2024-10-27
بعد قرابة الشهر، جاء الرد الإسرائيلي على إيران، ليكشف عن خفايا صفقة تمثلت في ابتزاز تل أبيب للولايات المتحدة والدول المصدر للنفط، من خلال مطالبتها بمبالغ مالية مقابل عدم استهداف منشآت إيران النفطية، بالإضافة إلى الضغوط التي مارستها واشنطن لمنع أي رد قوي من إيران قد يؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة.
جاء الرد “المحدود”، وفق صيغة أمريكية ليجنب المنطقة حربا شاملة، لكنه في الوقت ذاته أوصل رسالة واضحة بقدرة إسرائيل في الوصول إلى إيران، كما كانت الأخيرة قد أوصلت رسالة من خلال ضربتها الصاروخية التي جرت مطلع الشهر الحالي، بقدرتها على وصول أهدافها داخل إسرائيل.
ويقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الفترة الماضية التي لحقت القصف الإيراني على إسرائيل، شهدت جهودا كبيرة وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة بما فيها العراق، من أجل عدم التصعيد والضغط على الولايات المتحدة لوقف التهديد بالرد الإسرائيلي القوي على إيران واستهداف المنشآت النووية والنفطية”.
ويذهب التميمي، إلى أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي مارس ابتزازا واضحا للولايات المتحدة ودول المنطقة وخصوصا المصدرة للنفط، وتشير معلوماتنا بحصوله على مبلغ 200 مليار دولار، تم دفعها إلى إسرائيل مقابل عدم ضرب المنشآت النفطية الإيرانية، خشية من توسيع دائرة الصراع في المنطقة”.
وشنت إسرائيل، عبر طائراتها المقاتلة، غارات على إيران فجر أمس السبت، مستهدفة 20 موقعا بينها بعض المواقع العسكرية ومنشآت تصنيع الصواريخ، لكنها أحدثت ضررا بسيطا، وأدت إلى مقتل جنديين إيرانيين، حسب الإعلان الرسمي الإيراني.
وفيما أكد الدفاع الجوي الإيراني إحباطه الهجوم الإسرائيلي، اكد انه استهدف محافظات طهران وعيلام والأهواز.
ويضيف التميمي، أن “القضية ليست قضية ضعف وإنما الحفاظ على المصالح، ومن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة عدم توسيع دائرة الصراع والحرب، خاصة وأن القواعد الأمريكية منتشرة في منطقة الشرق الأوسط ومصالح الدول تقتضي العقلانية في المعالجات، ولذا فالولايات المتحدة ومنذ اللحظة الأولى كانت تصر على عدم توسعة الحرب وحصر في قطاع غزة، لكن طموح نتنياهو هو من تسبب بنشوب الحرب”.
ويؤكد أن “الحرب ما تزال مستمرة وإسرائيل تبتز دول المنطقة والولايات المتحدة، واليوم تحصل على دعم كبير من الولايات المتحدة، ففي 17 أيلول (سبتمبر) الماضي، شنت إسرائيل أكثر من 1400 طلعة جوية على بيروت، وهذا كم من الطلعات الجوية مكلف جدا ولا يمكن لإسرائيل أن تقوم بهذا الجهد لوحدها دون مساعدة الولايات المتحدة والدول الغربية، لذلك فإن الأيام المقبلة ستكون مؤلمة على غزة ولبنان ما لم يكن هناك ضغط كبير يمارس على إسرائيل”.
يشار إلى أن الضربات الإسرائيلية أتت بعد 26 يوما على تبادل التهديدات بين طهران وتل أبيب منذ مطلع الشهر الحالي، حين شنت إيران هجوما بأكثر من 180 صاروخا على قواعد عسكرية إسرائيلية.
ووصفت إسرائيل، الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران في حينها، بأنه “الأكبر على الإطلاق في تاريخ إسرائيل”، ونقلت شبكة “إيه بي سي” الأمريكية عن متحدث باسم السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، قوله: “نفذت إيران الليلة أكبر وأعنف هجوم صاروخي ضد دولة إسرائيل في تاريخها. نحن مستعدون وجاهزون دفاعيا وهجوميا”، ودعا دانون إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي.
من جهته، يبين أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الرد الإسرائيلي على طهران لم يكن ضعيفا وإنما كان محدودا، ولا يتناسب مع حجم التهديدات التي أطلقتها تل أبيب بعد عملية الوعد الصادق الايرانية بداية تشرين الاول (إكتوبر) الحالي، وهذا يدل على أن الجهود المبذولة من واشنطن لتقليل حجم الرد الإسرائيلي إلى الحد الأدنى كانت ناجحة من أجل تجنب مواجهة شاملة قد تضطر واشنطن إلى التورط فيها في وقت غير مناسب”.
ويؤكد أنه “مع ذلك فإن الرسالة الإسرائيلية وصلت إلى طهران، ومفادها، كما تستطيعون الوصول الينا نستطيع الوصول اليكم، فابتعدوا عنا في تصفية حساباتنا مع أذرعكم القريبة من حدودنا، ولنوقف التصعيد عند هذا المستوى حماية لمصالحنا ومصالحكم”.
ويلفت إلى أنه “إذا ما تم قراءة هذه الرسالة بشكل صحيح من طهران، فقد تكون الأمور في طريقها إلى التهدئة، ولكنها ستكون تهدئة الطرف الأكبر الخاسر فيها هو الأمن القومي العربي، وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين وبقية دول المنطقة في الأمد القريب والبعيد”.
وكان القيادي في كتائب سيد الشهداء عباس الزيدي، أبلغ ”العالم الجديد”، مؤخرا، أن “فصائل المقاومة في العراق لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال دخلت إيران في حرب مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فالفصائل ستكون جزءا من هذه الحرب بما لا يقبل الشك”.
يشار إلى أن كلا من إيران وإسرائيل، أعلنتا يوم أمس، أن القصف تم عبر استخدام الأجواء العراقية، وهو ما رفضه العراق سابقا وأكد أنه لن يمنح الأذن للطيران الإسرائيلي باستخدام أجوائه بقصف إيران.
يذكر أنه عقب هجوم إيراني بمئات الصواريخ على إسرائيل ردا على اغتيال نصر الله، هددت “المقاومة العراقية”، باستهداف القواعد الأمريكية في حال تدخلت أمريكا ضد إيران أو استخدم “العدو الصهيوني” أجواء العراق لقصفها.
إلى ذلك، يرى المختص في الشؤون الإيرانية مصطفى النعيمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الرد الإسرائيلي على إيران لم يكن ضعيفا، بل على العكس من ذلك، فقد كان واضحا من حيث الأهداف وتحقيقها، ومن خلال توجيه أكثر من 100 مقاتلة بينها مقاتلة قاذفة، وبالتالي فهذا التشكيل الجوي الكبير كان للتعامل مع مجموعة من الأهداف متعددة المستويات، بمعنى آخر أن هناك مجموعات للتعامل مع منظومات الدفاع الجوي وأثبتت العمليات العسكرية باستهداف منظومات الدفاع الجوي لدى النظام الإيراني بالقرب من العاصمة الايرانية طهران وفي محيط المنشآت العسكرية وتحديدا المختصة بتصنيع محركات الصواريخ من فئة الفرط صوتية التي تم استهداف تل أبيب بها”.
ويستطرد أن “الرد الإسرائيلي كان واضح المعالم، بحيث أنه كان ردا على استئصال برنامج الصواريخ الفرط صوتية التي استخدمت في الهجوم على تل أبيب بداية الشهر الجاري، واعتقد بانه قد حيد البرنامج الصاروخي لكن مع وجود دفاعات جوية اثناء تحرك المقاتلات الإسرائيلية عبر الاجواء الإيرانية وصولا إلى العمق الإيراني وتحديدا محيط طهران، اثبتت عدم فعالية ما كانت تدعي به طهران من قدرتها الدفاعية الجوية خردات 15 وباور 373، والتي لم نشاهد أي اشتباك جوي مع الأهداف الجوية التي انطلقت باتجاه القواعد العسكرية للحرس الثوري الإيراني ومنشآت عسكرية لتصنيع الصواريخ البالستية الفرط صوتية، واعتقد بأن سلسلة الردود الإسرائيلية على الاستهداف الإيراني لن تتوقف وستتسع نطاق عملياتها اذا ما اخذنا بعين الأعتبار أن الضربات الجوية بدأت من الضاحية الجنوبية في بيروت وصولا إلى العاصمة السورية”.
ويؤكد النعيمي: “اعتقد بأن هناك رغبة دولية لعدم توسيع نطاق الاشتباك الإسرائيلي الإيراني، لذلك نرى بأن هناك حوافز تقدم إلى تل أبيب لعدم توسيع نطاق تلك الضربات والاكتفاء بتوجيه الضربات على مصادر النيران، لكن بنفس التوقيت نتحدث عن صفقة أسلحة كبيرة وقعت ما بين واشنطن وتل أبيب والتي شملت 50 مقاتلة قاذفة من طراز أف 15 أي أكس، القادرة على حمل قذائف صاروخية من طراز جي بي يو 43 المخصصة للتعامل مع المنشآت العسكرية والتحصينات النووية، وبلغت الصفقة قيمتها 18 مليار دولار وبناء عليه اعتقد بأن واشنطن فتحت المجال إلى الجانب الإسرائيلي لإبرام مزيد من الصفقات العسكرية لمواجهة المخاطر التي تحدق بتل أبيب”.
جدير بالذكر، أن القصف الإسرائيلي لإيران، شهد إدانة من كافة دول المنطقة بما فيها العراق، وجميعها دعت إلى وقف التصعيد وحفظ استقرار المنطقة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط