شبابنا والثقافة الحديثة ـ كيف نستمتع في الحياة
* د. رضا العطار
هناك فرق ما بين الشاب الذي دخل الحب في حياته، ففرح وطرب باللقاء كما لهث وتعب بالحرمان، وبين الرجل الذي اغلق على قلبه، فلم يعرف لذة اللقاء ولا لوعة الحرمان. أجل، انه فرق ما بين الحياة والموت، مابين النشاط المنعش والركود الآسن.
والحب هو شهوة الجسم، كما هو تعقل النفس، وهو ما دام على مستوى الشهوة يتركنا في ذهول حيواني. اما حين يخرج من الشهوة الى التعقل … الى احساس النفس، فاننا نجد فيه المعاني العميقة والآفاق الواسعة، فاننا عندما نشتهي المرأة نأخذ منها ونستخدمها، اما حين نحبها فاننا نعطيها ونخدمها.
ويجب لذلك ان نتسامى بالشهوة الى الحب، وليس معنى هذا التسامي ان ننسى الشهوة، ولكن ان ننقلها من الذهول الحيواني الى التعقل البشري، من الاخذ والانتهاب الى الاعطاء والسخاء. والحب عند اللقاء سعادة سامية، ثم هو عند الحرمان لوعة وخلوة وتأمل، بل ان الحب على ما نجد فيه من طرب في اللقاء قد يكون اسمى في وقت الحرمان، لأننا في اللقاء نجد ذبذبة الجسم فقط، اما وقت الحرمان فاننا نجد الذكرى والخيال، فنحيا في طرب الذبذبة النفسية، وعندئذ يكون الشعر والفن، بل تكون العبرة.
والعلاقة بين الحب والفن، هي العلاقة بين الغرام والشعر، اكبر مما نظن بل انها لتكاد تكون مطابقة اذ نجد فيها جميعها غلوا وحماسة واهتياجا. ولم يكن لذلك عفوا ان يغدو الحب موضوع الادب والشعر عند جميع الامم المتمدنة بل الامم البدائية ايضا. لانها كلها ارتفاعات نفسية متشابهة. واشعار الحب تجري على السنة العامة كما لو كانت اشعار المجد. وكذلك نلمس نفس المشاعر في الرسوم التاريخية التي تتناول قصص الحب في قداسة الاحساس الفني، كما تتناول قصص الدين او مآثرالابطال من القواد والعظماء.
ونحن نعرف من كلمة التضحية انها وصف الابطال ولكننا ننسى ان اعظم المضحين هم المحبون. وكثيرا ما نقرا في الصحف عن حوادث البطولة عند افراد من العامة وقت الحب، فان كلا من المحبين قد يضحي بنفسه للأخر. وهو انما يرتفع بهذا الاحساس نبلا لان غلواء الحب مثل غلواء الفن تحرك خياله وتستنهض ضميره وشهامته حتى تحيله من شاب عادي يحترف النجارة او البقالة الى بطل. وليس الحب مع ذلك حقا لكل انسان. لا. انما هو المكافأة التي يستحقها الانسان الصالح للبقاء. ذلك عندما تكون فيه ميزات في الجسم والعقل تجذب اليه الجنس الاخر في اعجاب واشتهاء. والاعجاب والاشتهاء هنا هي صوت الطبيعة للبقاء، تعبر عنهما المرأة بالرضا والانجذاب.
ولذلك يجب على كل انسان قد خاب في حبه ان يسأل عن الاسباب لهذه الخيبة. اذ هي خيبة الحياة التي قد ترجع الى نقص في كفاءته الفطرية والاجتماعية. كما ان من حق كل انسان ان تتاح له الفرصة بان يسعى ليسعد بالحب وان يعثر في ارجاء دنياه وحياته على هذا الشخص الاخر الذي ينتظره لاتمام سعادته.
ويجب ان يسبق الحب الذي يسمو على الشهوة، الزواج. وصحيح ان هناك حبا ينشأ بعد الزواج حين لا تكون الفرص قد توافرت للأختبار قبل الزواج. لكن هذا نادر لا يضمن. ولذلك من حق كل شاب وفتاة الا يقدم احدهما على الزواج الاّ بعد الاحساس الصحيح بان هذا الشخص الآخر المنتظر جدير بالحب و الاعجاب.
* مقتبس من كتاب فن الحب والحياة للموسوعي سلامه موسى.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط