نوح (ع): معنى اسمه وكم عاش من العمر؟

أ. د. سامي الموسوي

تطرقنا في المبحث السابق تحت عنوان (ما هو موقف الدين الإسلامي المتمثل بالقران من الأحزاب الدينية؟) الى اول رسول للإنسانية نوح (ع) وأشرنا الى انه لم يعش الا بمعدل ما جعله الله من سنن في خلقه ومنها عمر الانسان منذ خلق البشر.

ذُكِرَ نوح (عليه السلام) ٤٣ مرة في القران الكريم، وجاء ذكره في التوراة والانجيل وفي ميثولوجيا بلاد ما بين النهرين (العراق) مع الطوفان. كان نوح اول الرسل وهو من الخمسة اولي العزم. وتجمع اغلب الدراسات على ان بعثته كانت قبل ٣٦٥٠ سنة قبل الميلاد أي في بدايات العصر (البرونزي المبكر) وهو الذي بدأت به أولى ظواهر الاستقرار البشري وبدايات الحضارة والكتابة البدائية في بلاد ما بين النهرين (العراق) بعد ان استقر الانسان واخذ يمتهن الزراعة ثم تدجين الحيوانات.

ومن المفيد جداً ان نعرج باختصار على العصور التي عاشها الانسان منذ وجوده على هذا الكوكب وهي:

العصر الحجري القديم:

يطلق اسم العصر الحجري القديم على الفترة التي بدأت قبل 2.5 مليون سنة من تاريخ البشرية، وانتهت قبل 12000 سنة تقريبًا، وتعرف هذه الحقبة الزمنية، بأنها الفترة التي بدأ الانسان البدائي فيها بصنع الأدوات الحجرية. وتحتضن إفريقيا أكبر الاكتشافات الأثرية التي تعود إلى هذا العصر الحجري ثم عبر الانسان الى جزيرة العرب والى بلاد ما بين النهرين التي وجد بها عناصر متعددة للاستقرار مثل الماء والأرض الخصبة والكلأ والغذاء. ومن هناك هاجر الى جنوب شرق آسيا.

العصر الحجري الحديث:

ويعود تاريخ وجود البشر في المنطقة خلال العصر الحجري الحديث إلى (8000) قبل الميلاد وبعد انتهاء الفترة الباردة الجافة من العصر الجليدي. استقر الانسان في العصر الحجري الحديث في الأحواض المائية الداخلية التي لم تكن مسكونةً من قبل. ومما يثير الاهتمام أن الناس في هذا العصر لم يهتموا في البداية بالزراعة واستخدموا الأدوات والأسلحة المصنوعة من الصوان والأحجار، كما هو الحال في العصر الحجري القديم ولكنهم في نهاياته وبعد الاستقرار بدأوا يكتشفون الزراعة ثم التدجين.

وقد انتهت الحياة في العصر الحجري الحديث بعد تاريخ (4000) قبل الميلاد، وذلك عندما بدأ المناخ بالتدهور.

العصر البرونزي:

تعود بداية العصر البرونزي إلى تاريخ 3000 قبل الميلاد تقريباً وفيه عاش نوح (عليه السلام) ولذلك علاقة باسمه كما سنوضح. يتميز العصر البرونزي باستخدام البشر للمعادن بدلاً من الحجارة في صنع الأدوات والأسلحة، فضلاً عن استخدام النحاس الخام المستخرج من جبال الحجر الذي يعتبر من الابتكارات المهمة في تلك الحقبة، وأدى ذلك إلى بناء شراكات تجارية مع مناطق بعيدة للمرة الأولى عند البشر. بعد ذلك جاء العصر الحديدي ثم العصور الحديثة.

في العصر البرونزي بدأت الزراعة تنتشر كحرفة وجلبت معها الاستقرار وبناء البيوت والمدن والطرقات وصارت بعد ذلك أنظمة للري ثم ابتكر الانسان تخزين الحبوب والفواكه وتجفيفها قبل الخزن. أي ان الانسان تعلم الاستقرار وبناء البيوت والسكن في مكان واحد وهذا هو معنى كلمة (نوح) وليس معناها كما قيل من البكاء والنياحة.

قالوا (خطأً) إن سبب تسمية نوح (عليه السلام) بهذا الاسم هو كثرة بكائه على نفسه وأن اسمه الحقيقي عبد الغفور، وهذا غير صحيح. نوح هي كلمة ليست عربية بل عبرية وجذرها في العبرية هو (ن ح م). وفي الترجمة اليونانية للتوراة منذ القرن الثالث ق.م وكذلك بعض الكتب الأخرى ترجمت كلمة نوح الى (Rest) بالإنكليزية التي يُترجم بها عادة معنى جذر نوح العبري والذي يعني (سكون، قرار، استقرار، نزول، جلوس، استراحة، توقف)، أي نفس الجذر العربي (نوخ) من (ناخ ينوخ أي نزل واستقر).

ونفس الاشتقاق لاسم نوح (من معنى جذر نوح) لدى الموسوعة اليهودية والكاثوليكية وغيره. كما وان بعض مفسري المسلمين قالوا إن (السكن أو الساكن) اسماً أقدم لنوح.

وفسر بعضهم اسم (نوح) بمعنى النواح (البكاء والصياح والعويل). وهو تفسير ظاهري غير مفلح، لأنه فسّر كلمة قديمة غير عربية هي (نوح)، بمعنى كلمة عربية هي (نوح) لمجرد تطابق اللفظ وهذا غير موفق ولا يجوز بل يجب فهم معنى الكلمات الاعجمية من لغتها الاصلية. اذن (نوح) تعني الاناخة او الإقامة والمكوث بالأرض وهذا هو ما حصل لقوم نوح فهم يمثلون البشرية في بدايات استقرارها واناختها في المكان ولعلهم مضت عليهم 950 سنة من الاستقرار بعد ان كان البشر يعتمدون الرحيل قبل ذلك وصيد الحيوانات واكلها في بعض الأحيان وهي لاتزال حية وهذه واحدة من التي حرمتها شريعة نوح.

وجذر نوخ في العربية يستعمل في أمور عديدة أكثرها في شأن الإبل مثل: (أنَخْتُ الجملَ)، (نوّخ البعيرَ)، (وتَنَوَّخَ الجملُ الناقةَ)، وقد يستعمل للنَعَم عموماً (النَّخّ) أو للأسد (المُنِيخ)، أو في غير ذلك مثل: (أناخ بالمكان)، (أناخ بهم المَحْلُ)، (نَوَّخَ اللهُ الأرضَ)، (أناخ).

اذن (نوح) تعني الاستقرار في الأرض وهذا ما كان البشر عليه حينها فهم قد بدأوا حياة الاستقرار ثم الزراعة ولعلهم كانوا على هذا الحال أي قد استقروا بما فيه الكفاية لمدة 950 سنة حتى ظهرت فيهم عبادة الطبيعة كالشمس والنجوم وغيرها وظهرت طبقة رجال الكهنوت والملوك والاغنياء فتولد عنها الرق والعبودية والظلم والفساد. لهذا كان من عزم الله ورحمته ان يرسل من يصحح الأمور ويرسى قواعد الاخلاق.

خطا الإنسان في العصر البرونزي في بلاد ما بين النهرين خطوات مهمّة في التاريخ الحضاري البشري الديني والسياسي، ففيه انحصرت الثروة في طبقة الملوك وأيدي قلّة من الكهنة، وعُرفت القوانين حيث كانت قوانين طبقيّة حَكَمَت من خلالها تلك الطبقات شعوبها وتبلورت الحضارة الدينية وسيطرة الكهنة عليها. وفي هذا العصر بدأ الانسان يطور الزراعة والاستقرار في الأرض. ومن الجدير الإشارة اليه ان ذكر الطوفان جاء كذلك في ملحمة (جلجامش) وهي اول ملحمة قصصية في تأريخ البشر. كما وذكر نوح والطوفان عند باقي الديانات مثل البهائية والصابئة وغيرهم. وقد اختلف في حجم وتصميم سفينة نوح وفيما إذا كانت تتسع لذلك العدد الهائل من الحيوانات المفترسة والسامة والطيور والناس بينما يصفها القرآن الكريم على انها سفينة بدائية وحسب امكانيات ذلك الزمن، حيث قال عز من قائل:

فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿١١٩ الشعراء﴾،

والفلك هو السفينة والمشحون معناه الممتلئة بالركاب والبضائع، مثل قوله عن يونس (عليه السلام)، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿١٤٠ الصافات﴾.

اما صفات السفينة وهل كان الطوفان عالميا ام مقتصرا على بلاد الرافدين ففي ذلك اقوال ولا يوجد دليل قوي على أي منها ولكن الفيضان الذي حدث كان فريدا من نوعه وقويا جدا. وقد وصف القران سفينة نوح بالفلك والفلك باللغة هو الشيء المدور، فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿١١٩ الشعراء﴾. والمشحون أي المملوء وقد كان صنعه بوحي من الله فلم يكن في عهد نوح بعد تعلم صناعة السفن الا بعد الطوفان لهذا كان قومه إذا مروا عليه يسخرون منه.

كانت سفينة نوح كما قال فيها القران الكريم: وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴿١٣ القمر﴾. لم تكن المسامير متوفرة في عهد نوح والدسر هي الالياف الطبيعية التي استخدمت لشد الالواح. فالسفينة مصنوعة من الواح خشب الأشجار المربوطة بقوة بعضها في بعض بواسطة الدسر وهي اربطة قوية مصنوعة من الليف النباتي. وان القران لم يتطرق الى حجمها وسعتها ولكن صرح بان الله أوحى لنوح كيفية صناعتها كما في قوله تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴿٣٧ هود﴾. ولا يوجد تفصيل ولكن أوامر الهية بحمل عدد قليل من القوم الذين امنوا وما يحتاجون اليه من الانعام الصغيرة كالدجاج وربما الأغنام في السفينة وبعد الهبوط اما ما قيل من قصص فهي متعددة المصادر التي قد لا تصح ومنها الاسرائيليات. قال تعالى: حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿٤٠ هود﴾. والتنور هي كلمة اعجمية تم تعريبها وقيل هي وجه الأرض وهي ينبوع المياه الملتهبة الكامنة في جوف الأرض. والنار هي التي توصف بالفور مثل قوله تعالى: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ﴿٧ الملك﴾. وكانت العلامة هي إذا فار التنور وهذا يدل على ان هناك موضع تخرج منه النار إذا حصل فهي بداية الطوفان ولعل ذلك بركان كان خامدا فثار. وقد شبه الموج بالجبال أي تموجه مثل شكل الجبال وليس كطولها بينما لم يكن في السفينة موجه (سكان) ولا محركات ولا اشرعة وكان فيها عدد قليل من الناس من اهل نوح واقل من الذين امنوا به. ولم يكن الطوفان عالميا بل شمل الذين سكنوا هذه الأرض وهم معظم اهل الأرض حينها. ولم يكن الانسان بعد قد دجن جميع الحيوانات لكي يحملها بل دجنها بعد الطوفان.

في التوراة، ذُكِرَ نوح مرة على انه رجل صالح زاهد قريبا من «الخالق الأعظم» الذي اختاره ليخلص البشرية من الدمار، وتارة أخرى نرى التوراة تصف نوح كأول فلاح في البشرية وأول صانع للنبيذ،. وقالت التوراة إن بطل قصة الطوفان قد يكون جد نوح واسمه بالعبرية (أينوخ) وبالعربية (نوح) وإن هناك احتمالا أن التشابه في العبرية بين اسمي نوح واينوخ قد يكون سببا رئيسيا في هذا التناقض ولكن قد يكون السبب هو ان نوح لقب للعديد من الرسل في قوم نوح وهذا يفسر طول عمره فيهم باعتبار انهم مجموعة رسل متعاقبين كلهم ينتمي الى الجد نوح او اللقب نوح وقد أكد القرآن الكريم ان قوم نوح جاءهم العديد من الرسل كما في قوله تعالى:

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ (نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ) وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿١٦٣ النساء﴾،

أي ان نوح لحق به عدة نبيين من بعده قبل إبراهيم وباقي الانبياء، لذلك قالت الآية (نوح والنبيين من بعده) ثم قالت (واوحينا الى إبراهيم … الى اخر الآية) أي ان قوم نوح جاءهم عدة نبيين او رسل كلهم يلقبون بنوح ولعله لقب وليس اسم. وكذلك في قوله:

وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿٣٧ الفرقان﴾

أي ان هناك (عدة رسل) كذبت بهم قوم نوح. وفي آية أخرى:

كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٠٥ الشعراء﴾،

أي ان هناك عدة مرسلين قبل وبعد نوح لعلهم كلهم انتسبوا الى شريعة واحدة هي شريعة (الجد نوح – اينوخ) والذي لحق به من بعد وكان بطل الطوفان اسمه أيضا نوح ويمكن ان يطلق عليهم جميعا (بنو نوح) فجد نوح كان (أينوخ) بالعبرية وهو نوح بالعربية. فهل كان نوح لقلب للعديد من الرسل الذين بعثوا لقوم نوح وبهذا يمكن تفسير طول الفترة التي عاشوا فيها بنو نوح يدعون قومهم؟ او لعل هناك سبب آخر، فسوف نرى؟

تلخصت شريعة نوح بتوحيد الله وترك عبادة الطبيعة وذم الطبقية والظلم وبعض تشريعات الحلال مثل النهي عن اكل الحيوان وهو لايزال حيا (انظر المقال السابق)

ولم يفرض على نوح أحكام حدود او مواريث فقد كانت شريعة بسيطة تتماشى مع الفطرة ومع عقول الناس في ذلك الزمن ولكنها نهت عن الظلم والكهنوت.

وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ ﴿52 النجم﴾.

كانوا مشركين يعبدون الطبيعة والاصنام من دون الله او لتقربهم اليه زلفى، قال تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴿٢٣ نوح﴾.

وكما وضحنا في المبحث السابق فأن (ودا وسواعا ويغوث ونسرا) هم الكهنة او الملأ الذين استحوذوا على السلطة والأرض والغلال وفرضوا الضرائب المقدسة.

قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (٢١ نوح)

وهو يعني هنا الطبقة من الكهنة المتنفذين.

وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (٢٤ نوح)،

وتعني الكهنة والاسياد كذلك قوله:

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴿٢٧ هود﴾.

ونعود الى عمر نوح والفترة التي قضاها يدعو قومه؟

قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤ العنكبوت﴾. وسياق الكلام هنا يدل على موضعية الطوفان فهو بقوم نوح. وكلمة لبث فيهم هي ليست عمره بل مدة مكثه في قومه يدعوهم فقط مثل قوله تعالى: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴿٤٢ يوسف﴾.

لا يوجد دليل علمي واحد يثبت أن الإنسان كان يعيش سنوات تصل إلى الآلاف السنين في أي عصر من العصور. رغم أننا نؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- يقدر أن يزيد بعمر نوح أو غيره وهو القدير العليم ولكنه وضع سننا في الحياة ومنها عمر الإنسان الذي بقي كما هو منذ بدأ البشرية. ولو أراد الله أن يطيل بعمر أحد من الأنبياء لأطال عمر محمد ﷺ لحاجة البشرية وخاتم الأديان إلى ذلك.

قبل كل شيء فأن الآية الكريمة ذكرت عمر نوح بمقياسيين (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا):

1. سنة

2. عاما

والسنة حسب القران الكريم وحسب قول العرب تعني الزمن الصعب الذي به شدائد يطلقون عليه سنين بينما الزمن العادي يطلقون عليه أعوام.

والسنين بسبب شدتها يميلون الى تضخيمها بطولها بسبب تعسر الأمور فيها فيصفونها بالطول بينما يصفون يوم القيامة بالساعة بينما هو يوم طويل وذلك لسرعة ودقة الحساب فيه، وكما في قوله تعالى:

وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿١٣٠ الأعراف﴾، والسنين هنا تعني القحط والجدب. وفي القران استخدم ألف سنة استخدام افتراضي غير ممكن الحدوث ولكنه اماني كما في قوله:

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿٩٦ البقرة﴾.

ان وحدات قياس الزمن اختلفت حسب العصور والأماكن وقد تم توضيح بعضها مثل قوله: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿٤٧ الحج﴾،

وقوله: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴿٤ المعارج﴾.

في العصر الحجري الذي سبق العصر البرونزي كانت السنة أقصر من السنة الشمسية وحسب الظروف اعتمادا على التقاليد الدينية عندهم وارتباطا بحركة الماء العذب السفلي عندما لا يكون هناك فيضان وخروجه الى الأعلى أيام الفيضان (كتاب سنة الحية وروزنامات العصور الحجرية للكاتب زكريا محمد). أي ان السنة كانت تطلق على فترة أقصر بكثير من السنة الشمسية.

ومن المثير للاهتمام والغرابة هو اكتشاف مثير للغاية عبارة عن صحيفة حجرية منقوش عليها أخبار الأرض على مدى ٤٠٠ ألف سنة سبقت السومريين. تشير هذه الصحيفة إلى أن السومريون كانوا يقسمون التاريخ إلى قسمين:

· زمن ما قبل الطوفان

· زمن ما بعد الطوفان

دونت هذه الصحيفة ملوك عصر فجر السلالات السومرية (من ٢٨٥٠ وحتى ٢٤٠٠ ق.م) جاء أسماء الملوك ومدة حكم كل منهم ومآثرهم. ثمانية ملوك سومريين حكموا سومر ما يقرب (٢٥٠ ألف) سنة، اي ان متوسط حكم كل واحد منهم يزيد عن (٣٠ ألف) سنة حيث ان عمر الإنسان قبل الطوفان كان يصل إلى أكثر من ألف سنة في حين إن عمره بعد الطوفان أصبح لا يتجاوز المائة عام وهذا دليل على ان قبل الطوفان كان السومريون مختلفين في التقاويم فمنهم من يسمي الشهر سنة ومنهم من يسمي اليوم سنة ثم بعد الطوفان تبدل الامر فصارت السنة ١٢ شهر بشكل موحد. واليك ما قالته قائمة الملوك السومريين:

نص قائمة الملوك السومريين كما جاء في الصحيفة المكتشفة:

1. بعد أن هبطت الملكية من السماء أصبحت (اريدو) مقر الملكية وقد حكم (الوليم) ٢٨٫٨٠٠ سنة ثم حكم (لجار) ٣٦٫٠٠٠ سنة – اي ان ملكان حكما ٦٤٫٨٠٠ سنة في اريدو.

2. ثم هجرت اريدو وانتقلت الملكية إلى (بادتيبيرا) حيث حكم (اينمثلوانا)٤٣٫٢٠٠ سنة، ثم حكم (اينمنجالانا) ٢٨٫٨٠٠ سنة وبعدها حكم (دوموزي) الراعي ٣٦٫٠٠٠ اي ان ثلاثة ملوك قد حكموا مدة ١٠٨٫٠٠٠ سنة.

3. ثم هجرت بادتيبيرا وانتقلت الملكية إلى (لاراك) حيث حكم (اينسيبازي انا) ٢٨٫٨٠٠ سنة وكان ملك واحد فقط.

4. ثم هجرت لاراك وانتقلت الملكية إلى (سيبار)، حيث حكم (اينميدورانا) ٢١٫٠٠٠ سنة.

5. ثم هجرت سيبار ونُقلت الملكية إلى (شوروباك) حيث حكم (اوبارتوتو) ١٨٫٦٠٠سنة

المجموع ٥ مدن و٨ ملوك حكموا مدة ٢٤١٫٢٠٠ سنة قبل الطوفان. ويبدو انهم كانوا يعدون اليوم او ربما النهار فقط (نصف يوم) هو سنة.

ثم أغرق الطوفان البلاد وبعد الطوفان بفترة هبطت الملكية من السماء مرة ثانية في مدينة كيش السومرية، وأصبحت (كيش) هي مقر الملكية وصار الحساب بالسنين التي نعرفها.

كان لدى السومريون حسب الرقع التي وجدت في نينوى (ونيبور) ثلاثة وحدات للزمن ما قبل الطوفان حيث ان كل منطقة كان لها وحدات قياس تختلف وتم توحيدها بعد الطوفان وهي:

1. سار Sar وتعادل ٣٦٠٠ سنة

2. نير Ner وتعادل ٦٠٠ سنة

3. سوس Sos وتعادل ٦٠ سنة

كانت التقاويم مختلفة ومضخمة حتى عند حضارة (المايا) التي استخدمت حينها (الكاتون) وهو يعادل ٧٣٠٠ يوم و(الباكتون) الذي يعادل ١٤٤٠٠٠ يوم.

وكانت المدن السومرية في البداية تستخدم تقاويم ووحدات زمنية مختلفة تم توحيدها فيما بعد.

وكان نوح سومري فالسومريون هم اهله وعشيرته وقومه. وكانت المدن السومرية محكومة فعليًا من قبل الكهنة الثيوقراطيين والمسؤولين الدينيين قبل بداية الملكية في سومر. ويبدو ان آدم (عليه السلام) كان هو المؤسس للحضارة السومرية في بداياتها ثم جاء نوح ليكون صلة الربط ما بين تلك الحضارة وما جاء بعدها بعد الطوفان. وكما ذكرنا فأن ادم هو جنس من البشر ولكن برز فيهم شخص اسمه ادم هو الذي ذكر في القران الذي أحيانا خاطبه كفرد وأحيانا أخرى كجنس او جمع وسوف نتطرق لذلك في مبحث خاص.

والموشور الطيني الذي يحتوي على قائمة الملوك السومريين قبل وبعد الطوفان موجود

في متحف اشموليان البريطاني في اوكسفورد.

نعود الى مدة لبث نوح (عليه السلام) في قومه حيث استخدمت الآية الكريمة ألف سنة الا خمسين عاما ولعل حسب هذا التقويم السومري أعلاه ان ال ٩٥٠ سنة كانت من سني ما قبل الطوفان التي تقاس بشكل مختلف فيها السنة اقل بكثير من ١٢ شهرا او ربما كان الشهر يسمى سنة بينما جاء في الآية (الا خمسين عاما) ويبدو ان هذه الأعوام ما بعد الطوفان والتي تتماشى مع حساباتنا الحديثة. ولو افترضنا انهم اعتبروا الشهر سنة فبذلك يكون لبث نوح ما قبل الطوفان في قومه حوالي ٧٩ سنة ثم عاش ٥٠ سنة ما بعد الطوفان وهذا معقول لان البعض القليل من البشر يبلغ هذا العمر أي ١٢٩ سنة. اما اذا حسبناه بحساب (قائمة الملوك السومريين) باعتبار السنة هي يوم واحد فان نوح لبث يدعو قومه ويبني السفينة اكثر من سنتين ونصف قبل الطوفان ثم جاء الطوفان. اذن القران الكريم استخدم تقويم السومريين ما قبل الطوفان وأضاف اليه التقويم السومري ما بعد الطوفان وهو ١٢ شهر للسنة الشمسية و٣٠ يوم للشهر. والسنين طولها مختلف بينما الأعوام ثابته. الفرق بين “السنة” و”العام” يكمن في السياق والاستخدام، حيث أن “السنة” تشير إلى الزمن بشكل عام، بينما “العام” يرتبط بأحداث أو ظروف معينة تحدث خلال تلك الفترة الزمنية.

وخلاصة الاحتمالات في عمر نوح هي:

١. نوح هو ليس شخص واحد بل لقب لعدة رسل او انبياء وهذا يفسر طول الفترة

٢. اختلاف التقاويم فيما قبل وبعد الطوفان (كانت السنة أقصر) ولعلها شهر او يوم.

٣. تضخيم طول فترة السنين ما قبل الطوفان بسبب شدتها

٤. أشار القران الكريم للزمن الذي لبث فيه نوح في قومه يدعوهم بالسنين قبل الطوفان وحسب التقاويم حينها ثم بعد الطوفان اختلف الحساب فأشار القران الى لبثه بالأعوام وحسب فترة ما بعد الطوفان وتقويماتها التي كانت تختلف حسب الممالك ما قبل الطوفان ثم تم توحيدها ما بعد الطوفان بتقويم هو نفس التقويم البابلي الذي يستخدم الان

٥. ولعل الفترة 950 سنة تشير الى كون قوم نوح قد مر على استقرارهم 950 سنة كما رأينا من خلال معنى كلمة نوح وهي فترة كافية لبروز المجتمع الطبقي الكهنوتي الذي أصبح للظلم والعبودية والفساد فيه ما يكفي لكي يتدخل الله وينقذ هذا الانسان من الانحراف والظلم.

هذه محاولة للتدبر في آيات القران الكريم وربطها بالواقع وليس بالإسرائيليات والله اعلم.

المصادر ضمن الكتب التي ذكرناها في المقال السابق (ما هو موقف الدين الإسلامي المتمثل بالقران من الأحزاب الدينية؟) وقبلها القران الكريم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here