2024-11-03
بعد التطور الهائل في مختلف مجالات الحياة ومنها صناعات ووسائل التي تحتاجها الأسرة العراقية في مفردات حياتها اليومية، إلا أن تفاصيل ما زالت تحافظ على أصالتها وتنافس الحداثة بثبات وتفرض وجودها في الأسواق المحلية، بل أن بعضها اجتازت الحدود ووصلت إلى أوروبا ودول أخرى.
ومن هذه الصناعات التنور الطيني الموغل في قِدِم التاريخ العراقي حيث يُعد من الوسائل المنزلية التي ابتكرتها الأسرة قبل آلاف السنين والذي لا تخلو منه محافظة ولا مدينة ولا ريف في البلاد، وما زال حتى اليوم يحتفظ بشكله والمواد التي تدخل في صناعته، وتمتاز محافظة كركوك بتنورها الخاص الذي وجد طريقه إلى خارج الحدود.
الطين “الأحمر الحريّ”
يقف سرود حسين (25 عاماً) وسط أجزاء غير مكتملة للتنور الطيني مصفوفة على الأرض بمسافات متساوية فيما بينها، وبيديه يمسك “أطوال النايلون” ليغطي بها تلك الأجزاء لحمايتها من الأمطار التي هطلت وتهطل على كركوك ضمن موجة ماطرة يشهدها العراق بدأت نهاية الأسبوع الماضي.
يقول حسين ، إن “صناعة التنور مهنة ورثتها من أبي الذي ورثها بدوره عن أبيه فهي مهنتنا التي توفر لنا العيش الكريم. أنا أعرف أسرارها وكيفية استخراج مواد صناعتها لنصنع منها عجينة الطين التي تتحول إلى تنور يصمد لسنوات عدة”.
ويبين “السر يكمن في جودة نوعية التراب الأحمر الذي يسمى محلياً (التراب الأحمر الحرّي)، فهو نوعية تختلف عن جميع أنواع التراب ونحن نعرف أين نجده وهو يمتاز بأنه كلما تعرض للنار زادت قوته وجودته بمرور الزمن”.
ويضيف “يأتي هذا التراب بالقرب من الآبار النفطية إذ يتم استخراجه عند حفرها ويكون على عمق عدة أمتار تحت سطح الأرض، ويقوم وسطاء بنقله إلينا وعندها نبدأ العمل حيث نقوم بمزج التراب بالماء والقش وعجنه حتى تتجانس المكونات بعدها نضع الطين في أكياس كبيرة لمدة يومين إلى ثلاثة أيام ليختمر ويصبح جاهزاً”.
مراحل العمل
ويفصّل حسين مراحل العمل بالقول “المرحلة الأولى تشمل بناء الصف الأول من قبل عمال التنفيذ، يليها الصفين الثاني والثالث وعندها يتوقف العامل حين يبلغ التنور نصف ارتفاعه، وبعد جفافه يتم بناء الصف الرابع وصولاً إلى تدوير فم التنور ليكون جاهزاً ويبقى في الهواء الطلق بين يومين إلى خمسة أيام ومن ثم يتم بيعها لأصحاب المخابز والمنازل”.
أسعار متفاوتة
وعن الأسعار يوضح حسين أن “سعر التنور الصغير يتراوح بين 20 دولاراً وصولاً إلى 100 دولار أمريكي وهناك طلب يرد إليها من أصحاب الأفران صناعة أحجام كبيرة بسعر 100 دولار”.
إلى أوروبا عبر أربيل
وعن غرائب العمل والبيع والشراء، يسرد حسين ما حصل له مرة “أحد الزبائن طلب منا صناعة عشرة تنانير ونغلفها بصورة جيدة ومن ثم نقلها إلى مطار أربيل لنقلها إلى السويد وتم ذلك فعلاً، وصاحب الطلب عراقي من محافظة كركوك يقيم في السويد وكان يريد أن يستعملها هناك ضمن مشروع عمل”.
ماركة كركوكية مسجلة
يقول محمد جعفر، أحد العاملين في صناعة التنور،، إن “صناعة التنور ماركة كركوك بامتياز وعليها طلبات من محافظات العراق وإقليم كوردستان، والمحافظة تنتج أكثر من 10 آلاف تنور سنوياً والعدد يزداد كلما زاد الطلب عليها أكثر من قبل الأهالي وأصحاب الأفران”.
ويضيف “صناعة التنور تطورت أيضاً لمواكبة التطور الحاصل في مختلف نواحي الحياة، فهناك نوع من التنور يكون الطين ومغلف بالحديد تتم صناعته حسب الطلب ويعمل بالغاز أو الحطب أو النفط الأبيض ونحن نراعي شروط السلامة والأمان في صناعة هذا التنور”.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط