الدكتور فاضل حسن شريف
أعلن ممثل الأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، يوم الاثنين 4/11/2024، عن إبرام اتفاق مع المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني على عمل مشترك بين الجانبين لتعزيز مكانة العراق في محيطه الإقليمي والدولي.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن مكانتكم “قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” ﴿الأنعام 135﴾ المكانة هي المنزلة والحالة التي يستقر عليها الشيء، وعاقبة الشيء ما ينتهي إليه، وهي في الأصل مصدر كالعقبى على ما قيل، وقولهم : كانت له عاقبة الدار كناية عن نجاحه في سعيه وتمكنه مما قصده، وفي الآية انعطاف إلى ما بدئ به الكلام، وهو قوله تعالى قبل عدة آيات : “اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ”. والمعنى : قل للمشركين : يا قوم اعملوا على منزلتكم وحالتكم التي أنتم عليها من الشرك والكفر ـ وفيه تهديد بالأمر ـ ودوموا على ما أنتم عليه من الظلم إني عامل ومقيم على ما أنعم عليه من الإيمان والدعوة إلى التوحيد فسوف تعلمون من يسعد وينجح في عمله، وأنا الناجح دونكم فإنكم ظالمون بشرككم والظالمون لا يفلحون في ظلمهم. وربما قيل : إن قوله : “إِنِّي عامِلٌ” إخبار عن الله سبحانه أنه يعمل بما وعد به من البعث والجزاء، وهو فاسد يدفعه سياق قوله : “فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ”.. قوله جل جلاله “وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ” ﴿هود 93﴾ قوله تعالى: “وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ” إلى آخر الآية. قال في المجمع:، المكانة الحال التي يتمكن بها صاحبها من عمل. انتهى وهو في الأصل. كما قيل – من مكن مكانة كضخم ضخامة إذا قوي على العمل كل القوة ويقال – تمكن من كذا أي أحاط به قوة. وهذا تهديد من شعيب لهم أشد التهديد فإنه يشعر بأنه على وثوق مما يقول لا يأخذه قلق ولا اضطراب من كفرهم به وتمردهم عن دعوته فليعملوا على ما لهم من القوة والتمكن فلهم عملهم وله عمله فسوف يفاجئهم عذاب مخز يعلمون عند ذلك من هو الذي يأخذه العذاب. هم أو هو؟ ويعلمون من هو كاذب؟ فليرتقبوا وهو معهم رقيب لا يفارقهم.. قوله عز من قائل “وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ” ﴿هود 121﴾ وهذا فيما يرجع إلى غير المؤمنين يأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يختم الحجاج معهم ويقطع خصامهم بعد ما تلا القصص عليهم بهذه الجمل فيقول لهم: أما إذا لم تؤمنوا ولم تنقطعوا عن الشرك والفساد بما ألقيت إليكم من التذكرة والعبر ولم تصدقوا بما قصه الله من أنباء الأمم وأخبر به من سنته الجارية فيهم فاعملوا على ما أنتم عليه من المكانة والمنزلة، وبما تحسبونه خيرا لكم إنا عاملون، وانتظروا ما سيستقبلكم من عاقبة عملكم إنا منتظرون فسوف تعرفون صدق النبإ الإلهي وكذبه. وهذا قطع للخصام ونوع تهديد أورده الله في القصص الماضية قصة نوح وهود وصالح عليهما السلام، وفي قصة شعيب عليه السلام حاكيا عنه:”ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب”: آية 93 من السورة.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال تعالى عن عززنا “إذ أرسلنا إليهم إثنين فكذّبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنّا إليكم مرسلون” (يس 14). أمّا من هم هؤلاء الرسل؟ هناك أخذ وردّ بين المفسّرين، بعضهم قال: إنّ أسماء الإثنين (شمعون) و(يوحنا) والثالث (بولس)، وبعضهم ذكر أسماء اُخرى لهم. وكذلك هناك أخذ ورد في أنّهم رسل الله تعالى، أم أنّهم رسل المسيح عليه السلام (ولا منافاة مع قوله تعالى: (إذ أرسلنا) إذ أنّ رسل المسيح رسله تعالى أيضاً)، مع أنّ ظاهر الآيات أعلاه ينسجم معه التّفسير الأوّل، وإن كان لا فرق بالنسبة إلى النتيجة التي يريد أن يخلص إليها القرآن الكريم. والجدير بالتأمّل أنّ الإكرام و الإحترام والتجليل، وإن كان من نصيب الكثير من العباد، واُصولا فإنّه أي الإكرام يتعاظم مع (التقوى) جنباً إلى جنب، “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” (الحجرات 13) ولكن (الإكرام) بشكل مطلق وبدون أدنى قيد أو شرط جاء في القرآن الكريم خاصاً لمجموعتين: الاُولى: (الملائكة المقرّبون) “بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)” (الأنبياء 26-27) والثانية: الأشخاص الذين بلغوا بإيمانهم أكمل الإيمان ويسمّيهم القرآن (المخلَصين) فيقول عنهم: “أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ” (المعارج 35). وعلى كلّ حال، فقد كان هذا مآل ذلك الرجل المؤمن المجاهد الصادق الذي أدّى رسالته ولم يقصّر في حماية الرسل الإلهيين، وارتشف في النهاية كأس الشهادة، وقَفل راجعاً إلى جوار رحمة ربّه الكريم. ولكن لننظر ما هو مصير هؤلاء القوم الطغاة الظلمة؟. مع أنّ القرآن الكريم لم يورد شيئاً في ما انتهى إليه عمل هؤلاء الثلاثة من الرسل الذين بعثوا إلى هؤلاء القوم (من الرسل شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام)، لكن جمعاً من المفسّرين ذكروا أنّ هؤلاء قتلوا الرسل أيضاً إضافةً إلى قتلهم ذلك الرجل المؤمن، وفي حال أنّ البعض الآخر يصرّح بأنّ هذا الرجل الصالح شاغل هؤلاء القوم بحديثه وبشهادته لكي يتسنّى لهؤلاء الرسل التخلّص ممّا حيك ضدّهم من المؤامرات، والانتقال إلى مكان أكثر أمناً، ولكن نزول العذاب الإلهي الأليم على هؤلاء القوم قرينة على ترجيح القول الأوّل، وإن كان التعبير (من بعده) (أي بعد شهادة ذلك المؤمن) يدلّل في خصوص نزول العذاب الإلهي على أنّ القول الثاني أصحّ (تأمّل بدقّة). رأينا كيف أصرّ أهالي مدينة أنطاكية على مخالفة الإلهيين، والآن لننظر ماذا كانت نتيجة عملهم؟ القرآن الكريم يقول في هذا الخصوص: “وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنّا منزلين”. فلسنا بحاجة إلى تلك الاُمور، وأساساً فانّه ليس من سنّتنا لإهلاك قوم ظالمين أن نستخدم جنود السماء، لأنّ إشارة واحدة كانت كافية للقضاء عليهم جميعاً وإرسالهم إلى ديار العدم والفناء، إشارة واحدة كانت كافية لتبديل عوامل حياتهم ومعيشتهم إلى عوامل موت وفناء، وفي لحظة خاطفة تقلب حياتهم عاليها سافلها.
جاء في موقع براثا عن بك يا سيدي السيستاني نباهي الأمم للسيد محمد الطالقاني: عتبر المرجع الاعلى سماحة السيد السيستاني أطال الله عمره الشريف، رائد المشروع التغييري والاصلاحي في العراق، حيث تجلت قيادته في أروع صور القيادة والزعامة الدينية والسياسية، وأصبح مدرسة ومنهجا لكل قادة العالم، ومنارا يقتدي بها الأجيال في رسم الصورة الحقيقية والصحيحة للزعيم الديني- السياسي. وقد امتاز المرجع السيستاني بالحكمة العالية التي حيرت العقول واذهلت الساسة، فكان يلتزم الصمت تجاه كل ما يؤجج الفتن والتناحر الطائفي، تلك الفتن التي حاولت زعزعة الوضع، لكنه بصمته العجيب حقن دماء المسلمين. فكان ناصحا ومرشدا لكل السياسيين، حتى بحَّ صوته من تكرار الدعوات لهم، بان يعوا حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وينبذوا الخلافات التي ليس من ورائها إلا المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية، ويجمعوا كلمتهم على إدارة البلد بما يحقق السعادة والتقدم، لكنهم كانوا يجتمعون عَلَى الباطل ويتفرقون عن الحق، بعد ان غرتهم دنيا هرون فتركوا شعبهم، واضحت مصالحهم همهم الوحيد. واليوم… والعراق يعيش في جو مضطرب سياسيا، وامنيا، واقتصاديا، وصحيا، واجتماعيا، يقف الأب الروحي لهذا الأمة ليضع خارطة الطريق للخلاص من هذه الازمة امام ممثلة الامم المتحدة في العراق، لتكون هي شاهدة على الحكومة العراقية في تطبيق هذه الخارطة التي رسمها سماحة السيد السيستاني حفظه الله. فقد اكد سماحته على ان المسار السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن الذي يعاني منه البلد، نتيجة لتراكم أزماته سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، وصحياً، وخدمياً، هي الانتخابات المبكرة، وأن تنتخب الامة بكل حرية وبعيداً عن أي ضغط من هنا أو هناك ممثليها في مجلس النواب القادم. كما اكد سماحته على الوقوف بوجه التدخلات الخارجية في شؤون البلد، وإبعاد مخاطر التجزئة والتقسيم عنه، والحفاظ على السيادة الوطنية، ومنع خرقها وانتهاكها. واكد سماحة المرجع الاعلى على مكافحة الفساد، وبسط الأمن في البلد، واحترام القانون، واجراء العدالة بحق كل الذين اقترفوا الجرائم من قتل وخطف وغير ذلك. كل هذه الأمور لاتتحقق ولا يمكن التوصل اليها في ظل جو يسوده تضارب الأهواء، والانسياق وراء المصالح الشخصية، أو الحزبية، أو المناطقية،التي تسيطر على افكار الساسة المتصدين، فلابد إذن من الارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية وعدم التفريط لأي ذريعة بسيادة البلد واستقراره واستقلال قراره السياسي. إن كلمات الشكر كلها عاجزة أمام عظمتك يا سيدي السيستاني، فبقيادتك لسفينة العراق بكل حكمة وهدوء وسط تلك الأمواج المتلاطمة، بسبب مراهقة وتهور وفشل وفساد الساسة الذين باعوا العراق، قد انقذت الأمة من الهلاك والضياع. فتحية اجلال وتقدير واحترام لك ياسيدي السيستاني. وليعلم الجميع من الاصوات النشاز التي ترتفع هنا وهناك، ان المرجعية الدينية هي التي لها حق اعطاء الراي وتحديد المواقف وليس نحن، لانها نقطة القوة لنا، وقارب النجاة للجميع وهي التي لها الفضل في اعادة الهيبة للبلاد والعباد وارجاع العراق الى مكانته الدولية، وهي التي خلقت الارادة القوية لدى هذا الشعب، هذه الارادة التي سوف تغيير خارطة العراق السياسية بعد ان يرمي هذا الشعب كل الخونة والسراق في مزبلة التاريخ.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط