كلمات متعاكسة في آية قرآنية (أعجمي، عربي) (ح 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن أعجمي وعربي “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ” ﴿النحل 103﴾. قوله عز من قائل “وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ” ﴿فصلت 44﴾.

عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أعجمي وعربي “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ” ﴿النحل 103﴾ أعجمي اسم، عربي صفة، ولقد نعلم أن المشركين يقولون: إن النبي يتلقى القرآن مِن بشر مِن بني آدم. كذبوا، فإن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أعجمي لا يُفصح، والقرآن عربي غاية في الوضوح والبيان. قوله عز من قائل “وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ” ﴿فصلت 44﴾ أعجميا صفة، أَأَعْجَمِيٌّ: ءَ حرف استفهام، ا۬عْجَمِيٌّ اسم، أأعجميّ و عربيّ. أقرآنٌ أعجميّ و رَسولٌ عرَبيّ. ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه عليك أيها الرسول أعجميًا، لقال المشركون: هلا بُيِّنتْ آياته، فنفقهه ونعلمه، أأعجمي هذا القرآن، ولسان الذي أنزل عليه عربي؟ هذا لا يكون. قل لهم أيها الرسول: هذا القرآن للذين آمنوا بالله ورسوله هدى من الضلالة، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والأمراض، والذين لا يؤمنون بالقرآن في آذانهم صمم من سماعه وتدبره، وهو على قلوبهم عَمًى، فلا يهتدون به، أولئك المشركون كمن يُنادى، وهو في مكان بعيد لا يسمع داعيًا، ولا يجيب مناديًا.

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قال الله تعالى عن أعجمي وعربي “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ” ﴿النحل 103﴾ قوله تعالى:” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ” افتراء آخر منهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قولهم:”إنما يعلمه بشر” وهوكما يلوح إليه سياق اعتراضهم وما ورد في الجواب عنه أنه كان هناك رجل أعجمي غير فصيح في منطقه عنده شيء من معارف الأديان وأحاديث النبوة ربما لاقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاتهموه بأنه يأخذ ما يدعيه وحيا منه والرجل هوالذي يعلمه وهوالذي حكاه الله تعالى من قولهم:” إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ” وفي القول إيجاز، وتقديره: إنما يعلمه بشر وينسب ما تعلمه منه إلى الله افتراء عليه، وهو ظاهر. ومن المعلوم أن الجواب عنه بمجرد أن لسان الرجل أعجمي والقرآن عربي مبين لا يحسم مادة الشبهة من أصلها لجواز أن يلقي إليه المطالب بلسانه الأعجمي ثم يسبكها هو صلى الله عليه وآله وسلم ببلاغة منطقه في قالب العربية الفصيحة بل هذا هوالأسبق إلى الذهن من قولهم:”إنما يعلمه بشر” حيث عبروا عن ذلك بالتعليم دون التلقين والإملاء، والتعليم أقرب إلى المعاني منه إلى الألفاظ. وبذلك يظهر أن قوله: “لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ” إلى قوله “مبين” ليس وحده جوابا عن شبهتهم بل ما يتلوه من الكلام إلى تمام آيتين من تمام الجواب. وملخص الجواب مأخوذ من جميع الآيات الثلاث أن ما اتهمتموه به أن بشرا يعلمه ثم هو ينسبه إلى الله افتراء إن أردتم أنه يعلمه القرآن بلفظه بالتلقين عليه وأن القرآن كلامه لا كلام الله فجوابه أن هذا الرجل لسانه أعجمي وهذا القرآن عربي مبين. وإن أردتم أن الرجل يعلمه معاني القرآن – واللفظ لا محالة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ينسبه إلى الله افتراء عليه فالجواب عنه أن الذي يتضمنه القرآن معارف حقة لا يرتاب ذولب فيها وتضطر العقول إلى قبولها قد هدى الله النبي إليها فهومؤمن بآيات الله إذ لولم يكن مؤمنا لم يهده الله والله لا يهدي من لا يؤمن بآياته وإذ كان مؤمنا بآيات الله فهو لا يفتري على الله الكذب فإنه لا يفتري عليه إلا من لا يؤمن بآياته، فليس هذا القرآن بمفترى، ولا مأخوذا من بشر ومنسوبا إلى الله سبحانه كذبا. فقوله: “لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ” جواب عن أول شقي الشبهة وهو أن يكون القرآن بلفظه مأخوذا من بشر على نحوالتلقين، والمعنى: أن لسان الرجل الذي يلحدون أي يميلون إليه وينوونه بقولهم: “إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ” أعجمي أي غير فصيح بين وهذا القرآن المتلو عليكم لسان عربي مبين وكيف يتصور صدور بيان عربي بليغ من رجل أعجمي اللسان.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى عن أعجمي وعربي “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ” ﴿النحل 103﴾ “وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ”. إختلف المفسّرون في ذكر اسم الشخص الذي إدّعى المشركون أنّه كان يعلّم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم. فعن ابن عباس: أنّه رجل يدعى (بلعام) كان يصنع السيوف في مكّة: وهو من أصل رومي وكان نصرانياً. واعتبره بعضهم: غلاماً رومياً لدى بني حضرم واسمه (يعيش) أو (عائش) وقد أسلم وأصبح من أصحاب النّبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقال آخرون: إنّ معلّمه غلامين نصرانيين أحدهما اسمه (يسار) والآخر (جبر) وكان لهما كتاب بلغتهما يقرءانه بين مدّة وأُخرى بصوت عال. واحتمل بعضهم: أنّه (سلمان الفارسي)، في حين أن سلمان الفارسي التحق بالنّبيصلى الله عليه وآله وسلم في المدينة وأسلم على يديه هناك، وأنّ هذه التهم التي أطلقها المشركون كانت في مكّة، أضف إِلى ذلك كون القسم الأعظم من سورة النحل مكي وليس مدنياً. وعلى أيّة حال، فالقرآن أجابهم بقوة وأبطل كل ما كانوا يفترون، بقوله: “لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ”. فإِنْ كان مقصودهم في تهمتهم وافترائهم أنّ مُعَلِّمَ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لألفاظ القرآن هو شخص أجنبي لا يفقه من العربية وبلاغتها شيئاً فهذا في منتهى السفة، إِذ كيف يمكن لفاقد ملكة البيان العربي أن يعلِّم هذه البلاغة والفصاحة التي عجز أمامها أصحاب اللغة أنفسهم، حتى أنّ القرآن تحداهم بإِتيان سورة من مثله فما استطاعوا، ناهيك عن عدد الآيات؟ وإِنْ كانوا يقصدون أنّ المحتوى القرآني هو من معلّم أجنبي.. فردّ ذلك أهون من الأوّل وأيسر، إذ أن المحتوى القرآني قد صُبَّ في قالب كل عباراته وألفاظه من القوة بحيث خضع لبلاغته وإِعجازه جميع فطاحل فصحاء العرب، وهذا ما يرشدنا لكون الواضع يملك من القدرة على البيان ما تعلو وقدرة وملكة أيِّ إِنسان، وليس لذلك أهلا سوى اللّه عزَّوجلّ وسبحانه عمّا يشركون. وبنظرة تأمّلية فاحصة نجد في محتوى القرآن أنّه يمتلك المنطق الفلسفي العميق في إِثبات عقائده، وكذا الحال بالنسبة لتعاليمه الأخلاقية في تربية روح الإِنسان وقوانينه الإِجتماعية المتكاملة، وأنّ كلّ ما في القرآن هو فرق طاقة المستوى الفكري البشري حقّاً.. ويبدو لنا أن مطلقي الإِفتراءات المذكورة هم أنفسهم لا يعتقدون بما يقولون، ولكنّها شيطنة ووسوسة يدخلونها في نفوس البسطاء من الناس ليس إِلاّ.

جاء في صفحة شيرزاد عبد الرحمن عن (ما حن أعجمي على عربي) حديث مكذوب موضوع يردده بعض الجهلة دون دراية وتثبت. سلمان الفارسي كان من بلاد فارس وصهيب كان روميا ، ومن علماء الإسلام خلق لا يحصون من بلاد فارس. قال تعالى “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: أيها الناس: ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى. رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الأرنؤوط. وأخيرا من يردد حديثا مكذوبا موضوعا فليتبوأ مقعده من النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. أخرجه البخاري ومسلم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here