أ. د. سامي الموسوي
يمتد تاريخ البشر على الأرض لآلاف السنين، حيث يُعتبر العصر الحجري نقطة البداية لهذا التاريخ الطويل. بدأ هذا العصر منذ حوالي 2.5 مليون سنة، بناءً على الأبحاث الأثرية والدراسات المتعلقة بتطور البشر. يُعتقد أن أول ظهور للإنسان القديم حصل في قارة أفريقيا، حيث يُقدَّر أن الإنسان الأول الذي يُعرف بالاسم العلمي “هومو” Homo ظهر منذ حوالي 2.8 مليون سنة، ومنه تطورت الأنواع البشرية الأخرى.
في القرآن الكريم، يُشار إلى مفهوم التطور في قوله تعالى: “وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا” (نوح: 14)، حيث تعكس كلمة “أطوارًا” التغير والتطور عبر مراحل مختلفة، مما يُظهر التنوع في الكائنات أو الظواهر الطبيعية.
الدراسات العلمية أثبتت بشكل قاطع أن البشر تطوروا عبر الزمن، ومن الأنواع المعروفة التي سبقت الإنسان الحديث “هومو سابينس” Homo Sapines، المعروف بالإنسان المفكر. وتسلط هذه الدراسات الضوء على كيفية تطور الإنسان عبر آلاف السنين، مما يُظهر كيف أن البشر تطوروا نحو الأفضل عبر العصور حيث كانت رحلة الإنسان على الأرض مليئة بالتغيرات والتطورات، مما أدى إلى ظهور الإنسان في شكله الحالي، مُظهرةً قدرة الخالق على تكييف الخلق على التطور عبر الزمن وحسب الحاجة. وهذه المراحل الرئيسية لخلق الانسان هي:
1. هومو هابيليس (Homo Habilis) او الانسان الماهر: وهو نوع منقرض من أطوار الجنس البشري الأوائل، ويُعتقد أنه عاش منذ حوالي 2.4 إلى 1.4 مليون سنة في شرق وجنوب أفريقيا. يُعتبر من أقدم الأنواع التي تنتمي إلى جنس “هومو”، الذي يشمل الإنسان الحديث. كان هومو هابيليس أصغر حجمًا مقارنة بالأنواع اللاحقة، حيث بلغ طوله حوالي 1.3 متر ووزنه حوالي 45 كيلوجرامًا. امتلك دماغًا أكبر من أسلافه، حيث كان حجم الجمجمة يتراوح بين 500 إلى 600 سم مكعب، مما يشير إلى تطور في القدرة العقلية. كما تميز بأطراف علوية طويلة نسبيًا، مما قد يشير إلى اعتماده جزئيًا على التسلق في الأشجار. يُعتبر هومو هابيليس أول الأنواع التي استخدمت الأدوات الحجرية بشكل منتظم، حيث تم العثور على أدوات بسيطة مثل القواطع والمكاشط في مواقع أثرية مرتبطة بهذا النوع. عاش هومو هابيليس في بيئات مختلفة تتراوح من السهول المفتوحة إلى الغابات، مما يشير إلى قدرته على التكيف مع تغيرات البيئة. كان نظامه الغذائي متنوعًا، شمل اللحوم والنباتات، وقد يكون قد استخدم الأدوات للحصول على الطعام ومعالجته. يُعتبر هومو هابيليس مرحلة مهمة في تطور الإنسان، حيث يُظهر الانتقال من أشباه البشر الذين كانوا يعتمدون بشكل أساسي على الحياة الشجرية إلى كائنات أكثر قدرة على الحياة الأرضية واستخدام الأدوات. يساهم هذا النوع في فهمنا لتطور الخصائص التي تُميز البشر الحديثين، مثل زيادة حجم الدماغ واستخدام الأدوات.
