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الأفراد والحريات . وقد تصبح الحدود السياسية والشرعية عائقاً أمام التغيير والتطور، وتمنع المجتمع من التكيف مع المتغيرات الجديدة.
ويمكن للتفسير الضيق للنصوص الدينية أو القوانين السياسية أن يؤدي إلى نتائج متطرفة وقاسية. ويمكن استغلال الدين والقانون لأغراض سياسية، مما يؤدي إلى تشويه صورتهما وتوظيفهما لخدمة مصالح ضيقة. كما أن الخوف من الآخر المختلف، سواء كان دينياً أو ثقافياً أو سياسياً، يمكن أن يدفع إلى بناء حدود صارمة وحماية الهوية على حساب الانفتاح والتسامح.
إن المقارنة بين الحدود السياسية والشرعية تسلط الضوء على أهمية التسامح والانفتاح، والابتعاد عن التشدد والتطرف. فكلا النوعين من الحدود يمكن أن يكونا أداة للسيطرة والقمع، ولكن يمكن أيضاً أن يكونا وسيلة لحماية المجتمع وحفظ الأمن والاستقرار. المهم هو كيفية استخدام هذه الحدود، وما هي القيم التي تسير عليها.

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF_%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9
https://www.twinkl.com.se/teaching-wiki/alhdwd

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here