2. هومو إرغاستر (Homo Ergaster) أي الانسان العامل: يُعتبر Homo Ergaster أحد الأنواع المنقرضة من الجنس البشري المبكر، وقد عاش خلال العصر الحجري القديم السفلي. يُعتقد أن هذا النوع قد تطور في أفريقيا قبل حوالي 1.9 مليون إلى 1.4 مليون سنة مضت. كان Homo Ergaster يتميز ببنية جسمانية متوسطة الحجم، مع جمجمة أكثر تطورًا مقارنةً بأسلافه مثل Homo Habilis. كانت لديه جبهة منخفضة نسبيًا وحواجب بارزة، ووجه مسطح نسبيًا. يُظهر الهيكل العظمي قدرة على المشي بشكل مشابه للإنسان الحديث. كان Homo Ergaster يستخدم الأدوات الحجرية، وهي علامة على تطور في السلوك البشري. الأدوات التي صنعها كانت أكثر تعقيدًا من تلك التي استخدمها الأسلاف السابقون، مما يشير إلى تطوير في المهارات اليدوية والقدرات العقلية. يُعتقد أن Homo Ergaster قد عاش في مناطق واسعة من أفريقيا، وربما كان أول نوع بشري يغادر القارة الأفريقية، مما أدى إلى ظهور أنواع أخرى مثل Homo Erectus في آسيا وأوروبا. يعتبر Homo Ergaster حلقة مهمة في سلسلة تطور الإنسان، حيث يُظهر انتقالًا واضحًا من الأشكال البدائية إلى تلك الأكثر تطورًا. اكتشافات حفرياته توفر رؤى قيمة حول كيفية تطور القدرات الجسدية والعقلية للبشر الأوائل. قال تعالى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿٧ الإنفطار﴾.
الآية “خلقك فسواك فعدلك” تعبر عن الفهم العميق لعملية خلق الإنسان وكيف أن الله قد خلق البشر بطريقة متكاملة ومتوازنة. تعكس هذه الآية الحكمة والقدرة الإلهية في خلق الإنسان ومنحه القدرة على العيش والتفاعل في هذا العالم بشكل منظم وعادل ومتطور.
3. هومو إريكتوس (Homo Erectus) أي الانسان المنتصب: عاش منذ حوالي 1.9 مليون إلى 110,000 سنة تقريبًا. وهو نوع منقرض من البشر القدماء عاش لفترات طويلة على الأرض. يُعتبر جزءًا مهمًا من تطور الجنس البشري ويُعتقد أنه كان له دور رئيسي في انتشار البشر خارج أفريقيا. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴿٢٠ الروم﴾. قال تعالى: قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿٣٧ الكهف﴾ أي جعلك واقفا على رجلين كما في قوله تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧ الحج﴾ أي يأتون مشيا على الاقدام (رجالا). تميز Homo Erectus بعدة خصائص جسدية، مثل القامة المنتصبة، مما يسمح له بالمشي بشكل مستقيم، وهو تطور مهم في تاريخ البشرية. كان لديه أيضًا حجم دماغ أكبر من أسلافه، مما يدل على زيادة في القدرات العقلية. جسمه كان قويًا ومتكيفًا للمشي لمسافات طويلة، مما ساعده على الانتشار في بيئات متنوعة، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ – هنا ثم تفيد التراخي والزمن الطويل قال تعالى: َفإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٢٩ الحجر﴾. وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿٧ الإنفطار﴾ أي الخلق جاء في البداية ثم التسوية والتعديل ويستوي أي يستقيم وينتصب بعد ان كان اعوجا. والروح هو امر من الله (روحي) أي امري (ومن روحي) أي جزء يسير من امري يعادل نفخ بسيط.
يُعتقد أن Homo Erectus هو أول نوع بشري يغادر أفريقيا وينتشر في مناطق متعددة، مثل آسيا، حيث وُجدت أحافيره في الصين وإندونيسيا، وكذلك في أوروبا والشرق الأوسط. كان هذا النوع معروفًا باستخدام أدوات حجرية متقدمة، مثل الفؤوس اليدوية والأدوات الحادة، كما يُعتقد أنه كان أول من تحكم في النار، مما زاد من قدرته على الطهي والبقاء في بيئات باردة. يُعتبر Homo Erectus نوعًا محوريًا في دراسة التطور البشري، حيث يمثل خطوة مهمة نحو الإنسان الحديث. تساعد دراسة هذا النوع العلماء في فهم كيفية تطور القدرات العقلية والجسدية للبشر وانتشارهم عبر القارات. يبقى Homo Erectus موضوعًا مثيرًا للاهتمام في علم الأنثروبولوجيا وعلم الأحياء القديم، حيث توفر دراسته رؤى قيمة حول رحلة التطور البشري وكيف تكيف البشر مع التغيرات البيئية عبر الزمن.
4. Homo Sapiens الإنسان الحديث :الإنسان الحديث هومو سابينس ظهر منذ حوالي 300,000 سنة في أفريقيا قبل أن ينتشر في مختلف أنحاء العالم. تطور الإنسان الحديث تميز بالتغييرات في الدماغ والقدرة على التفكير المعقد والتواصل الاجتماعي. تطور الإنسان لم يكن فقط بيولوجيًا، بل شمل أيضًا تطور الأدوات والتكنولوجيا واللغات والأنظمة الاجتماعية والثقافية التي ساهمت في بقاء الإنسان وانتشاره عبر العصور.
في البداية استخدم البشر أدوات حجرية بسيطة وعاشوا كصيادين وجامعي ثمار، حيث كانوا يتنقلون بحثًا عن الغذاء. تم تقسيم العصر الحجري إلى ثلاث فترات رئيسية: العصر الحجري القديم، الذي شهد حياة الصيد والتنقل؛ العصر الحجري المتوسط، الذي بدأ فيه البشر بالاستقرار وتطوير الأدوات؛ والعصر الحجري الحديث، الذي تميز بالثورة الزراعية واستقرار المجتمعات في القرى.
مع نهاية العصر الحجري، بدأ البشر في اكتشاف المعادن، مما أدى إلى ظهور العصور البرونزية والحديدية. العصر البرونزي، الذي يمتد من حوالي 3300 ق.م إلى 1200 ق.م، شهد استخدام البرونز في صناعة الأدوات والأسلحة، مما ساهم في تطور الحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية القديمة وبلاد الرافدين. أما العصر الحديدي، الذي استمر من 1200 ق.م إلى 600 ق.م، فشهد اكتشاف الحديد واستخدامه بشكل واسع.
تطورت عدة حضارات عظيمة خلال هذه العصور، مثل الحضارة السومرية في بلاد الرافدين، والحضارة المصرية القديمة المشهورة بالأهرامات، والحضارة الهندية ذات النظام التجاري المتقدم، والحضارة الصينية التي ساهمت في تطوير الفلسفة والعلوم.
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، دخلت أوروبا في فترة العصور الوسطى، التي استمرت من حوالي 500 م إلى 1500 م، وتميزت بظهور الإقطاعية ونظام القلاع وانتشار المسيحية.
مع بداية العصر الحديث في القرن الخامس عشر، شهد العالم تطورًا كبيرًا في الفنون والعلوم والتكنولوجيا. كان لهذا العصر أثر كبير على حياة البشر، حيث شهدت الثورات الصناعية والتكنولوجية تغييرات جذرية.
في العصر المعاصر، يعيش البشر في عالم مترابط بفضل التقدم التكنولوجي. يشهد العالم تطورًا مستمرًا في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء والطب، مع استمرار السعي نحو مستقبل أكثر استدامة وتقدمًا.
ذكر ادم (عليه السلام) في القران الكريم ٢٥ مرة، بينما ذكر تعبير (يا بني ادم) ٥ مرات. جذر آدم في اللغة العربية هو (ء د م)، وآدم هو جمع تكسير للاسم أديم ومعناها المائل للسمرة.
القران الكريم يشير الى ان الله عندما أراد خلق البشر عرض ذلك على الملائكة حيث قال: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٠ البقرة﴾. وهذا استفسار عن الحكمة الإلهية وليس اعتراض.
أي ان الله سبحانه وتعالى قال أنى (جاعل) أي خالق خليفة، وهي تعني خلائف لما سبقهم وسيكون بعدهم خلائف جيلا بعد جيل، (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴿١٤ يونس﴾). والجعل هو تحويل الشيء الموجود الى حالة أخرى مثل قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴿٥ الفيل﴾ أي صيرهم.
نفهم من ذلك الحوار ان هذا الخليفة سيسفك الدماء ويفسد في الأرض وهذا السفك للدماء والافساد في الأرض لا يمكن ان يصدر من بشر واحد بل ان الملائكة عندهم اطلاع على من سبق آدم من جنس البشر او غير البشر.
وقوله تعالى:
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ﴿٧١ ص﴾… قال (بشرا من طين) فما هو البشر؟
البَشَرُ: الخَلْقُ ويقع على الأُنثى والذكر والواحد والاثنين والجمع ولا يثنى ولا يجمع. والمعنى ان الله تعالى يقول للملائكة انه سيخلق البشر من طين والسياق يستوجب الجمع، كما في قوله تعالى:
بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ﴿١٨ المائدة﴾، وقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴿٢٠ الروم﴾
وفي آية أخرى يكون الخطاب الإلهي مباشر وشامل وبصيغة الجمع وليس بصيغة الفرد الواحد حيث قال عز من قائل:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴿١١ الأعراف﴾.
خلقناكم ــــ ثم ـــــ صورناكم ـــــ ثم ـــــ قلنا للملائكة
و (ثم) تفيد التراخي في التتابع الزمني الطويل. أي بعد خلقكم ثم تصويركم بالصيغة التي أنتم فيها بشرا بعد ذلك طلبنا من الملائكة ان تسجد سجود تقدير لما استودعنا فيكم من عظمة الخلق أي ان السجود هو لعظمة ما استودعه الله في الانسان من بديع صنعه أي تقديرا لعظمة الله.
وسياق الآية هو الحديث عن الجمع (خَلَقْنَاكُمْ) و (صَوَّرْنَاكُمْ)، فيكون السياق بالجمع كذلك عند ذكر (آدم) أي لجنس آدم من البشر، وذلك بعد فترة طويلة من الخلق ثم التصوير والتصوير أي اكتسابكم صوركم التي أنتم عليها الان.
اذن يتبين ان آدم هو اسم للبشرية او الانسان في بدايات وجوده على الأرض، ولكن هل كان هناك شخص اخر سماه القران (ادم) كأول نبي للجنس البشري في مرحلة الادمية أي الانسان في بدايات تطوره واستقراره في الأرض؟ هذا صحيح، فالله سبحانه وتعالى لم يترك البشر دون رعاية حكيمة منذ استقرارهم في الأرض.
نستنتج من ذلك ان ادم هو اسم جنس يعني البشر من الانسان وهو اسم اول نبي للبشر.
ولهذه الأسباب جاء الخطاب الالهي الجمعي مثل قوله تعالى بصيغة الجمع:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ. وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ. وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴿٣٦ البقرة﴾، الفعل اهبطوا وسياق الآية هو خطاب الجمع.
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا)، هو خطاب موجه لأثنين هما (الذكر والانثى) من البشر ويعني به انه امر الهي موجه الى جميع البشر ذكورا واناثا الى يوم القيامة. والنهي الإلهي عن شجرة الشرور لم ينتهي فالشجرة هي شجرة الظلم والكذب والفساد والفسوق والقتل والحروب وعدم المساواة والتعدي والنميمة والشرك والعقوق والسرقة وغيرها فهي لاتزال شجرة الشيطان التي يأكل منها جميع البشر من كل جنس آدم وهم عنها منهيين بأمر الهي صادر ولا يزال نافذ المفعول وسيبقى ولم يمحى الى يوم الدين. وفي هذا السياق هو اقوم حكمة وأمضى لحكم الله وتدبيره في خلقه من كون المقصود ما اولته التفاسير بان الشجرة هي من صنف شجر الفاكهة ووضعوا لها رسوما مشبهين ذلك بالتفاحة وغيرها وهذا ليس صحيحا ولا يستقيم.
وقوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا. فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٣٨ البقرة﴾. لاحظ الخطاب الإلهي الجمعي الواضح.
أي ان البشر من جنس ادم كانوا يعيشون في جنة الأرض (هذه الأرض) وليس الجنة التي في الاخرة ونهاهم الله من الاقتراب من (شجرة الشرور) بما في ذلك القتل والغيبة والكذب والأخلاق الهابطة والفساد والحروب والزنا وغيرها فأزلهما الشيطان أي (الذكور والاناث) – فصار المخاطب اثنين (ذكر وانثى) بينما المعني هو جميع البشر الى يومنا هذا وما بعده فنحن قد نهانا الله عن تلك الشجرة وليس ادم الفرد فقط بل آدم الجنس والبشر كلهم من هذا الجنس الى يوم الدين.
وبعد ان ذاق جنس آدم (بنو آدم) من شجرة الشرور ولا يزالون يتقوتون على هذه الشجرة وبشراهة اليوم هبطوا جميعا مما كانوا فيه الى مستويات كرمهم بها الله الى أدنى مما أراد الله لهم، وذلك مثل قوله تعالى:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا.
قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ.
اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ.
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ:
· الذِّلَّةُ
· وَالْمَسْكَنَةُ
· وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا:
1. يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
2. وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
3. ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا
4. وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٦١ البقرة﴾.
أي انهم هبطوا مما هو خير (جنة) الى ما هو أدنى وفيه ذل ومسكنة وغضب من الله بسبب اكلهم من شجرة الشرور كالكفر وقتل الأنبياء والفساد والاعتداء على الغير.
قال تعالى:
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٣٥ البقرة﴾.
الخطاب الإلهي هنا على شكل أمر نافذ ومستمر الى (الذكور والاناث) من جنس ادم البشري لهذا جاء (مثنى) أي (ذكر وانثى).
والامر هو نهي بعدم الاقتراب من شجرة الشرور والأخلاق الهابطة ما ظهر منها من أوراق واغصان وجذع وثمر وازهار، وما بطن فيها من جذور ونسغ يصعد من الجذور وغيره. ولكن البشر من جنس آدم لم يلتزموا بأمر الله. فاقتربوا من شجرة الشرور شيئاً فشيئاً فذاقوا من شرورها بل وانغمسوا شرهين فيه ولهذا السبب بدت لهم اثار هذه الشرور والظلم الناتج عنها واضحة جلية غير مستورة
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٤١ الروم﴾).
فأصبح قسم منهم نادمين ولكن لا يعرفون ماذا يفعلون ولهذا علم الله سبحانه الانسان كيفية الاستغفار والتوبة وجعل له ثواب وعقاب. فجاءت جدلية الطاعة والمعصية (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴿١٢١ طه﴾) ثم جدلية التوبة والمغفرة (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴿١٢٢ طه﴾) ثم جدلية الثواب والعقاب في الاخرة. ونؤكد ان المخاطب هو آدم الجنس البشري كله ذكورا واناثا.
والظلم في (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)، هو تعدي حدود الله التي وضعها في شرائعه وظلم الغير هو الجور عليهم باي فعل كان. وبالتأكيد فأن الاقتراب من شجرة الشرور سوف يؤدي الى ظلم كبير فيكون الانسان به ظالما لنفسه ولغيره. والظلم هو الإصرار على الفعل رغم معرفة كونه خطأ يمكن التراجع عنه وينتج عن ذلك الطغيان.
اما قوله تعالى (وَلَا تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ) فقد ذكر القران الكريم (كلمة لا تقربوا) في اكثر من موضع مثل قوله تعالى:
· وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴿٣٢ الإسراء﴾،
· وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴿٣٤ الإسراء﴾،
· وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴿١٥١ الأنعام﴾
كان الغرور اول الاخلاق السيئة التي علمها الشيطان للإنسان وضلت كذلك،
فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ. فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ. وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿٢٢ الأعراف﴾.
وكلمة ذاقا هنا تعني بداية ظهور المفاسد فالذوق هو قبل الاكل وهو اقله وقال ذاقا لانهم لم يكونوا قد اعتادوا عليه بعد ولا حتى يعرفون له اثر لان ذاق تعني هو لم يجربه مسبقا. نتج عن ذلك الذوق من السوء والفحشاء والظلم والحسد والكراهية والعنصرية ما جعلهم يشعرون بانهم لم يعودوا كما كانوا فقد تغيرت نفوسهم وظهرت فيها اثار فسادهم فمثلا لاحظوا ان للمفاسد التي يقترفونها كالكذب والحسد والكراهية والقتل والاعتداء وغيرها لها اثار سلبية لم يكونوا يعرفونها قد بدأت تظهر عليهم وبينهم أي انهم اصبحوا يذوقون وبال امورهم من تعدي الحدود (الظلم)، مثل قوله تعالى:
وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴿٢٤ الزمر﴾.
بعدما ظهرت مساوئهم وعيوبهم فظهر عندهم الحياء فأرادوا الاختباء ولم يفدهم ذلك لان الله مطلع عليهم ولأنهم لا يستطيعون لذلك السبيل وقد فات الأوان فعليهم ان يتعلموا الاستغفار والتوبة، ولكن في زمننا هذا حتى الاستغفار والتوبة لم يعيروا لها أهمية وأصبح ديدنهم المضي في تعدي حدود الله وشراهتهم للأكل من شجرة الشيطان وعليهم بذلك ان يتوقعوا: غضب من الله (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ). وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴿٦٤ الإسراء﴾، أي الاستخفاف بهم بواسطة الصوت وهو الصيتُ: الذِكْرُ الجميل الذي ينتشر في الناس، دون القبيح. يقال: ذهب صيتُهُ في الناس، وأصله من الواو، وهو ما يعرف اليوم (بالنجومية) أي صار نجما ذائع الصيت (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴿٢٠ الأعراف﴾) وملكين أي ذاع صيتهما من الملوكية. والخيل هو الخيلاء والرجل هي القوة.
نستنتج من ذلك كله ما يلي:
1. ان آدم هو اسم جمع للجنس البشري
2. ان اول نبي للبشر هو اسمه آدم (عليه السلام)
3. ان الجنة التي هبط منها الانسان هي في الأرض غير الجنة في الاخرة
4. ان الهبوط هو هبوط معنوي يشمل جميع البشر الى يوم القيامة وهو استبدال منزلة الى منزلة أدنى منها فسمي هبوطا لأنه اقل
(أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ. اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴿٦١ البقرة﴾)
5. الابتعاد عن شجرة الشرور الشيطانية يشمل جميع البشر الى يوم القيامة
6. ان الشجرة المعنية هي تعبير معنوي للمفاسد والخبائث ظاهرها وباطنها كما للشجرة ظاهر وباطن
7. وإذا أراد كل انسان ان يعيش في جنة الله على الأرض عليه الابتعاد عن هذه الشجرة اذ ان كل تعاسة البشر هي مما تجني أيديهم من شجرة الشيطان ومفاسدها
8. ان الانغماس في هذه الشجرة سيعرض الجنس البشري او على الأقل الذين يأكلون منها للغضب الإلهي عاجلا ام آجلا
اذن، لا يوجد دليل من القران او السنة النبوية او اهل البيت والسلف الصالح يثبت ان ادم هو رجل واحد وهو وحواء ابوي البشر كلهم ولم يذكر اسم حواء في القران.
كما وانه لا يوجد دليل واحد يمنع من ان يكون ادم المقصود هو الجنس البشري الحالي فكله يعرف بجنس ادم، حيث كان ادم اول نبي عندهم.
بل ان القران الكريم يقول ان الجنس البشري الحالي (ادم) قد جاء من جنس اخر سبقه حيث قال عز من قائل:
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴿١٣٣ الأنعام﴾،
ويذهبكم تعني ينهيكم من الوجود ثم ينشأ غيركم كما أنشآكم من ذرية قوم من غيركم (اخرين).
وقال تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴿٢٠ الروم﴾،
تشير هذه الآية الكريمة الى مرحلتين في خلق البشر:
المرحلة الأولية: هي الخلق من تراب
المرحلة الثانية: انتشار البشر في الأرض.
وبين المرحلة الأولى والانتشار البشري يوجد فاصلة زمنية كبيرة عرفها لنا بالحرف (ثم). و(إذا) حرف شرط يقيني يفيد الانتشار من بعد الخلق في سياقه.
وقوله تعالى: ﴿١١ الأعراف﴾
· وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ
· ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ
· ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا
· إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ،
·
تخاطب الآية البشر كما يلي:
· استخدام فعل الماضي
· استخدام ضمير الجمع في الخلق ثم التصوير (شكل البشر النهائي).
· استخدام (ثم) الذي يشير الى فاصلة زمنية طويلة
· استخدام (ثم) قبل ذكر آدم وسجود الملائكة تفيد بوجود فاصلة زمنية بين خلق آدم واستقراره وبين مسألة السجود أي حصلت حسب سياق الآية بعد فترة زمنية طويلة من خلق آدم واستقراره.
· بما ان المخاطب ابتدأ بالجمع فيكون ادم هنا هو جمع للجنس البشري المعروف (ادم) حيث ان آدَمُ هو اسم جمع والمفرد (أدم). اذن المخاطب هم الملائكة والمقصود هو جميع الجنس البشري (آدم) وعلى مر العصور يما فيها آدم عصرنا هذا.
ونورد هنا مثال على الجنة المقصودة في قصة آ دم فهي عندما يعيش الناس بما امر الله به بالعدل والقسط وانعدام الفواحش والموبقات والفقر والظلم والحروب وما شابه من عدم الاقتراب من شجرة المعاصي التي استهدفها ابليس فجعل البشر من جنس ادم تائهين قد غرتهم الحياة الدنيا ونسوا ربهم ولو انهم اطاعوه وعبدوه وتركوا الشجرة تلك لعاشوا في جنة بعدها جنة دائمة كما قال تعالى:
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٩٦ الأعراف﴾.
(بما يكسبون)، هذه الشجرة هي الفواحش ما ظهر منها وما بطن أي في الاغصان والأوراق الظاهرة وفي جذورها ونسغها الباطن، قال تعالى في ﴿٣٣ الاعراف﴾:
قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ:
1. الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ
2. وَالإِثمَ
3. وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ
4. وَأَن تُشرِكوا بِاللَّـهِ ما لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطانًا
5. وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ.
رفض ابليس ان يسجد لادم حسدا منه فلم تنفعه عبادة الالاف السنين بمعصية رب العالمين،
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٣٤ البقرة﴾.
قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ. قالَ فَاهبِط مِنها فَما يَكونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فيها فَاخرُج إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرينَ. قالَ أَنظِرني إِلى يَومِ يُبعَثونَ ﴿١٢-١٤ الاعراف﴾.
ولم يكن ابليس موفقا بقياسه فالطين أفضل من النار فمنه نشأت الحياة وهو يطفأ النار وله استقرار أكبر من النار.
هنا يأتي السؤال حول من اين جاء ابليس بمعرفته ليوم البعث ولماذا قال بالجمع يبعثون؟ هو لا يعلم الغيب وعليه فمن الممكن ان نستنتج ان ادم المقصود هنا ليس النبي الذي بعث إليهم بل كان هناك جنس بشري في الأرض هو ادم وهم يعلمون بيوم البعث من انبياء منهم ومن ذلك عرف ابليس به او ان ابليس من الجن وكان الجن موجودون قبل الانس وهم مكلفون فلابد انهم عرفوا بيوم البعث والحساب.
أعطاه الله ما أراد، قالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرينَ. قالَ فَبِما أَغوَيتَني لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المُستَقيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمانِهِم وَعَن شَمائِلِهِم وَلا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرينَ. قالَ اخرُج مِنها مَذءومًا مَدحورًا لَمَن تَبِعَكَ مِنهُم لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُم أَجمَعينَ ﴿١٥-١٨ الاعراف﴾،
يلاحظ ان سياق الكلام عن ادم هو بالجمع المخاطب وهو دلالة على ان العديد من بني ادم كانوا موجودين.
ثم ينتقل الكلام الموجه الى ادم بقوله تعالى:
وَيا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِن حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ. فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ. وَقاسَمَهُما إِنّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحينَ. فَدَلّاهُما بِغُرورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُما سَوآتُهُما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَم أَنهَكُما عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُما إِنَّ الشَّيطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبينٌ. قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ ﴿١٩-٢٣﴾،
قلنا ان الشجرة هي شجرة الفواحش والشرور التي اثارها في نفوسهم ابليس بوساوسه فيهم فظهر قبح هذه الاعمال والأفكار والوساوس في صدورهم وقلوبهم مما بدى على سلوكهم وتصرفاتهم بشكل واضح لا ينكر (لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما). ولم يذكر الاكل هنا ولكن ذكر النهي اما قوله فذاقا الشجرة يعني انهم فعلوا الشرور مثل قوله تعالى:
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٥ الحشر﴾
وقوله تعالى: فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴿٣٥ التوبة﴾.
فاعترفوا بان شيء ما قد تبدل في نفوسهم وظهر لديهم الحسد والشر والفاحشة وما الى ذلك فعلموا انهم ظلموا أنفسهم.
ثم تولدت لديهم أهمية الاستغفار والدعاء والاعتراف بالذنب.
وانتهت الآية بنون الجماعة (لَنَكونَنَّ) وهذا دليل على انهم جمع من بني ادم وليس اثنين فقط.
ولكن لعل الذي بدت فيهم القصة هما اثنين ادم وحواء وربما يشير ذلك انهم كانوا جميعا ذكور واناث. فالذين عصوا هم جمع منهم وهذا واضح من سياق الآيات التي تأتي بعد ذلك حيث قال تعالى:
قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ وَلَكُم فِي الأَرضِ مُستَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ. قالَ فيها تَحيَونَ وَفيها تَموتونَ وَمِنها تُخرَجونَ. يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ. يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُم إِنّا جَعَلنَا الشَّياطينَ أَولِياءَ لِلَّذينَ لا يُؤمِنونَ ﴿٢٤-٢٧ الاعراف﴾.
وقوله تعالى (اهبطوا) وما بعدها تخاطب مجموعة من البشر بل تخاطب البشر في كافة العصور والهبوط هو ليس النزول من السماء بل الهبوط المعنوي الذي لا يواريه الا لباس التقوى وهو خير، على وزن (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) ﴿٦١ البقرة﴾.
و (سَوآتِكُم) تعني معنيين هما اجسادكم كي تستروها وأديان فيها شرائع لكم لكي تواري الفواحش عنكم لهذا فان لباس التقوى هو أفضل لكم. و (يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما) أي ينزع عنهما لباس التقوى الذي هو وقاية ضد الفواحش والشرور ولا يقتصر ذلك على العورة بل هي جزء منها. و (كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم) هو خطاب عام وبليغ يراد به الجمع فكل واحد عنده ابوين وهو قد يكون اب او ام، فالغواية من قبل ابليس تشمل الجميع،
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ﴿٣٩ الحجر﴾.
الخلاصة ان آدم هو جنس آدم وليس شخص واحد فقط وان الخطاب له يشمل كافة الجنس البشري في كل العصور والشجرة هي شجرة الشرور والمعاصي والفواحش والهبوط يشمل كل بني آدم من البشر الى يوم القيامة والجنة التي هبطوا منها هي الأرض بدون المعاصي والظلم والشرور وهي غير الجنة التي في الاخرة. واللباس هي التقوى والالتزام والسوأة هي ظهور تأثيرات الفواحش والبغض والحسد والظلم في بواعث النفوس. والله اعلم.
المصادر ضمن الكتب التالية وقبلها القران الكريم:
1. المصباح في زجاجة المؤلف د. سامي نوح حسن
2. سدرة المنتهى المؤلف د. سامي نوح حسن
3. يوم يكشف عن ساق المؤلف د. سامي نوح حسن
4. ولتعلمن نبأه بعد حين المؤلف د. سامي نوح حسن
5. الكون يحمل عناصر فنائه المؤلف د. سامي نوح حسن
6. افلا يتدبرون القران المؤلف د. سامي نوح حسن
7. معاني الغريب في الذكر الحكيم الجزء ١ المؤلف د. سامي نوح حسن
8. معاني الغريب في الذكر الحكيم الجزء ٢ المؤلف د. سامي نوح حسن
9. معاني الغريب في الذكر الحكيم الجزء ٣ المؤلف د. سامي نوح حسن
10. من معجزات القران ما بين الطب والعلوم الحديثة المؤلف د. سامي نوح حسن
11. الفوائد الطبية للصلاة على الدماغ والصحة النفسية المؤلف د. سامي نوح حسن
12. الفوائد الطبية للصلاة على أجهزة الجسم المؤلف د. سامي نوح حسن
13. الفوائد الطبية للصلاة الوقاية والعلاج المؤلف د. سامي نوح حسن
14. Ascend in heaven and the Quran Dr. Sami Nooh Hassan
15. Jujube tree at the end of universe Dr. Sami Nooh Hassan
16. Interesting elements in the Quran Dr. Sami Nooh Hassan
17. You shall know it after a while Dr. Sami Nooh Hassan
18. The code and the holy Quran Dr. Sami Nooh Hassan
19. The lamb in a glass Dr. Sami Nooh Hassan
20. Benefits of prayer system health Dr. Sami Nooh Hassan
21. Benefits of prayer mental health Dr. Sami Nooh Hassan
22. Benefits of prayer on prevention Dr. Sami Nooh Hassan
23. Gilgamesh the eternal quest Dr. Sami Nooh Hassan
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط